
في أعقاب الهجوم الذي استهدف مجموعة من السياح الهنود في كشمير في الثلاثاء الماضي، والذي أودى بحياة 26 شخصًا بينهم كشميري واحد، وجرح 17 آخرين، دخلت العلاقات المتوترة أصلًا بين الهند وباكستان مرحلة جديدة من التصعيد الخطير.
ووسط موجة قرارات متبادلة بين البلدين بدأت بتجميد الاتفاقيات الثنائية، تبرز مخاوف من تداعيات إقليمية ودولية شديدة الخطورة، حاور موقع “اليوم” المفكر الهندي المعروف د. ظفر الإسلام خان، الصحفي والمحلل السياسي المقيم في نيودلهي، لاستجلاء أبعاد هذا التصعيد، وتداعياته المحتملة، والخيارات المطروحة أمام البلدين.
و د. ظفر الإسلام يُعد من القلائل الذين جمعوا بين الدراسة في ثلاث قارات: آسيا (الهند)، وإفريقيا (مصر)، وأوروبا (بريطانيا)، وحصل خان على تعليمه الجامعي في الأزهر الشريف، ثم نال درجته العليا من جامعة مانشستر، كما درس في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، ما منحه أفقًا ثقافيًا واسعًا.
ألّف وترجم أكثر من أربعين كتابًا بثلاث لغات: العربية، والإنجليزية، والأردية، وأسهم بمقالات علمية في موسوعات مرموقة مثل “دائرة المعارف الإسلامية” و”موسوعة التاريخ الإسلامي” التي تُطبع في القاهرة، كما أسس صحيفة The Milli Gazette التي أصبحت صوتًا للمسلمين في الهند، مدافعًا عن قضاياهم وموثقًا لتحدياتهم.
س: د. ظفر، كيف تنظرون إلى تداعيات التصعيد الأخير بين الهند وباكستان، خاصة مع لجوء الهند إلى تجميد معاهدة المياه؟
ج: الهجوم الأخير كان نقطة انفجار، ولكن جذور التوتر عميقة، والقرار الهندي بتجميد معاهدة تقاسم مياه الأنهار بين البلدين – والتي تعود لعام 1960 – هو تطور خطير جدًا.
هذه المعاهدة دولية الطابع، وقد تم التوصل إليها بعد مفاوضات طويلة شارك فيها البنك الدولي وأطراف أخرى، وتضمنت تقاسم مياه ستة أنهار: ثلاثة تصب من الهند إلى باكستان، وثلاثة من باكستان إلى الهند.
وإلغاء أو تجميد هذه المعاهدة من جانب واحد، كما فعلت الهند، يهدد نحو 60% من الأراضي الزراعية في باكستان، ويعني عمليًا تعريض البلاد لموجة جفاف وتصحر كارثي، مما قد يخلق أزمة اقتصادية وزراعية غير مسبوقة.
ولكن الأخطر من ذلك هو ما قد يقابل به الجانب الباكستاني هذه الخطوة، أي إلغاء معاهدة شيملا الثنائية التي وُقعت في أعقاب حرب 1971، والتي أدت إلى انفصال بنغلاديش، هذا الإلغاء سيكون تصعيدًا نوعيًا أخطر بكثير من ملف المياه.
س: لماذا ترى أن إلغاء معاهدة شيملا سيكون أخطر من تجميد معاهدة المياه؟
ج: لأن معاهدة شيملا هي الأساس القانوني لاعتراف باكستان بخط وقف إطلاق النار بين البلدين، وإلغاءها يعني انتهاء هذا الاعتراف، ما قد يؤدي إلى تصاعد التوتر العسكري على الحدود المشتركة.
كما أن المعاهدة كانت تنص على أن قضية كشمير قضية ثنائية، يتم التعامل معها فقط من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وبالتالي فإن إلغاءها سيعيد تدويل القضية ويفتح الباب أمام تدخلات دولية، وهو أمر كانت الهند دومًا ترفضه.
إضافة إلى ذلك، فإن التنسيق الأمني بين البلدين، وخصوصًا التنسيق النووي، كان يقوم ضمنيًا على مناخ الحد الأدنى من الثقة الذي أسسته تلك المعاهدة.
وإذا أُلغيت، فإن التبادل التجاري والثقافي والشعبي سينهار بالكامل، والهند أوقفت بالفعل إصدار التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وخفّضت عدد العاملين في السفارة الباكستانية، وباكستان ردت بالمثل.
س: هل تتوقع أن تتدخل أطراف دولية مثل الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة؟ وما أثر ذلك؟
ج: نعم، استمرار التصعيد سيجعل تدخل القوى الكبرى أمرًا شبه حتمي، لكن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التعقيد بدلًا من التهدئة. الصين مثلًا لها علاقات استراتيجية وثيقة مع باكستان، وقد تعتبر التوتر فرصة لتعزيز نفوذها.
وروسيا من ناحيتها لها مصالح عسكرية مع الهند، أما الولايات المتحدة فهي لا تريد أن تجد نفسها خارج المعادلة في جنوب آسيا، خاصة في ظل التنافس مع الصين.
الهند تاريخيًا كانت ترفض أي تدخل أجنبي في شؤونها مع باكستان، لكن مواقفها الحالية قد تُضعف هذا المبدأ، والسماح للقوى الأجنبية بالتدخل لن يحل النزاع، بل سيجعل من الأزمة ساحة صراع بالوكالة.
س: كيف تفسرون تصعيد اللهجة من قبل الحكومة الهندية؟
ج:هناك بُعد سياسي داخلي، حكومة مودي تواجه تراجعًا حادًا في شعبيتها بسبب فشلها في العديد من الملفات الداخلية، وبالتالي ترى في تصعيد الخطاب ضد باكستان وسيلة لإلهاء الرأي العام وكسب مؤيدين من القاعدة القومية.
الإعلام الهندي الرسمي والخطاب السياسي يحمّل باكستان مسؤولية الإرهاب في كشمير منذ سنوات، ما يُسهّل تبرير هذه السياسات المتشددة.
س: ما هي السيناريوهات المتوقعة الآن؟ وهل هناك فرصة لخفض التصعيد؟
ج: أعتقد أن ما سنشهده هو عودة إلى نمط “السلام البارد” الذي ساد في العقد الماضي.
العلاقات ستظل مجمدة، مع استمرار القطيعة في مختلف المجالات، من التجارة إلى الطيران إلى الاتصالات الدبلوماسية، ولكن من المستبعد أن يدخل الطرفان في حرب مفتوحة، لأن العواقب ستكون وخيمة جدًا على الطرفين.
والدور الدولي سيبقى مهمًا، خاصة من واشنطن التي تخشى من توسع الدور الروسي والصيني في شبه القارة، ومن المحتمل أن نشهد وساطات غربية تهدف إلى تثبيت الوضع الحالي دون تغييره جذريًا.