
دخلت الحرب السودانية مرحلة جديدة شديدة الخطورة بعد سلسلة هجمات متلاحقة شنتها قوات الدعم السريع باستخدام طائرات مسيّرة متطورة على مدينتي بورتسودان وكسلا شرق البلاد، مستهدفة قواعد عسكرية ومنشآت حيوية ومقر الحكومة المؤقتة.
وهذه الهجمات، التي تأتي للمرة الرابعة خلال أسبوع، تهدد بفتح جبهة جديدة في الحرب التي كانت تتركز سابقًا في الخرطوم ودارفور وكردفان، وتثير تساؤلات ملحة حول مصادر التسليح والدور الإقليمي في تأجيج الصراع.
مساء الأربعاء، أعلن الجيش السوداني إسقاط أربع طائرات مسيّرة فوق بورتسودان وعدد مماثل فوق كسلا، بعد ساعات فقط من استهداف قاعدة فلامينغو البحرية والكلية الجوية.
وشهود عيان أبلغوا “راديو دبنقا” أن عشرة مسيّرات هاجمت بورتسودان فجرًا، فيما استهدفت مسيّرات أخرى ميناء عثمان دقنة في سواكن.
وبينما أكدت مصادر عسكرية السيطرة على الموقف، أبدت الأمم المتحدة قلقها، بعدما اضطرت لتعليق رحلات المساعدات الإنسانية مؤقتًا من وإلى بورتسودان، التي تعد مركزًا لوجستيًا حيويًا وملاذًا لآلاف النازحين.
دلالات خطيرة وتحولات نوعية
في قراءة تحليلية خاصة لـ”اليوم”، قال اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في الأمن القومي والعلاقات الدولية، إن الهجمات بالطائرات المسيّرة تحمل دلالات خطيرة تتجاوز بعدها العسكري.
وأوضح عبد الواحد أن الجيش السوداني كان قد تمكن، خلال الأشهر الماضية، من إحراز تقدم ملحوظ على الأرض، خاصة في العاصمة الخرطوم، حيث استعاد السيطرة على مواقع مهمة ونجح في عزل قوات الدعم السريع في جيوب محدودة.
لكن دخول الطائرات المسيّرة غيّر من ديناميكيات الصراع، إذ بات الدعم السريع قادرًا على توسيع مدى ضرباته واستهداف مواقع ذات رمزية سياسية وسيادية مثل بورتسودان، مقر الحكومة المؤقتة ومركز قيادة الفريق عبد الفتاح البرهان.
وأضاف اللواء عبد الواحد أن هذا التحول لا يرتبط فقط بالتكتيك العسكري، بل أيضًا بالبعد النفسي والرمزي، إذ تهدف هجمات المسيّرات إلى إحراج الجيش السوداني وإظهاره عاجزًا عن حماية المنشآت الحيوية أمام الرأي العام الداخلي والدولي، ما قد يؤدي إلى تآكل الدعم الشعبي الذي حظي به الجيش في الفترة الأخيرة.
حرب المسيرات
من أبرز التساؤلات التي يطرحها المشهد الحالي؛ من أين حصلت قوات الدعم السريع على هذه الطائرات المسيّرة المتطورة؟
ويشير اللواء عبد الواحد إلى أن الدعم السريع لم يكن يمتلك، في بداية المعارك، القدرة على تشغيل مثل هذه التكنولوجيا الدقيقة، بل كان ضعيفًا نسبيًا في استخدامها.
أما اليوم، فثمة أدلة متزايدة على تورط أطراف إقليمية تمدّه بالمسيّرات وربما تدير الهجمات من الخارج، خصوصًا مع ما كشفته عمليات الاستطلاع الجوي الأخيرة من أن بعض الطائرات ربما تُطلق من منصات خارج الأراضي السودانية.
ويقول الخبير الأمني: “لا توجد جماعات صغيرة قادرة على تصنيع مسيّرات بهذه الدقة، وهذا يفتح الباب أمام فرضية وجود دعم من قوى دولية أو إقليمية، سواء بالسلاح أو بالخبراء الذين يطلقون المسيّرات ويديرون عملياتها”.
نقاط ضعف الجيش وخياراته
رغم تعزيزه لقدراته العسكرية خلال الشهور الماضية، يعاني الجيش السوداني من ضعف واضح في مجال الدفاعات الجوية، وفقًا ل لـ اللواء عبد الواحد.
إذ إن إسقاط مسيّرة قيمتها لا تتعدى بضعة آلاف الدولارات باستخدام صواريخ دفاع جوي تكلف عشرات الآلاف عملية مكلفة للغاية، فضلًا عن أن شظايا هذه الصواريخ قد تعرض المدنيين للخطر.
أمام هذا الوضع، يرجح اللواء عبد الواحد أن يلجأ الجيش السوداني خلال المرحلة المقبلة إلى تسريع طلب الدعم العسكري من دول الجوار أو من القوى الدولية، لا سيما أنه يُمثّل حاليًا الشرعية المعترف بها دوليًا.
لكنه يُحذّر في الوقت ذاته من أن تصاعد التدخلات الخارجية قد يزيد من تعقيد الأزمة ويوسّع رقعة الحرب، لا سيما في ظل غياب أي مقاربات سياسية ناضجة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية.
إلى أين يتجه السودان؟
بحسب اللواء عبد الواحد عبد الواحد، يبدو السودان متجهًا نحو حالة “اللا سلم واللاحرب”، إذ تتصاعد المواجهات العسكرية مع غياب أي مؤشرات جدية للجلوس على طاولة المفاوضات.
ويرى أن الصراع مرشح للتمدد جغرافيًا إلى ولايات ومناطق جديدة، وربما يصل إلى مرحلة “نضج الصراع” حين يدرك الطرفان أن المعادلة الصفرية – أي الإطاحة الكاملة بالخصم – غير ممكنة، ما يدفعهما في النهاية إلى البحث عن حل سياسي.
لكن حتى تصل البلاد إلى تلك المرحلة، تبقى المدن السودانية – خاصة شرقها الحيوي – تحت تهديد مسيّرات تحمل رسائل سياسية وعسكرية قاسية، في مشهد يُنذر بمزيد من الفوضى والتدخلات الخارجية التي قد تجر السودان إلى مصير يشبه السيناريو الليبي.