التطرف الإلكتروني.. وجه جديد للتهديدات المجتمعية

عند التدقيق في ظاهرة التطرف بوصفها صناعة ممنهجة، يتضح أنها تنبع من عدة عوامل متداخلة تلعب دورًا محوريًا في تهديد السلم المجتمعي والدولي على حد سواء.
ومن أبرز هذه العوامل شبكة الإنترنت، التي وفّرت بيئة خصبة لنوع جديد من التطرف يُعرف باسم “التطرف الإلكتروني”.
فمع الانتشار الواسع للإنترنت وما يتضمنه من تطبيقات ومنصات تواصل اجتماعي، أصبحت الأفكار المتطرفة أكثر سهولة في الانتشار، حيث تتيح هذه الأدوات للأفراد والجماعات المتطرفة نشر أيديولوجياتهم بحرية ودون رقابة كافية.
ومع غياب الفلترة المناسبة للمحتويات، أصبحت هناك إمكانية أكبر لتوجيه الشباب نحو الفكر المتشدد، سواء عبر ترويج مواد دعائية تحريضية أو من خلال عمليات استقطاب مباشرة تُنفذ عبر المحادثات الخاصة والمنصات المغلقة.
وسائل الإعلام.. سلاح ذو حدين في تغذية التطرف
لم تقتصر العوامل المغذية للتطرف على الإنترنت فقط، بل لعبت وسائل الإعلام التقليدية والرقمية دورًا لا يقل خطورة في تأجيج النزعات العنصرية وتغذية خطاب الكراهية.
فقد عمدت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى نشر خطابات متحيزة ضد فئات بعينها، من بينها المسلمون والمهاجرون، مما أسهم في تصاعد أعمال العنف والاعتداءات ضد المساجد في الغرب، بالإضافة إلى تعزيز الصورة النمطية السلبية عنهم.
إن هذه التغطيات الإعلامية غير المتوازنة تخلق بيئة خصبة لانتشار الخوف والتعصب، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة من مختلف الأطياف سواء من المتشددين دينياً أو من اليمين المتطرف لتبرير أفكارهم العنيفة أو الترويج لأجنداتهم السياسية والاجتماعية.
اليمين المتطرف وخطاب الكراهية: أداة سياسية أم تهديد مجتمعي؟
يعد خطاب الكراهية أحد أخطر الأدوات التي يعتمد عليها اليمين المتطرف لترسيخ قاعدته الشعبية وتأجيج الصراعات داخل المجتمعات الغربية فمن خلال إثارة المخاوف من الدين الإسلامي تارة، والتحذير من تدفق المهاجرين واللاجئين تارة أخرى، يتمكن التيار المتطرف من حشد الدعم السياسي واستقطاب الناخبين.
وفي كثير من الأحيان، يتم استغلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية كوقود لتعزيز هذه الخطابات، حيث يتم تصوير الأقليات الدينية والعرقية على أنها السبب في تفاقم المشكلات، مما يؤدي إلى زيادة حالات التمييز والاعتداءات اللفظية والجسدية ضدهم.
التطرف بين الداخل والخارج: كيف تتغير معادلة الخطر؟
لطالما كان يُعتقد أن التطرف ينشأ فقط في البيئات التي تعاني من الفقر والجهل والصراعات المسلحة، كما هو الحال في بعض الدول الإفريقية والشرق أوسطية لكن الواقع يشير إلى أن الدول المتقدمة ليست بمنأى عن هذه الظاهرة، خاصة في ظل تصاعد خطاب الكراهية الذي يغذي الانقسامات الاجتماعية.
في العديد من الدول الغربية، أصبح التطرف اليميني يمثل تهديدًا متزايدًا، حيث يتم استخدام وسائل الإعلام، والمنصات الرقمية، والتصريحات السياسية، لإثارة المخاوف وتأليب الرأي العام ضد فئات بعينها وهذا يعزز حالة الاستقطاب المجتمعي، ويخلق بيئة مهيأة لظهور نزعات عنيفة قد تتحول إلى هجمات فعلية على الأرض.
مرصد الأزهر.. جهود لمكافحة التطرف ونشر الوعي
في مواجهة هذه التحديات، يسعى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى تقديم حلول معرفية وتوعوية تهدف إلى التصدي لانتشار الفكر المتطرف، وتعزيز ثقافة الحوار والتعايش السلمي.
ومن بين هذه الجهود، تقديم مجموعة متنوعة من الإصدارات الفكرية لزوار جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث تتناول هذه الإصدارات مختلف جوانب التطرف، وتقدم رؤية علمية حول كيفية مواجهته بأساليب فكرية وثقافية تعتمد على الحوار والتوعية.
إن مكافحة التطرف لا تتطلب فقط الحلول الأمنية، بل تحتاج إلى معالجة الأسباب الجذرية للظاهرة، بما يشمل تحسين السياسات الإعلامية، وتعزيز المحتوى الرقمي الإيجابي، وتشجيع الخطاب المعتدل الذي يعزز التفاهم بين مختلف فئات المجتمع.