تقارير-و-تحقيقات

أطفال غزة في يوم اليتيم.. من يرعى من فُقدت عائلته بأكملها؟

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم اليتيم تتجه الأنظار نحو الفئات الأشد ضعفًا ممن فقدوا الأب أو الأم وغالبًا ما تترافق المناسبة مع دعوات لرعايتهم وتعزيز التكافل المجتمعي تجاههم غير أن هذه المناسبة، التي يفترض أن تحمل معاني العطف والرحمة ألقت هذا العام بظل ثقيل على واقع مأساوي تعيشه غزة، حيث لا تقتصر الكارثة على يتمٍ تقليدي، بل تتعداه إلى مجازر تمحو عائلات بأكملها تاركة خلفها أطفالًا بلا مأوى بلا نسب وربما بلا من يذكر أسماءهم.

اليتيم في غزة.. تعريف مختلف تمامًا

أطلق الأزهر الشريف، من خلال منشور رسمي عبر صفحته على موقع فيسبوك، صرخةً لضمير العالم، قال فيها إن مفهوم “اليتيم” في غزة تجاوز الحدود المتعارف عليها، فلم يعد يتم الأب أو الأم هو القضية بل أصبح الموت الجماعي هو الواقع.
وقال الأزهر:
“ربما يحتفي الكثيرون حول العالم بالمطالبة برعاية اليتيم، الذي فقد أبويه أو فقد أحدهما، غير أنَّ المشهد في قطاع غزة مختلف تمام الاختلاف.”

وفي توثيق للحالة الغزّية، أشار الأزهر إلى أن المشهد في القطاع لا يتعلق بأطفال فقدوا أحد الأبوين فقط، بل بعائلات دفنت تحت الأنقاض رجالًا ونساءً وأطفالًا ضحية آلة عدوان صهيوني وصفه البيان بأنه “غاشم وعدو للإنسانية”.

إبادة عائلات: منازل تتحول إلى مقابر جماعية

المشهد المأساوي في غزة لا يحتاج إلى مبالغة فهو موثق بالصوت والصورة: منازل تُسوّى بالأرض، أطفال يُنتشلون من تحت الأنقاض، وجثث لعائلات كاملة تُجمع في أكياس سوداء.
وفقًا لتقارير صادرة عن مؤسسات حقوقية دولية، فإن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة لم تفرق بين مدني وعسكري، وكانت غالبًا ما تستهدف مناطق مكتظة بالسكان، مما أدى إلى ارتفاع أعداد الشهداء من الأطفال والنساء بشكل غير مسبوق.

الأزهر الشريف، في بيانه، أكد هذه الحقيقة بقوله:
“ليس الأب وحده هو من فُقد، وترك من بعده أطفالًا يتامى، وإنما المشهد هناك هو أن عائلات بأكملها ذهبوا تحت التراب.”

وتابع:
“تسلَّط عليهم إرهاب صهيوني غاشم عدو للإنسانية لا يراعي قيمةً للحياة ولا حرمةً لقدسيتها.”

منظمة بلا معيل.. أطفال يبحثون عن الحياة

في غزة اليوم اليتيم ليس من فقد معيلًا بل من فقد البيئة الإنسانية الكاملة للحياة آلاف الأطفال أصبحوا بلا مأوى، بلا عائلة، بلا تعليم، وبلا مستقبل واضح. يتنقلون بين مراكز الإيواء أو بقايا المستشفيات المدمرة، وبعضهم لا يعرف حتى أن والديه قد فارقا الحياة تحت الردم.

مبادرات محلية تحاول جهدها للتكفل بهؤلاء، لكن ضعف الإمكانيات والحصار المفروض على غزة يجعل الاستجابة غير كافية، ويُحول المأساة إلى واقع دائم، لا مجرد أزمة عابرة.

دعاء الأزهر.. رسالة سياسية وإنسانية

اختُتم بيان الأزهر الشريف بدعاء مؤثر قال فيه:
“اللهم إن عبادك في غزة مغلوبون فانتصر للمغلوبين المستضعفين. اللهم اكْسُهُم وأَشْبِعْهُم، وانصرهم على عدوهم.”

ورغم أن الدعاء ديني في ظاهره، إلا أن مضمونه يحمل رسالة سياسية وإنسانية واضحة، تدعو العالم الإسلامي والمجتمع الدولي إلى التحرك إنها صرخة بوجه الظلم ومطالبة بكسر الصمت العالمي المخزي أمام مذبحة مستمرة بحق شعبٍ أعزل.

مرصد الأزهر يحذر: المسجد الأقصى في مرمى الخطر

لم تكن دعوة الأزهر مقصورة على أطفال غزة بل اتسعت لتشمل القضية الفلسطينية برمتها إذ دعا مرصد الأزهر لمكافحة التطرف المؤسسات الإسلامية والدولية إلى تحرك عاجل لحماية المسجد الأقصى من التهويد والانتهاكات المتكررة.
وأشار المرصد إلى أن ما يتعرض له الأقصى هو جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى محو الهوية الفلسطينية، وأن الصمت تجاه هذه الممارسات يهدد السلام الإقليمي والدولي.

الضمير العالمي في مواجهة اختبار أخلاقي

ما يحدث في غزة ليس مجرد “حرب” بالمفهوم السياسي، بل هو كارثة إنسانية وانهيار أخلاقي في التعامل الدولي مع المدنيين. أطفالٌ يُقتلون وأحياء تُباد وعائلات تُمسح عن سجلات الوجود هذه ليست مشاهد من روايات خيالية بل وقائع يومية تتجاهلها عواصم القرار العالمي بحجج سياسية مكررة.

الأزهر الشريف، باعتباره أحد أكبر المرجعيات الدينية في العالم الإسلامي لم يكتف بالإدانة بل سعى إلى توجيه رسالة أخلاقية بليغة مستغلًا مناسبة “يوم اليتيم” ليعيد تعريف المصطلح وفق واقع مأساوي يعيشه ملايين الفلسطينيين.

يوم اليتيم.. مرآة لمأساة غزة

في يوم يُفترض أن يكون فرصةً لتعزيز العطف والرحمة تتحول المناسبة في غزة إلى يوم حزن جماعي ليس في غزة مجرد أيتام بحاجة للرعاية بل هناك جيل كامل يُولَد في أتون الموت يكبر على أنقاض المدارس ويأكل من فتات المساعدات وينام على أصوات القصف.

السؤال الذي يفرض نفسه: من سيرعى طفلًا لم يبقَ من عائلته أحد؟ من سيحفظ ذاكرة طفل لا يعرف حتى أين دُفِنَ والده؟

هذه الأسئلة ليست نظرية، بل هي حقائق يومية في غزة، تستصرخ العالم ليتوقف عن الصمت ويبدأ بتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية قبل فوات الأوان.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights