الدعاء عند الزلازل.. نداء الإيمان في لحظة اهتزاز الأرض
ما بين الزلزال والدعاء... كيف نتعامل مع الكارثة بعين الإيمان؟

في لحظات مفاجئة، تهتز الأرض، وتتوقف الحياة لثوانٍ تُشبه الدهور، وتُبعث الرهبة في النفوس. وبين صرخات الخوف والبحث عن النجاة، يرتفع صوت آخر… صوت خافت في ظاهره، لكنه شديد التأثير في باطنه، إنه صوت الدعاء. دعاء يخرج من القلوب المرتجفة، يتجه مباشرة نحو السماء، حيث لا أمان إلا في كنف الله، ولا طمأنينة إلا بين يديه.
الزلازل في التصور الإسلامي: آية وعِبرة
يُنظر في الإسلام إلى الزلازل على أنها آية من آيات الله، تذكير لعباده، وتوجيه للبصيرة قبل الأبصار. يقول الله تعالى:
“وما نُرسل بالآيات إلا تخويفًا” [الإسراء: 59]
“إذا زلزلت الأرض زلزالها…” [الزلزلة: 1]
وقد أجمع العلماء على أن الزلازل وغيرها من الظواهر الكونية الجليلة، ما هي إلا رسائل من الله لعباده، تارةً للتخويف، وتارةً للرحمة، لكنها دومًا باب للرجوع والتوبة.
الدعاء عند الزلازل: مناجاة في زمن الفزع
الدعاء في أوقات الشدة ليس مجرد عادة، بل هو عبادة تؤكد تعلق العبد بربه، وتعبّر عن صدق توكله وإيمانه. فعند حدوث الزلازل، لا يُطلب من المسلم سوى أن يثبت، ويُكثر من الاستغفار، والتضرع، والدعاء، فهو وسيلته للثبات، وعُدّته في مواجهة الخوف.
ورغم أنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصوص عند الزلازل، فإن العلماء استحبّوا أن يُقال في تلك اللحظات:
- “اللهم سلّم، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا”
- “اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم ارفع عنّا البلاء”
- “اللهم اجعلها بردًا وسلامًا، ولا تجعلها عقوبة يا أرحم الراحمين”
رأي الشيخ الشعراوي: الزلازل فرصة لمحاسبة النفس
في تفسيره لسورة الزلزلة، أشار الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى أن الزلازل هي تذكير للناس بأن كل شيء في هذه الدنيا فانٍ، وأن الأرض التي يسير عليها الإنسان مطمئنًا، قادرة بإذن الله أن تنقلب عليه في لحظة.
وقال الشعراوي:
“إذا رأيت الأرض تهتز من تحتك، فاعلم أن لك ربًا يريد أن يُنبهك… فبادر بالرجوع إليه قبل أن يأتيك هزُّ الحساب.”
ودعاؤه المشهور:
“اللهم إن كانت الزلزلة رحمة فزدنا منها، وإن كانت غضبًا فارفع مقتك وغضبك عنا.”
العلماء والدعاة: صوت واحد نحو السماء
- الشيخ ابن باز دعا إلى الإكثار من الاستغفار والرجوع إلى الله عند الزلازل، وأكد أنها سبب لتقوية الإيمان ومراجعة النفس.
- الشيخ ابن عثيمين أوصى الناس بالصلاة والدعاء، واعتبر أن الزلازل تخويف من الله لعباده ليعودوا إلى طريق الهداية.
- الشيخ صالح الفوزان قال: “الدعاء عند الزلازل سنة مهجورة، فلنحييها ولنعلم أبناءنا أن الملجأ هو الله”.
لماذا الدعاء؟
- لأنه صِلة بالله في أحلك الظروف
- لأنه سبب في رفع البلاء وكشف الغمة
- لأنه يورث الطمأنينة والسكينة
- لأنه يثبت القلب في وقت لا ثبات فيه إلا بالإيمان
رسالة للمجتمع: لنجعل الزلازل بابًا للتوبة لا للهلع
إن وقوع الزلازل لا يجب أن يكون فقط مناسبة للذعر وتداول الأخبار، بل هو فرصة لإعادة ترتيب الأولويات، ومحاسبة النفس، ومراجعة الطريق. والدعاء هو البداية، هو صرخة الإيمان في وجه الضعف والخوف.
خاتمة: الدعاء هو الأمان حينما تنعدم الضمانات
حين تهتز الأرض ولا يبقى في النفس إلا الرجاء، يبقى الدعاء حصنًا منيعًا، وملاذًا من كل خوف. لندعُ الله أن يحفظ أوطاننا، ويطمئن قلوبنا، ويجعلنا من عباده الراجعين إليه في كل وقت، لا وقت الزلزلة فقط.
“وقال ربكم ادعوني أستجب لكم…” [غافر: 60]