بلاغة التعبير القرآني.. إعجاز في اللفظ والمعنى

أكد الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن القرآن الكريم يتميز ببلاغته الفريدة ودقة تعبيره، حيث يصوّر المعاني المجردة بأسلوب يجمع بين القوة والجمال، مما يجعله معجزًا في بيانه وأسلوبه.
وخلال استضافته في برنامج “بلاغة القرآن والسنة”، المذاع على قناة الناس يوم السبت، استعرض الدكتور داود مثالًا من روائع الاستعارة القرآنية، وهو قوله تعالى:
“إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ”
وأوضح أن استخدام فعل “طغى” مع الماء، رغم أنه يرتبط عادةً بالكبر والظلم، يحمل دلالة عميقة، إذ يربط بين طغيان الماء المهلك في زمن الطوفان، وطغيان قوم نوح في استكبارهم ورفضهم للحق، مما يضفي على النص بُعدًا بلاغيًا يعكس العقوبة العادلة التي حلت بهم.
وأضاف أن هذه الآية هي الموضع الوحيد في القرآن الكريم الذي وصف فيه الماء بالطغيان، وهو ما يعكس الدقة البلاغية والإعجاز في اختيار الألفاظ القرآنية.
الرسم العثماني.. دلالة بصرية تعكس المعنى
أشار رئيس جامعة الأزهر إلى إعجاز الرسم العثماني للقرآن الكريم، موضحًا الفرق بين كتابة “طغى” عند وصف الماء، وكتابتها عند الحديث عن فرعون.
في قوله تعالى “إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ”، كُتبت الكلمة بألف قائمة (طغى)، مما يرمز إلى علوّ الماء وارتفاعه الجارف.
بينما في قوله تعالى “فَأَمَّا مَنْ طَغَىٰ” عند الحديث عن فرعون، كُتبت الكلمة بألف مقصورة (طغىٰ)، مما يشير إلى إذلاله لقومه وخضوعهم له رغم طغيانه.
وأكد الدكتور داود أن هذه الدقة في الرسم العثماني تضيف بعدًا بصريًا للمعنى، مما يجعل قراءة القرآن الكريم وتدبره تجربة فريدة تكشف عن عمق إعجازه البياني.
بلاغة الاستعارة في التعبير القرآني
لم يقتصر حديث الدكتور سلامة داود على لفظ “طغى”، بل تناول أيضًا بلاغة الاستعارة في القرآن الكريم، مستشهدًا بقوله تعالى:
“وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا”
وأوضح أن استخدام الفعل “اشتعل” في وصف الشيب يعكس سرعة انتشاره وكثافته، وكأن الرأس قد احترق بالشيب فجأة، مما يعبر عن ضعف سيدنا زكريا عليه السلام وحاجته إلى العون الإلهي.
وأشار إلى أن بلاغة القرآن الكريم تتجلى في كل لفظة، حيث تتناسب الكلمات المختارة مع السياق بأسلوب دقيق يعجز عنه البشر.
الصحابة وتدوين القرآن.. إلهام إلهي لحفظ البلاغة القرآنية
في ختام حديثه، أكد رئيس جامعة الأزهر أن الصحابة الذين دونوا المصحف الشريف كانوا ملهمين في نقل رسمه وألفاظه، مما يعكس حفظ الله لكتابه الكريم.
وشدد على أهمية تدبر القرآن لفهم إعجازه اللغوي والبياني، داعيًا المسلمين إلى التأمل في آياته والتعمق في معانيه، لأن كل حرف في القرآن له دلالة مقصودة وإعجاز متكامل لا مثيل له.