يواصل مرصد الأزهر لمكافحة التطرف رصد وتحليل الأنشطة الإرهابية في منطقة وسط إفريقيا، حيث شهد شهر فبراير 2025 تصاعدًا ملحوظًا في العمليات الإرهابية وعدد الضحايا مقارنة بالشهر السابق. ووفقًا للإحصائيات، شهدت المنطقة سبع عمليات إرهابية أسفرت عن مقتل 98 شخصًا، دون تسجيل أي إصابات أو حالات اختطاف.
ارتفاع مؤشر الإرهاب للشهر الثاني على التوالي
استمرت وتيرة العمليات الإرهابية في التصاعد للشهر الثاني على التوالي منذ بداية العام، إذ شهد فبراير 2025 ارتفاعًا بنسبة 42.8% في عدد العمليات مقارنة بشهر يناير. ورافق هذا الارتفاع زيادة حادة في عدد الضحايا بنسبة 81.6%.
ففي يناير 2025، نفذت التنظيمات الإرهابية أربع عمليات فقط، أسفرت عن مقتل 18 شخصًا وإصابة 10 آخرين. لكن في فبراير، ارتفعت الأرقام بشكل لافت، ما يعكس تصاعد حدة العنف وفعالية التكتيكات المستخدمة من قبل الجماعات المتطرفة.
التوزيع الجغرافي للعمليات الإرهابية: الكونغو الأكثر تضررًا
تصدرت جمهورية الكونغو الديمقراطية قائمة الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب في المنطقة، حيث استحوذت على أكثر من نصف العمليات الإرهابية خلال الشهر. وكانت أبرز التنظيمات المتورطة تحالف القوات الديمقراطية، الذي نفذ أربع عمليات إرهابية، شكلت 57.1% من إجمالي الهجمات، وأسفرت عن مقتل 90 شخصًا، وهو ما يمثل 91.8% من إجمالي الضحايا.
في المقابل، شهدت الكاميرون عمليتين إرهابيتين، مثلتا 28.6% من الهجمات، وأسفرتا عن مقتل خمسة أشخاص، أي 5.1% من إجمالي الضحايا.
أما تشاد، فشهدت عملية إرهابية واحدة، تمثل 14.3% من العمليات، وأودت بحياة ثلاثة أشخاص، أي 3.1% من إجمالي الضحايا.
جهود مكافحة الإرهاب: نجاحات أمنية رغم التحديات
على صعيد المواجهة الأمنية، تمكنت قوات الجيش في عدة دول من تحقيق نجاحات في الحد من نشاط الجماعات الإرهابية. وقد أسفرت العمليات العسكرية عن مقتل ستة عناصر إرهابية واعتقال 16 آخرين خلال شهر فبراير.
وكان للجيش التشادي الدور الأبرز، حيث تمكن من القضاء على خمسة إرهابيين واعتقال 16 آخرين، في حين نجح الجيش الكاميروني في تحييد عنصر إرهابي من جماعة بوكو حرام النيجيرية.
ومع ذلك، فقد شهد الشهر انخفاضًا في عدد القتلى من العناصر الإرهابية مقارنة بشهر يناير، حيث تراجعت حصيلة القتلى بنسبة 25%، إذ بلغ عدد القتلى الإرهابيين في يناير 24 عنصرًا، بالإضافة إلى اعتقال ستة آخرين.
تحولات تكتيكية للجماعات الإرهابية: استراتيجية “الذئاب المنفردة”
تشير الإحصائيات إلى تحول في استراتيجيات الجماعات الإرهابية، حيث باتت تعتمد بشكل أكبر على الهجمات غير المباشرة مثل العمليات الانتحارية والاغتيالات الفردية التي ينفذها ما يعرف بـ”الذئاب المنفردة”.
وتسعى هذه التنظيمات إلى تقليل خسائرها البشرية من خلال تفادي المواجهات المباشرة مع القوات العسكرية، والتركيز على تكتيكات تضمن لها تأثيرًا إعلاميًا ونفسيًا كبيرًا في المجتمع. ويعكس هذا التغير سعي الجماعات المتطرفة للحفاظ على زخمها بالرغم من الخسائر التي تكبدتها في الأشهر الماضية.
رؤية مرصد الأزهر: ضرورة تبني استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب
في ضوء هذه التطورات، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن التصدي للإرهاب في منطقة وسط إفريقيا يستدعي استراتيجية متكاملة تجمع بين العمل الأمني والتوعية المجتمعية والتعاون الدولي.
ويرى المرصد أن مواجهة التهديدات الإرهابية لا تقتصر على الحلول العسكرية وحدها، بل يجب أن تشمل جهودًا متعددة الأبعاد، مثل:
تعزيز التوعية المجتمعية لقطع الطريق أمام استقطاب الشباب من قبل الجماعات الإرهابية.
تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة للقضاء على شبكات التنظيمات المتطرفة.
استخدام التقنيات الحديثة في رصد وتتبع تحركات الإرهابيين ومنع تنفيذ عملياتهم.
الاستجابة الاستباقية من خلال تنفيذ عمليات أمنية تهدف إلى تفكيك الخلايا الإرهابية قبل تنفيذ هجماتها.
معالجة الأسباب الجذرية للتطرف عبر تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المناطق التي تمثل بيئة خصبة لنمو الإرهاب.
تحديات متزايدة تستدعي استجابة حاسمة
تكشف إحصائيات الإرهاب في فبراير 2025 عن واقع أمني مقلق في منطقة وسط إفريقيا، حيث يتزايد عدد الضحايا المدنيين في مقابل انخفاض الخسائر في صفوف التنظيمات الإرهابية، مما يؤكد ضرورة تبني سياسات جديدة وفعالة لمكافحة الإرهاب.
ويبقى التحدي الأكبر هو القدرة على التصدي لاستراتيجيات الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى إعادة تشكيل نهجها القتالي بما يتلاءم مع الظروف الأمنية المتغيرة وفي ظل هذه المعطيات، فإن الجهود المشتركة بين الحكومات، والمؤسسات الأمنية، والمنظمات الدولية، والمجتمعات المحلية، ستظل السبيل الأمثل لمكافحة هذا التهديد المتنامي.
