أوضة الحنة لمنع الضرة.. أغرب طقوس الزواج في قنا
حكاية "أوضة الحنة" وسط المقابر

في قلب محافظة قنا، خلف مقام الشيخ عبد الرحيم القنائي، وبين المقابر القديمة، تقف “أوضة الحنة” كأحد أغرب الأماكن التي تحتضن طقوساً زواجية نادرة، وهذه الغرفة، التي لا تتجاوز مساحتها 25 متراً مربعاً، بنيت من الطوب اللبن وسقفها مغطى بالجريد والخوص، لكنها تحمل في جدرانها آثار العشرات من الأزواج الذين زاروها عبر الزمن.

سر الطقوس الغامضة.. نقش الأسماء وطباعة الكفوف
تؤمن بعض العائلات في قنا بأن زيارة “أوضة الحنة” تضمن للعروس حياة زوجية مستقرة، وتحميها من دخول “الضرة” إلى حياتها، فبمجرد تحديد موعد الزواج، تتجه العروس برفقة عريسها إلى الغرفة، حيث يقومان بكتابة أول حرفين من اسميهما مع تاريخ زفافهما على الجدران، وبعد ذلك، يغمس كلاهما يده في الحناء ويطبع كفيهما بجوار الأسماء، اعتقاداً بأن هذه العادة تمنح زواجهما البركة وتمنع الزوج من الزواج بأخرى.
احتفالات صاخبة وسط المقابر
لا يتوقف الأمر عند كتابة الأسماء، بل يصطحب العروسان معهما الطعام والشراب، وأحياناً تستأجر العائلة فرقة زفة شعبية لترافقهم بالغناء والطبول أثناء أداء الطقس، المشهد يبدو غريباً، حيث تختلط أجواء الفرح وأصوات الموسيقى مع سكون المقابر المحيطة.
المقام والحفرة الغامضة

داخل “أوضة الحنة” يوجد مقام صغير يُعتقد أنه تابع لأحد الأولياء الصالحين، وبجانبه حفرة مستديرة، يُلقي فيها العروسان بعض النقود والطعام كنوع من التبرك وطلب البركة في زواجهما.
جدل بين الأهالي.. بين الرفض والتصديق
على الرغم من قدم هذه العادة، فإنها ليست معروفة لدى جميع أهالي قنا، إذ علق أحد سكان المحافظة قائلاً:
“أنا من قنا وأول مرة أسمع عن الكلام ده!”
فيما أشار آخر إلى أهمية تسليط الضوء على مثل هذه الطقوس قائلاً:
“المكان موجود فعلاً، ولازم نواجهه وننصح الناس بعدم تصديق هذه المعتقدات.”
رأي الدين
يرى علماء الدين أن مثل هذه العادات تندرج تحت مظاهر البدع والخرافات التي لا أساس لها في الإسلام، فالإسلام لا يشجع الاعتقاد بأن كتابة الأسماء أو طباعة الأيدي في مكان معين يمكن أن يمنع حدوث أمر مستقبلي مثل الزواج بأخرى، لأن ذلك ينافي عقيدة التوحيد التي تقوم على الإيمان بأن الله وحده هو المتصرف في شؤون العباد.
وقد حذر النبي محمد ﷺ من التعلق بالبدع، حيث قال: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” رواه البخاري ومسلم”، أي أن أي ممارسات ليست من تعاليم الدين فهي مرفوضة، كما أن زيارة القبور ينبغي أن تكون للعظة والعبرة، وليس لممارسة طقوس غير شرعية، أو تقديم القرابين والنذور، فقد قال رسول الله ﷺ: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى” (متفق عليه).
العادات بين التراث والخرافة
“أوضة الحنة” تظل واحدة من أغرب العادات الموروثة في قنا، حيث تتداخل المعتقدات الشعبية مع التقاليد، في محاولة لضمان استقرار الزواج بطرق غير مألوفة، وبينما يعتبرها البعض جزءاً من التراث، يرى آخرون أنها مجرد خرافة يجب أن تختفي مع مرور الزمن.
هل تمنع “أوضة الحنة” الضرة حقاً؟
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لمثل هذه الطقوس أن تتحكم في مصير الزواج؟ أم أن الحب والتفاهم هما مفتاح استمرار الحياة الزوجية بعيداً عن الموروثات الغامضة؟، والإسلام يؤكد أن الاستقرار الزوجي لا يتحقق إلا بالتقوى والعدل بين الزوجين، وليس بالخرافات التي لا تغير من واقع الحياة شيئاً.