الرئيسيةعرب-وعالم

المشهد الليبي… ماذا يحدث وأين يذهب؟

تقرير: مروة محي الدين

عاد التوتر يضرب العاصمة الليبية طرابلس، منذ الساعات الأولى من يوم الثالث عشر من مايو الجاري، وتطور الأمر بشكل سريع في الاشتباكات بين مليشيات تابعة للحكومة وقوات الشرطة القضائية وجهاز الردع، ما أدى لقتل “عبد الغني الككلي”- رئيس جهاز دعم الاستقرار غربي ليبيا، وأضحت أصوات الاشتباكات المسلحة تسمع في عدة مناطق مأهولة في العاصمة.

وعلى الرغم من إعلان وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية أمس السيطرة على الأمور ووقف إطلاق النار، مصحوبًا بضمان التهدئة وتوفير الأمن للمدنيين، عبر نشر قوات محايدة في نقاط التماس، لكن انفجار الوضع عقب عدة إعلانات سابقة بالسيطرة على الأوضاع، ينذر بحالة من عدم اليقين حول مجمل الأحداث.

من هنا توجهنا في موقع “اليوم” بالسؤال للدكتور “حامد فارس”- أستاذ العلاقات الدولية: ماذا يحدث في ليبيا؟

فأجاب قائلًا: “ما يحدث في ليبيا هو حالة من غياب الدولة باعتبارها دولة وطنية، فما يحدث الآن هو صراع بين ميليشيات مسلحة، وسط حالة من الانقسام الشديد بين الشرق الليبي والغرب الليبي، وعدم توحيد المؤسسات، وذلك على رغم من الجهود التي بذلتها عدة قوى إقليمية ودولية للعمل، للتوصل إلى تفاهمات تفضي إلى: وقف شامل لإطلاق النار، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، ووضع دستور جديد للبلاد، وخروج كافة الميليشيات المسلحة من الغرب الليبي”.

وأضاف: “بيد أنه لم يتم تنفيذ أي من تلك المعطيات على الأرض، وبالتالي أصبح المشهد الآن معقد، في ظل سيطرة  مجموعة من الميليشيات المسلحة- التي لا تدين بأي حال من الأحوال للدولة الليبية- على غرب ليبيا، ومن هنا يكون ما نشاهده الآن هو صراع بين ميليشيات مسلحة، دون وجود للدولة بمعناها المفهوم في الغرب”.

كذلك كان لأستاذ العلاقات الدولية رؤيته في اغتيال “الككلي”، الذي مثل من وجهة نظره تحولا دراميا مخيفًا، ينذر بما هو أعنف، فقال: “هناك حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد البيبة، تستخدم تلك الميليشيات لفرض الهيمنة والسيطرة، لتكون المفاجئة في الأحداث الأخيرة- التي تبدوا متسارعة جدا- في قتل الككلي، على يد ميليشيات أخرى داخل اللواء 444 قتال، ما يبرهن بشكل قاطع على وجود حالة من تصفية الحسابات بين الميليشيات المسلحة، سعيا لفرض السيطرة على الغرب الليبي”.

القتال بالمناطق المدنية

في ظل الأحداث المتسارعة، كانت الهلال الأحمر الليبي منذ الساعات الأولى للاشتباك تهيب بالمواطنين في مناطق الاشتباكات عدم الخروج من منازلهم، ومنع التنقلات إلا للضرورة القصوى بما أشار بشكل صريح لاحتدام الاشتباكات في المناطق المأهولة، وأكد ذلك قرار بلديات العاصمة بتعليق الدراسة والامتحانات فيها حتى انتهاء الاضطراب الأمني، وكذلك كان قرار جامعة طرابلس بتعليق الدراسة في جميع كلياتها، حتى صدور إشعار آخر.

كما طال الاضطراب عدة منشآت مدنية في طرابلس من بينهما: جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية، الذي اندلع فيه حريق كبير نتيجة الاشتباكات، واتخذت الشركة العامة للكهرباء في البلاد قرار- مع بداية موجة العنف- بفصل الكهرباء عن عدة مناطق حيوية داخل العاصمة.

وتفاقم الوضع فأعلن الهلال الأحمر حالة الطوارئ في العاصمة، بعد سقوط جرحى مدنيين فيها جراء الاشتباكات، ورفعت وزارة الصحة درجة الاستعداد بالمستشفيات والمراكز الطبية ومؤسساتها إلى الدرجة القصوى، ودعى مركز طب الطوارئ و الدعم الحكومي لإعلان النفير العام بين الفرق الطبية، داعيا فروعه المحيطة بالعاصمة لتقديم الدعم إليها.

في الوقت ذاته استنفرت قوات حكومة الوحدة الوطنية، للسيطرة على سجون ومقار جنوب ووسط العاصمة، فيما أعلن جهاز الشرطة القضائية هروب بعض سجناء سجن الجديدة  بسبب الاشتباكات المسلحة.

وقد علق “فارس” على حالة الاشتباك المسلح في الشوارع والمناطق المأهولة، بما يؤثر على عمل المؤسسات التعليمية والصحية، فقال: “الميليشيات المتقاتلة تنفذ أجندات خاصة في الداخل الليبي، وتسعى إلى تحقيق مصلحتها على حساب مصلحة الدولة، ومن ثم لا تنظر بحال من الأحوال إلى الشعب الليبي ومصالحه، وذلك سبب اتخاذ الحكومة قرارات، مثل: إيقاف الدراسة والنشاط الرياضي وحس المواطنين على عدم الخروج من منازلهم، وفي ذلك دليل آخر على غياب الدولة،  لأنها لو كانت موجودة وتم توحيد المؤسسة العسكرية وتفعيل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، كنا سنرى مشهدًا مختلفًا، بيد أن الواقع على الأرض أن تلك الميليشيات هي المتحكمة، وتنفذ أجنداتها الخاصة، لخدمة مصالح لدول إقليمية معروفة بعينها”.

الملاحة الجوية

فور احتدام المواجهات وظهور مؤشرات على توسعها، تم اتخاذ قرارات متوالية بشأن مطار معيتيقة الدولي في طرابلس، حسب مستجدات الأحداث التي بدت متسارعة، كان أهمها إيقاف الملاحة فيه، ونقل رحلاته إلى مطار مصراتة، حيث أعلنت إدارة المطار أن النقل يأتي تحسبا لأي طارئ، وذلك بعد أن كانت قد منحت شركات الطيران إذنا مفتوحًا لنقل رحلاتها من المطار أو العمل منه، وفقا لتقديرها للموقف.

جعلت تلك القرارات قضية المطار ضلعا أساسيا في المشكلة الأمنية، حيث تشير بشكل واضح لاستهداف القوات المتقاتلة للمطار بل والتركيز ليه، ما شرح أبعاده “فارس” قائلًا: “تلك الميليشيات ترغب في السيطرة على مفاصل الدولة، ولعل في تحركات نقل الطائرات المدنية من مطار معيتيقة إلى مطار مصراتة دليلًا قاطعًا على نية استهداف المطار، في إطار استهداف تلك الميليشيات السيطرة على كل مفاصل الدولة، واستخدام هذه المؤسسات- التي تمثل عصب الدولة وتخدم الشعب الليبي- لصالحها”.

وتابع: “وفي ذلك انعكاس حقيقي لحالة الرخوة الأمنية، التي يعيشها الغرب الليبي، دون وجود لأي تفاهمات مع الشرق الليبي، الذي ينعم بحالة من الاستقرار، وكان من المفترض أن يتم استغلال الجيش الليبي في القضاء على الميليشيات المسلحة وإخراج المقاتلين الأجانب، ولكن هذا لم يحدث”.

أين تذهب ليبيا؟

كانت آخر مستجدات الصراع المصحوب بحالة عدم اليقين، اتخاذ المجلس الرئاسي الليبي قرارًا بوقف إطلاق النار في جميع المناطق، مناشدة جميع الوحدات العسكرية بالعودة لمقارها، وذلك بعد استنفار الوحدات العسكرية في عدة مناطق من بينهما مصراتة، كما جمد جميع القرارات العسكرية والأمنية، التي اتخذتها حكومة الوحدة لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية.

جاء ذلك عقب نداءات من رئيس المجلس، بضرورة تغليب المصلحة الوطنية، وتوحيد الجبهة الداخلية وإبقاء مؤسسات الدولة بعيدا عن التجاذبات السياسية، في وقت أعلنت فيه وزارة الدفاع عدة مرات السيطرة على الأوضاع، لينفجر من جديد الوضع بعدها.

الأمر الذي يدق جرس الإنذار من احتمال توسع رقعة الصراع، بما يصعب السيطرة عليه، ويتوافق مع قول “فارس” الذي لخص فيه مجمل التوقعات حول الموقففي ليبيا: “نحن نرى مشهدًا معقدًا تزداد سخونته كل يوم، فتذهب الأحداث نحو التصعيد والانفجار، حيث يرغب كل طرف في تحقيق مصالحه والمشهد الخاص به، على حساب مصلحة الدولة الليبية، وبالتالي يزداد المشهد الليبي سوءا يوما بعد يوم”.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى