يحتفي الأزهر الشريف هذا العام في جناحه بمعرض القاهرة الدولي للكتاب بإحدى القامات العلمية والفكرية البارزة، الشيخ العلامة محمد عبد الله دراز، الذي يُعدُّ نموذجًا رفيعًا لرجال العلم الذين جمعوا بين التراث الإسلامي العريق والثقافة الغربية الحديثة.
هذا العالم الجليل، الذي سطر اسمه بحروف من نور في سجل الفكر الإسلامي، كان واحدًا من أهم الشخصيات التي أثرت العقل الإسلامي بكتاباتها المتميزة وجهودها العلمية والأدبية التي لامست قضايا الأمة والوطن.
من الأزهر إلى السوربون: رحلة علمية فريدة
وُلد الشيخ محمد عبد الله دراز في بيتٍ مشبع بروح العلم والتقوى، حيث نشأ في كنف عائلة أزهرية عريقة. تخرَّج من الأزهر الشريف، صرح العلم الإسلامي الأكبر، قبل أن يشدَّ الرحال إلى جامعة السوربون في فرنسا لاستكمال مسيرته الأكاديمية.
هناك، تميَّز بقدرته على استيعاب الثقافات المختلفة وإثراء الفكر الإسلامي بأسلوب يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
كان الشيخ دراز من أوائل العلماء المسلمين الذين خاضوا غمار دراسة الفلسفة الأخلاقية في ضوء القرآن الكريم. وتُعد رسالته الشهيرة “دستور الأخلاق في القرآن”، التي كتبها باللغتين العربية والفرنسية، علامة فارقة في الفكر الإسلامي.
الرسالة لم تكن مجرد دراسة أكاديمية، بل كانت تجسيدًا لمنهجه في تقديم الإسلام كمنظومة شاملة تجمع بين الروح والعقل.
إسهامات فكرية تجاوزت الحدود
تميز الشيخ محمد عبد الله دراز بقدرته على توصيل الفكر الإسلامي إلى العالم أجمع، حيث مثَّل الأزهر الشريف في العديد من المؤتمرات الدولية، مدافعًا عن قضايا الأمة الإسلامية ومبرزًا الصورة الحقيقية للإسلام.
كما أنه كان عضوًا في “جماعة كبار العلماء”، وهي إحدى أرفع الهيئات العلمية في الأزهر، مما يعكس مكانته العلمية الرفيعة.
أثرى الشيخ المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات التي تناولت قضايا العقيدة والأخلاق والفكر وتعتبر كتاباته مرجعًا مهمًا للباحثين والدارسين، حيث قدَّم الإسلام في صورة منطقية تجيب عن تساؤلات العصر وتواجه تحدياته.
معرض الكتاب: جسرٌ لإحياء التراث العلمي
يمثل الاحتفاء بالشيخ دراز في جناح الأزهر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب دعوة للجيل الجديد لاكتشاف كنوز الفكر الإسلامي وتجديد الارتباط بتراث العلماء الكبار.
يقدم الجناح عرضًا لمؤلفات الشيخ باللغتين العربية والفرنسية، في خطوة تهدف إلى نشر أفكاره وإسهاماته بين جمهور واسع من القراء والمهتمين.
تكريم مستحق لرجل العلم والفكر
إن تسليط الضوء على شخصية مثل الشيخ محمد عبد الله دراز يعكس اهتمام الأزهر بدوره الثقافي والتنويري في المجتمع
. فالشيخ دراز لم يكن مجرد عالمٍ من علماء الأزهر، بل كان رمزًا لقيم الوسطية والتسامح والانفتاح على العالم، وهو النهج الذي يحتاجه العالم اليوم.
هذا التكريم يأتي في وقت تُثار فيه تحديات عديدة أمام الفكر الإسلامي، ليذكرنا بأهمية التمسك بالقيم العلمية والأخلاقية التي دعا إليها الشيخ دراز، وجعلها أساسًا للحوار مع الآخر وبناء مستقبل أفضل للأمة.
