من خطط شارون إلى انسحاب نتنياهو.. نتساريم شاهد على صمود غزة

انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل من محور نتساريم في قطاع غزة، وذلك تنفيذًا للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وفق ما نقلته إذاعة جيش الاحتلال صباح اليوم الأحد.
وأشار موقع “والا” العبري إلى أن الجيش تلقى تعليمات رسمية بإخلاء المحور ليل أمس، في إطار تطبيق الاتفاق.
ونشر الموقع مقطع فيديو يظهر حديثًا لأحد الضباط عبر اللاسلكي يطالب فيه الجنود بالانسحاب من نتساريم، فيما وثقت المشاهد قيام جنود الاحتلال بإحراق تجهيزات عسكرية قبل انسحابهم، حيث جاء في حديث أحدهم: “لن نترك شيئًا للغزيين”.
وفي مقطع مصور بثّته القناة 12 العبرية، ظهر ضابط في جيش الاحتلال وهو يصدر تعليماته للقوات بالانسحاب من المحور، مشيرًا إلى أن الجيش “سيعود قريبًا”.
صباح الخير من وسط محور نيتساريم
نحن أصحاب الأرض ولن نرحل#خاوة pic.twitter.com/rRbPreEsc7— أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) February 9, 2025
محور استراتيجي ومستوطنة سابقة
أكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن محور نتساريم كان واحدًا من الرموز المهمة للمناورة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث كان يمثل عنصرًا أساسيًا في التطلعات الاستيطانية، لا سيما للمستوطنين الذين كانوا يسعون للعودة إلى شمال القطاع.
وأوضحت الصحيفة أن مجموعات من المستوطنين، وعلى رأسهم أعضاء حركة “نحالة” الاستيطانية، نظموا فعاليات جماعية عند مدخل المحور، حيث اعتبروه نقطة انطلاق لهم نحو مناطق مختلفة في غزة، بهدف تعزيز فكرة إعادة الاستيطان في المنطقة.
وأنشأ جيش الاحتلال الإسرائيلي محور نتساريم ليكون طريقًا عسكريًا استراتيجيًا يربط مستوطنة “بئيري” في غلاف غزة بالبحر الأبيض المتوسط، حيث يمتد لمسافة 8 كيلومترات طولًا و7 كيلومترات عرضًا، ليعمل على عزل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، وتأمين تحركات القوات بين المواقع العسكرية المختلفة.
وتجاور المحور العديد من المناطق السكنية الفلسطينية، حيث يقع إلى جانبه كل من جحر الديك والمغراقة، كما يمر شارع صلاح الدين من المنتصف، بينما تحده من الجنوب مدينتا الزهراء والأسرى، ومن الشمال حي الزيتون، أما من الجهة الشمالية الغربية فتجاوره منطقتا الصبرة والشيخ عجلين.
خطة الأصابع الخمسة
يعود إنشاء ممر نتساريم إلى فترة الاحتلال الإسرائيلي لغزة، حيث كان جزءًا من خطة الأصابع الخمسة التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون عام 1971، عندما كان قائدًا للمنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال.
وهدفت الخطة إلى تسهيل السيطرة الأمنية على القطاع من خلال تقسيمه إلى 5 كتل استيطانية رئيسية، والتي كانت كالتالي:
- المنطقة الشمالية: ضمت 3 مستوطنات في بيت حانون، وهي نتساريم، دوغيت، إيلي سيناي، وكانت امتدادًا لمناطق المستوطنات القريبة من عسقلان.
- ممر نتساريم: يقع بين مدينة غزة ودير البلح، وهو نفس المنطقة التي يشقها حاليًا طريق 749 الذي أنشأه الاحتلال في عام 2024.
- ممر كيسوفيم: يفصل بين دير البلح وخان يونس، وبُنيت مستوطناته على الجانب الغربي فقط، حيث ضم تجمعات شمال غوش قطيف وكفار داروم، وكان الطريق الوحيد المؤدي إلى مستوطنات غوش قطيف.
- ممر صوفا: يقع بين خان يونس ورفح.
- ياميت: مستوطنة محاذية لحدود رفح مع مصر، تم إخلاؤها عام 1982 بموجب اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، وعُرفت لاحقًا بمحور فيلادلفيا.
وأنشئت مستوطنة نتساريم عام 1972 وظلت قائمة حتى إخلائها في 15 أغسطس 2005 بأمر من شارون ضمن خطة الانسحاب من غزة.
وشهدت المستوطنة نهاية الوجود الإسرائيلي في القطاع بخروج آخر جندي إسرائيلي من بوابة كيسوفيم في 12 سبتمبر 2005.
محطة مقاومة وكمائن ميدانية
على مدار السنوات الماضية، كان محور نتساريم نقطة مواجهة ساخنة بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، حيث شهد العديد من الهجمات النوعية التي استهدفت القوات والمستوطنين، من أبرزها:
- في سبتمبر 2000: مع اندلاع انتفاضة الأقصى، قُتل 9 جنود إسرائيليين في عملية تفجير عبوة ناسفة في المحور.
- في 2001: سجل المحور تفجير أول دبابة ميركافا على يد المقاومة الفلسطينية.
- في 11 مارس 2002: حاول مقاومان من كتائب القسام اقتحام المستوطنة واشتبكا مع دورية عسكرية، قبل أن يستشهدا.
- في 29 مارس 2002: نفذ مقاوم من سرايا القدس عملية داخل المستوطنة، قُتل خلالها مستوطنان قبل استشهاده.
الطوفان والانسحاب
خلال معركة “طوفان الأقصى” التي اندلعت في أكتوبر 2023، لعبت المقاومة الفلسطينية دورًا بارزًا في استنزاف قوات الاحتلال المتمركزة في المحور، حيث نفذت سلسلة عمليات عسكرية أدت إلى خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال، أبرزها:
- في أبريل2024، أعلنت كتائب القسام عن تنفيذ كميني ألغام في منطقة المغراقة، ما أدى إلى سقوط 14 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا بين قتيل وجريح.
- في مايو 2024، نشرت القسام مشاهد قنص جندي إسرائيلي في محور نتساريم ببندقية الغول 14.5 ملم.
- في 23 أغسطس 2024، استهدفت طائرة “زواري” الانتحارية مقر القيادة والتحكم لجيش الاحتلال في المحور، وأصابته بدقة عالية.
المقاومة الفلسطينية استهدفت المحور بشكل مستمر بالصواريخ وقذائف الهاون، مما أدى إلى استنزاف القوات وإجبارها على التراجع.
الاتفاق والانسحاب التدريجي
بعد تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير 2025، بدأ جيش الاحتلال سحب قواته تدريجيًا من محور نتساريم، مما أدى إلى عودة أكثر من نصف مليون فلسطيني من جنوب ووسط القطاع إلى مناطقهم في الشمال.
ويتضمن الاتفاق ثلاث مراحل، تستمر كل واحدة منها 42 يومًا، مع استمرار التفاوض حول المراحل التالية بوساطة مصر وقطر وبدعم من الولايات المتحدة، بهدف تحقيق تهدئة دائمة في القطاع.
ورغم الانسحاب، لا تزال التهديدات قائمة، حيث ألمح الاحتلال إلى إمكانية العودة إلى المحور في أي وقت، في ظل استمرار التوترات الميدانية والسياسية.
تعليق واحد