عرب-وعالم

عمرها نصف قرن.. لماذا فشل ترامب في استنساخ خطة الترانفسير في غزة؟

“أتمنى أن أستيقظ ذات يوم من النوم فأرى غزة وقد ابتلعها البحر”.. أمنية إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق التي كشف عنها عام 1992، وسعت الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ خطة تهجير جماعي للسكان الفلسطينيين في قطاع غزة، بهدف تفريغ المنطقة وتوطين مستوطنين يهود.

كانت هذه المحاولة جزءاً من سياسة إسرائيل المستمرة لتغيير التركيبة السكانية للمنطقة وفرض السيطرة التامة على الأراضي الفلسطينية، ورغم هذه المحاولات القسرية، باءت الخطة بالفشل، إذ رحل كل جنرالات التهجير وبقي الفلسطينيون في قطاع غزة متمسكين بأرضهم، ليتزايد عددهم فيما بعد بشكل كبير.

وبعد مرور أكثر من خمسين عامًا على محاولات تغير ديموغرافية غزة، فإسرائيل التي كانت تأمل في أن يبتلع البحر غزة، تجد نفسها اليوم أمام واقع مفاجئ: غزة هي من ابتلعت أحلام الاحتلال في القضاء على القضية الفلسطينية.

تسليم أسرى إسرائيلين على شاطئ غزة بعد عشرون عامًا من تصريح رابين_اليوم
تسليم أسرى إسرائيلين على شاطئ غزة بعد عشرون عامًا من تصريح رابين

فمن جهة، تواصل حركة حماس، والفصائل الفلسطينية الأخرى، مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، ومن جهة أخرى، يواجه القطاع حصارًا خانقًا، حيث يعاني أكثر من مليوني شخص من ضغوط الحياة اليومية في ظل الوضع الاقتصادي والسياسي المتدهور، وأخيرًا محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة خطة التهجير للواجهة من جديد.

وفيما يلي نرصد التسلسل الزمني لمحاولات التهجير المستمرة، وكذلك فشلها:

ستفشل وتتحول إلى سراب، النشطاء يكشفون بالوثائق مصير خطة ترامب لتهجير أهل غزة

الجنرال ديل ومحاولته قمع الثورة

شهدت فلسطين في الثلاثينيات تصاعدًا كبيرًا في المقاومة ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني، مما أدى إلى اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.

جاءت هذه الثورة نتيجة لتراكم الغضب الشعبي بسبب مصادرة الأراضي، والهجرة اليهودية المتزايدة، والسياسات البريطانية الداعمة للصهيونية.

ورغم المحاولات البريطانية لقمعها، إلا أن الفلسطينيين أبدوا مقاومة شديدة، وأفشلوا المخططات العسكرية لإخماد ثورتهم.

مع تصاعد العمليات المسلحة الفلسطينية، أرسل البريطانيون تعزيزات عسكرية كبيرة بقيادة الجنرال ديل، الذي جاء إلى فلسطين بهدف سحق الثورة.

كان الجنرال ديل معروفًا بسياساته القمعية، واستند إلى استراتيجية القتال العنيف ضد الثوار، مستخدمًا المدفعية والطائرات، وفرض العقوبات الجماعية على القرى الفلسطينية، وتدمير المنازل، واعتقال الآلاف.

ورغم التفوق العسكري البريطاني، لم ينجح الجنرال ديل في تحقيق هدفه، فقد أبدى الثوار الفلسطينيون تكتيكات قتالية فعالة، مستفيدين من التضاريس الجبلية، واعتمدوا على الكمائن وحرب العصابات، مما كبد الجيش البريطاني خسائر كبيرة.

وسيطر الثوار في بعض الفترات على مساحات واسعة، حتى أنهم فرضوا وجودهم في القدس القديمة، وشكّلوا مؤسسات وطنية بديلة للإدارة البريطانية.

لمواجهة تصاعد المقاومة، شددت بريطانيا قبضتها على فلسطين، مستخدمة أساليب قمعية غير مسبوقة، مثل الإعدامات والاعتقالات الجماعية، وإنشاء وحدات عسكرية يهودية لمساندة القوات البريطانية.

كما قامت بنفي القادة الفلسطينيين وضرب البنية الاجتماعية والسياسية للثوار.

وبحلول عام 1939، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تمكنت بريطانيا من إنهاء الثورة، لكن بعد أن فقدت السيطرة على البلاد لسنوات، وأثبت الفلسطينيون قدرتهم على مقاومة الاحتلال.

ورغم أن الجنرال ديل وقواته حاولوا سحق الثورة الفلسطينية الكبرى، إلا أن النتيجة كانت فشلًا ذريعًا أمام صمود المقاومة.

محاولة الخمسينات

أما في خمسينيات القرن الماضي؛ فقد حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل تقديم مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء تحت غطاء مشاريع زراعية، بتمويل أمريكي كبير، ولكن الفلسطينيين رفضوه بشدة، وتصدت له مصر رسميًا، خاصة بعد اندلاع هبّة مارس 1955 التي عكست رفض الشعب الفلسطيني لأي محاولات تهجير قسري.

وكان أحد الأهداف الرئيسية لهذه السياسات كان توطين المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية التي يتم تفريغها، بما في ذلك قطاع غزة، وقد تم بالفعل إقامة أول مستوطنة يهودية في القطاع عام 1970، كجزء من هذه الجهود.

على الرغم من هذه المحاولات الممنهجة لتهجير الفلسطينيين، واجهت هذه الخطط مقاومة شديدة من سكان القطاع الذين تمسكوا بأرضهم.

وكانت غزة في تلك الفترة قد شهدت بالفعل مقاومة شعبية ضد الاحتلال، وكان الفلسطينيون يعارضون بقوة أي محاولة للتهجير.

ولم تتجاوز أعداد الفلسطينيين الذين غادروا القطاع في تلك الفترة عدة عشرات الآلاف، بينما بقي معظمهم صامدين في أرضهم.

ترانسفير 1967

في أكتوبر 1967؛ تساءل وزير القضاء يعقوب شمشون شابيرا “متى سنتلقى أي معلومات عن خطة إعادة توطين اللاجئين من قطاع غزة في الضفة الغربية؟ لقد وصلت شائعات بهذا الخصوص”.

في ذلك الوقت كانت هناك لجنة حكومية تسمى “لجنة تطوير الأراضي المحتلة”، وكان من بين أعضائها رجال أمن وأكاديميون، وكان دورها، كما حدده رئيس الوزراء في حينها، ليفي أشكول، هو التحقق من “الجانب الاقتصادي والاجتماعي لهذه الإمبراطورية بأكملها أو أجزاء من الإمبراطورية”، بما في ذلك “طرح الأفكار حول الهجرة أيضا للغزيين”.

ولقد أيقن أعضاء اللجنة الحساسية السياسية لعملهم، ولذلك قدموا توصيات للحكومة بـ”تجنيد اللاجئين ضمن مشاريع للعمل في خارج البلاد، وهي مشاريع ذات طابع سياسي مقبول، والترويج لذلك على أنها حملات إنسانية، وليس كجزء من حل عالمي لقضية اللاجئين”.

واستمرت المناقشات الوزارية حتى نهاية العام، وقال أشكول أنه “في الوقت الحالي، يسافر ألفا شخص أسبوعيا إلى الأردن ومعظمهم من قطاع غزة، وهناك أفكار مختلفة حول هجرتهم إلى بلدان أبعد”.

وأضاف أشكول “نحن مهتمون بإخلاء وتفريغ غزة أولا. ولهذا السبب سنسمح لعرب غزة أولا بالسفر والمغادرة”، في حين اقترح الوزير يغال ألون توسيع مخطط التهجير والترانسفير ليشمل مناطق أخرى، وقال “لم يكن الأمر سيئا على الإطلاق أن يتم تقليص عدد العرب بالجليل أيضا”.

"بدء تفريغ غزة من السكان"... قصة "مانشيت" عمرها 55 عاماً

التهجير القسري في 1970

في بداية السبعينيات، كان الاحتلال الإسرائيلي قد استقر في قطاع غزة، وأصبح وجود الفلسطينيين في المنطقة يشكل عقبة أمام مخططات التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية. ولذلك، ناقش المسؤولون الإسرائيليون سلسلة من الحلول لتفريغ القطاع من الفلسطينيين، كان من أبرزها:

وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، موشيه ديان، اقترح إجلاء حوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني من قطاع غزة إلى مناطق أخرى مثل سيناء أو الأردن، بهدف تقليل الوجود الفلسطيني في القطاع، وقد نوقش هذا الموضوع في أكثر من اجتماع حكومي.

وزير الشؤون الداخلية، حاييم موشيه شابيرا، طرح فكرة نقل الفلسطينيين إلى دول مثل كندا وأستراليا، حيث تم الترويج لهذه الأفكار على أنها “مشاريع إنسانية”، بهدف خلق ظروف تحفز الفلسطينيين على مغادرة غزة.

مشروع شارون

مشروع العريش (1970) الذي تبناه أرئيل شارون كان أحد أبرز هذه المحاولات، حيث سعت إسرائيل إلى استغلال احتلالها لسيناء لتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى العريش، لكن التحرك العربي السريع أجهض المخطط.

العوامل التي أدت إلى فشل الخطة:

  • المقاومة الشعبية: لم يتفاعل الفلسطينيون مع محاولات التهجير، بل ظلوا يواجهون الاحتلال بالعديد من الوسائل، ما جعل من الصعب تنفيذ أي عملية تهجير جماعي.
  • رفض الدول المستقبلة: اقتراحات نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى دول أخرى مثل الأردن أو سيناء لم تجد قبولًا واسعًا من الدول المعنية، حيث كان من الصعب إيجاد أماكن تستوعب اللاجئين الفلسطينيين.
  • الضغوط الدولية: تحركات المجتمع الدولي ضد سياسات التهجير كانت مؤثرة في النهاية. تم التعاطي مع محاولات التهجير على أنها انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ما زاد من العزلة الدولية لإسرائيل في هذا الصدد.
  • التكلفة السياسية: تأكدت إسرائيل من أن عملية تهجير الفلسطينيين ستؤدي إلى تصاعد الانتقادات المحلية والدولية، مما سيؤثر على صورتها العامة.

في النهاية، فشلت محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بسبب مقاومة السكان المحليين، والضغوط السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى الرفض الدولي لسياسات التهجير القسري.

ومع مرور الزمن، بقيت غزة مصدرًا للصمود الفلسطيني، حيث شهد القطاع نموًا سكانيًا هائلًا، ورغم محاولات إسرائيل المتواصلة لتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، يظل الفلسطينيون في غزة متمسكين بأرضهم، مما يمثل تحديًا مستمرًا لأي خطة إسرائيلية تهدف إلى تهجيرهم.

نتنياهو عرض خلال المؤتمر خريطة غزة لشرح أهمية محور فيلادلفيا - رويترز Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu stands before a map of the Gaza Strip, telling viewers how Hamas has imported arms into the territory since Israel's withdrawal in 2005, during a news conference in Jerusalem, September 2, 2024. Hebrew onscreen reads, "Gaza after the disengagement, oxygen pipe of Hamas". Ohad Zwigenberg/Pool via REUTERS

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights