الرئيسيةمقالات

أحمد الضبع يكتب: رافال.. الطائرة «المظلومة» في الهند

حين تواترت الأنباء عن إسقاط 3 طائرات «رافال» فرنسية الصنع خلال الاشتباك الأخير بين الهند وباكستان، اندفع بعض المحللين لتوجيه سهام النقد إلى الطائرة الأوروبية، وكأنها فجأة فقدت جدارتها القتالية أو تحولت إلى هيكل معدني فاقد القيمة، إلا أن ذلك الطرح يغفل عن فهم أوسع لمعنى الاشتباكات الجوية، ويسقط من اعتباره واحدة من أهم القواعد الذهبية في التاريخ العسكري، وهي «لا قيمة للسلاح دون مقاتل كفء».

الرافال كما يعرف المتخصصون، طائرة متعددة المهام، يمكنها تنفيذ عمليات القصف الجوي والدفاع الجوي، ومساندة القوات البرية، والإقلاع من على متن حاملات الطائرات، والاستطلاع الإلكتروني، ولديها القدرة على الاشتباك مع 8 طائرات دفعة واحدة، وهي مزودة بقدرات تكنولوجية فائقة، من أنظمة التشويش والرصد إلى إمكانية حمل حمولة تقترب من 1.5 ضعف وزنها، فهل يعقل أن تنهار كل هذه القدرات في مواجهة سريعة دون النظر إلى السياق الكامل؟

ولعل ما حدث في مصر يمكن أن يقدم لنا فهما أعمق لجوهر المعارك الجوية، فعندما أرسلت الطائرات السوفيتية «ميج 21» مع طيارين روس إلى مصر نهاية الستينيات للتصدي للتفوق الإسرائيلي الجوي، لم تكن النتائج مشجعة، ففي أول اشتباك حقيقي في أبريل 1970، أسقطت الطائرات الإسرائيلية 3 «ميج 21» روسية، نتيجة للتفوق النوعي للطائرات المعادية، ما دفع الكثيرين آنذاك للتشكيك في كفاءة الميج كسلاح ردع.

لكن الصورة تغيرت تماما بعد 3 سنوات، وتحديدا في معركة المنصورة الجوية الخالدة في أكتوبر 1973، حيث واجه الطيارون المصريون 120 طائرة إسرائيلية متفوقة نوعيا من طراز «F4 فانتوم» و«A4 سكاي» و«ميراج 2000»، بـ 62 طائرة «ميج 21» و«سوخوي 7»، و«ميراج 2000» أقل تطورا، وكانت النتيجة إسقاط 17 طائرة للعدو مقابل خسارة 5 فقط من الجانب المصري، اثنتان منها سقطتا لنفاد الوقود.

الفرق لم يكن في الطائرة ذاتها، بل في الطيار والتكتيك والروح المعنوية وفهم طبيعة الاشتباك، فقد أبدع الطيار المصري فيما فشل فيه نظيره الروسي، لأنه قاتل بإرادة وجسارة ومعرفة بالميدان وخطط موضوعة بدقة.

الأمر ذاته ينطبق على «رافال»، فالسلاح الجوي الهندي لم يخض معارك واسعة النطاق بهذه الطائرة حتى الآن، ولم يظهر قدراتها القتالية في معركة مفتوحة، وهو ما يجعل من التسرع في الحكم على فاعلية الرافال خرقا لمنطق التحليل العسكري.

ثم إن نتائج المواجهات لا تبنى فقط على التفوق العسكري، ولكن هناك الكثير من الاعتبارات منها تنسيق المعركة وجاهزية المقاتلين والمعلومات الاستخباراتية والإجراءات الدفاعية المصاحبة، وقد يكون إسقاط طائرة متقدمة نتيجة ثغرة في القيادة وليس في السلاح نفسه.

وعلى كل حال ليس من الصواب أن يستخدم فشل تكتيكي لتقييم سلاح استراتيجي معقد كـ«رافال»، وكما أن الميج السوفيتية أسيء تقديرها قبل أن يعيد الطيار المصري رسم صورتها، فإن «رافال» تستحق أن ينظر إليها بعدل، لا في ضوء لحظة عابرة من صخب الصراع بين الهند وباكستان، ولكن من خلال سجلها الكامل ومجمل استخداماتها في مسارح عمليات متعددة، من العراق إلى ليبيا وأفغانستان ومالي، مرورا بالمناورات الناجحة التي نفذتها في الشرق الأوسط.. الرافال لم تهزم في باكستان، بل سيء استخدامها، وهذا فرق جوهري لا يغفله من يعرف كيف تقرأ المعارك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى