تقارير-و-تحقيقات

أحكام الأضحية وآدابها في ضوء الفقه الإسلامي

كتب: مصطفى على

مع حلول العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، يزداد الحديث بين المسلمين حول الأضحية: مشروعيتها، شروطها، كيفية أدائها، وحكم الاشتراك فيها ويبرز في هذا السياق سؤال محوري يتردد على ألسنة كثيرين: هل يجوز الاشتراك في الأضحية؟ وما الشروط التي تحكم هذا الاشتراك إن جاز؟ وما هي أحكام وآداب الذبح؟ وما السن الشرعي لكل نوع من بهيمة الأنعام؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، نشر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بيانًا توضيحيًا مفصلًا عبر صفحاته الرسمية، استعرض فيه الأحكام الفقهية المتعلقة بالأضحية، مدعمًا ما ذهب إليه بالأحاديث النبوية الصحيحة وأقوال الصحابة والتابعين وفي هذا التحقيق، نستعرض هذه الإجابات بتوسيع دلالاتها وبيان أبعادها الاجتماعية والشرعية.

أولًا: الاشتراك في الأضحية.. الجواز مشروط بنوع الأضحية

أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية جواز الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر أو ما في معناهما كالجاموس ويجوز أن يشترك في البقرة أو الجمل سبعة أشخاص، كلٌّ له نصيب في ثواب الأضحية، سواء من أهل البيت أو من غيرهم، وذلك استنادًا إلى حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه:

«نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ، مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْبَدَنَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ».
[أخرجه ابن ماجه]

وهذا الحديث يدل بوضوح على أن الاشتراك في الأضاحي أمر مشروع، شريطة أن يكون نوع الأضحية مما يقبل الاشتراك فيه شرعًا.

ثانيًا: لا اشتراك في الشاة ولكن الثواب يتسع للجميع

وفي المقابل، شدد المركز على أنه لا يجوز الاشتراك في الشاة سواء كانت من الضأن أو المعز بمعنى أن شخصين أو أكثر لا يجزئون فيها كما هو الحال في البقر أو الإبل لكنها تجزئ عن الشخص الواحد وأهل بيته، أي يمكن أن يذبح الرجل شاة واحدة فتكون الأضحية له ولمن يعولهم وقد استدل المركز بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه:

«كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى».
[رواه الترمذي]

والحديث يعكس أيضًا تطور العادات الاجتماعية التي طرأت على الأضاحي، إذ كانت الأضحية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تُذبح عن جماعة، بينما أصبح البعض في العصور التالية يبالغ في العدد والمظهر.

ثالثًا: الأضحية عن الفقراء.. سنة مؤكدة من النبي الكريم

أشار مركز الأزهر إلى جانب عظيم من الرحمة في سنة الأضحية، حيث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى عن أمته جميعًا، لا سيما الفقراء منهم، ممن لم يقدروا على شراء الأضاحي. وتلك السنة تُبرز البعد التكافلي والروح الجماعية في الإسلام، إذ تصبح الأضحية وسيلة لشمول الرحمة، وليست حكرًا على القادرين فقط.

رابعًا: الشروط الشرعية لسن الأضحية.. متى تصح ومتى لا؟

من المسائل المهمة التي تناولها مركز الأزهر العالمي للفتوى هي السن الواجب توافره في الأضاحي لتكون صحيحة ومجزئة شرعًا. وقد جاءت على النحو التالي:

الضأن (الخروف): يشترط أن يبلغ ستة أشهر فأكثر.

الماعز: لا تُجزئ إلا إذا بلغت سنة فأكثر.

البقر والجاموس: يشترط بلوغ سنتين فأكثر.

الإبل: لا تصح أضحيتها إلا إذا بلغت خمس سنين فأكثر.

وذلك استنادًا إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ».
[رواه مسلم]

و”المُسِنَّة” في اللغة الفقهية تشير إلى البهيمة التي بلغت السن الشرعي.

خامسًا: الأضحية المُعلَّفة

وفي فتوى معاصرة تراعي الواقع الزراعي الحالي، أوضح المركز أنه لا يُشترط للبهائم التي تُعلّف وتُسمّن خصيصًا للذبح أن تبلغ السن الشرعي المقرر إذا بلغ وزنها 350 كجم فأكثر في أقل من المدة المطلوبة شرعًا وبيّن أن هذا الرأي هو المختار للفتوى، إذ يتحقق به مقصود الأضحية من وفرة اللحم وسد حاجة المساكين، لا سيما في ظل الواقع الاقتصادي المتغير.

سادسًا: آداب الأضحية.. رفق بالحيوان واحترام للشعيرة

لم يكتفِ مركز الأزهر ببيان الأحكام الفقهية، بل أورد 12 أدبًا من آداب ذبح الأضاحي، تجسّد الرحمة بالحيوان وتُبرز حسّ الإحسان والإنسانية في التعامل مع بهيمة الأنعام، وهي:

1. التأكد من سلامة الأضحية من الأمراض والعيوب.

2. عدم إظهار آلة الذبح أمام الأضحية.

3. استقبال القبلة أثناء الذبح.

4. تجنب ذبح الأضحية بحضرة أخرى.

5. إضجاع الأضحية على جنبها برفق.

6. التأكد من زهوق النفس قبل سلخها.

7. التسمية والتكبير عند الذبح.

8. الذبح في الأماكن المخصصة لذلك.

9. الرفق أثناء الذبح وعدم التعنيف.

10. عدم إعطاء الجزار أجرته من لحم الأضحية.

11. تجنب جرّ الأضحية بطريقة مهينة.

12. الحفاظ على نظافة الشوارع بعد الذبح وعدم ترك المخلفات.

سابعًا: أضحية.. عبادة لها أبعاد إنسانية واجتماعية

إن فقه الأضحية في الإسلام لا يتوقف عند حدود الشعيرة الدينية فقط، بل يمتد إلى نواحي اجتماعية وأخلاقية وإنسانية. فالأضحية تمثل صورة من صور الكرم الجماعي والتكافل الاجتماعي، ويُستحب أن تُوزع لحومها على الفقراء والمحتاجين، وأن تُشارك الجيران والمعارف. ومن هنا تكتسب هذه الشعيرة بُعدًا حضاريًا، يعكس روح الإسلام التي تمزج العبادة بالأخلاق.

فهم شرعي دقيق يُحقق مقاصد الشعيرة

في ضوء ما سبق، تتضح الأحكام المتعلقة بالأضحية بصورة متكاملة: ما يجوز الاشتراك فيه، وما لا يجوز، الشروط التي تصح بها، وآداب الذبح التي تضمن الرحمة والتكريم ويظهر دور مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية كمنارة توجيهية تقدم الفقه بطريقة مبسطة وقريبة من الناس، تراعي الزمان والمكان، وتعمل على تحقيق مقاصد الشريعة في الرحمة، والنفع، واليسر.

وبين فقه العبادة وروح الرحمة، تبقى الأضحية سنة مؤكدة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تُحيي فينا معاني القرب من الله، والتراحم بين العباد، والامتثال لطاعة الله في شعيرة جسّدها النبي الخليل إبراهيم عليه السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights