رخصة الإفطار في رمضان.. رحمة إلهية ترفع المشقة عن المرضى وكبار السن

يُعَد الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو عبادة تهدف إلى تطهير الروح وتقوية الإرادة، لكن الإسلام، بشريعته السمحة، لم يفرضه على كل الناس دون استثناء، بل جعل له تخفيفات شرعية تتناسب مع قدرات الأفراد الصحية والبدنية.
ومن أهم هذه التخفيفات رخصة الإفطار لكبار السن والمرضى الذين لا يستطيعون تحمل مشقة الصيام، سواء كان ذلك لأسباب صحية مؤقتة أو دائمة.
وفي هذا السياق، أكدت هبة إبراهيم، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن الشريعة الإسلامية جاءت لرفع الحرج عن المسلمين وتيسير أمور عباداتهم، مشيرة إلى أن كبار السن والمرضى الذين يجدون صعوبة بالغة في الصيام، يجوز لهم الإفطار، مع تعويض ذلك بالقضاء إن أمكن أو بإخراج الفدية إن تعذر القضاء.
التخفيف في الصيام.. مبدأ قرآني راسخ
أوضحت هبة إبراهيم أن التخفيف في الصيام ليس اجتهادًا بشريًا، وإنما هو مبدأ قرآني واضح نصت عليه آيات صريحة، حيث قال الله تعالى:
“فمن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر” (البقرة: 185)
وهذه الآية تؤكد أن المريض والمسافر يجوز لهما الإفطار، على أن يقوما بالقضاء بعد رمضان عند القدرة.
كما استدلت بقوله تعالى:
“وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين” (البقرة: 184)
وأشارت إلى أن هذه الآية تعني أن من لا يستطيع الصيام على الإطلاق، سواء لكِبر سنه أو إصابته بمرض مزمن لا يُرجى شفاؤه، يجوز له الإفطار، على أن يُخرج فدية عن كل يوم يفطره.
وأكدت أن هذه الأحكام تعكس رحمة الله بعباده وعدم تحميلهم فوق طاقتهم، حيث لم يُلزم الشرع من يعجز عن الصيام بالقوة أو الإضرار بصحته، بل وضع حلولًا تضمن له أداء الفريضة وفق قدرته.
أنواع المرض وحكم الإفطار
أوضحت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى أن الحكم الشرعي يختلف باختلاف حالة المريض، ويمكن تقسيم ذلك إلى حالتين رئيسيتين:
1- المرض المؤقت الذي يُرجى شفاؤه
إذا كان الشخص مريضًا مرضًا عارضًا، مثل الإنفلونزا الشديدة، أو الإصابة بنزلة معوية حادة، أو إجراء عملية جراحية تستدعي تناول أدوية معينة خلال النهار، فهنا يجوز له الإفطار، ولكن عليه قضاء الأيام التي أفطرها بعد شفائه.
2- المرض المزمن أو التقدم في العمر
أما إذا كان الشخص مصابًا بمرض مزمن مثل السكري من النوع الأول، أو الفشل الكلوي، أو أمراض القلب الحادة، أو كان كبير السن بحيث لا يستطيع الصيام أبدًا، فهنا يجوز له الإفطار دون قضاء، لكن عليه إخراج الفدية.
وأوضحت أن الفدية تُحتسب بإطعام مسكين عن كل يوم لم يصمه، بوجبتين مشبعتين من أوسط ما يأكل الإنسان في بيته، أو ما يعادل قيمته المالية.
كيفية إخراج الفدية وما يُجزئ فيها
أكدت هبة إبراهيم أن إخراج الفدية يجب أن يكون وفق قدرة الشخص المالية، بحيث لا يُرهق نفسه بمبالغ تفوق طاقته، وفي الوقت نفسه لا يُبخس حق المحتاجين.
وأوضحت أن الفدية يمكن إخراجها بأحد الطرق التالية:
1. إطعام مسكين وجبتين عن كل يوم إفطار، على أن تكون وجبة مشبعة ومتوسطة المستوى.
2. التبرع بمبلغ مالي يعادل تكلفة الوجبتين لكل يوم إفطار، ويُفضل أن يُسلم هذا المبلغ لمؤسسات خيرية موثوقة تقوم بتوزيعه على المحتاجين.
3. إعداد طعام لعدد من الفقراء يكفي لإفطارهم، بشرط أن يكون بعدد الأيام التي لم يصمها الشخص.
وأشارت إلى أن الفدية يمكن إخراجها دفعة واحدة في بداية رمضان، أو تقسيمها على مدار الشهر، أو إخراجها بعد انتهاء رمضان حسب الاستطاعة.
الإفطار رخصة شرعية وليس ضعفًا في الإيمان
شددت عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى على أن الإفطار لكبار السن والمرضى ليس ضعفًا في الإيمان، بل هو تطبيقٌ صحيحٌ للشرع، فالله لا يريد أن يُرهق عباده بل يُيسر عليهم، مؤكدة أن من يصر على الصيام رغم حاجته للإفطار قد يُلحق الضرر بنفسه دون داعٍ، وهو أمر لا يحبه الله.
وقالت: “العبادات في الإسلام قائمة على الرحمة وليس المشقة، والإفطار لمن يحتاجه ليس نقصًا في الإيمان، بل امتثالٌ لأوامر الله ورخصه الشرعية”.
ودعت إلى ضرورة عدم الشعور بالحرج أو تأنيب الضمير عند الإفطار، طالما أن ذلك مباحٌ شرعًا، بل يجب التركيز على تعويض ذلك بأداء الفدية أو القضاء وفق الاستطاعة.
رسالة للمجتمع.. لا تحرجوا المرضى وكبار السن
وجهت هبة إبراهيم رسالة إلى المجتمع بضرورة تفهم أن هناك أشخاصًا لا يستطيعون الصيام لأسباب صحية، وعدم الضغط عليهم أو إشعارهم بالذنب.
وأشارت إلى أن البعض قد يحرج كبار السن أو المرضى بإلقاء عبارات مثل: “يمكنك التحمل قليلاً” أو “حاول الصيام حتى الظهر”، وهذا قد يدفع البعض إلى الصيام رغم خطورة ذلك على صحتهم.
ودعت إلى تعزيز ثقافة احترام الرخص الشرعية، والتوعية بأن الدين قائم على التيسير وليس التعسير، مشددة على ضرورة مراعاة ظروف الآخرين وعدم التدخل في قراراتهم الشرعية التي تخصهم وحدهم.
التيسير مقصد شرعي ورحمة إلهية
اختتمت هبة إبراهيم حديثها بالتأكيد على أن التيسير في العبادات هو أحد أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى يقول:
“يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (البقرة: 185)
وأوضحت أن هذه الرخصة تجسد الرحمة الإلهية التي تحيط بالمسلمين في عباداتهم، داعية الجميع إلى الاستفادة من الرخص الشرعية دون خوف أو حرج، لأن الله شرّعها لصالح الإنسان، وليس لتحميله فوق طاقته.