حماس ومقترح ويتكوف.. مأزق غزة بين ضغوط الميدان وحسابات السياسة

يضع مقترح المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف لوقف إطلاق النار في غزة حركة حماس أمام اختبار معقد يضيق معه هامش المناورة، بين ضغوط ميدانية هائلة، وواقع سياسي داخلي وخارجي بالغ التعقيد.
وبينما أعلنت إسرائيل موافقتها على المقترح المعدل، الذي وصفه قياديون في حماس بأنه “ورقة إسرائيلية”، لا تزال الحركة تدرسه بدقة، وسط خلافات داخلية حول كيفية التعامل مع هذه المبادرة التي قد تشكل مفترق طرق للصراع المستمر.
ثلاثة اعتراضات جوهرية
بحسب تقارير إسرائيلية من بينها موقع “واللا”، فإن حماس أبدت ثلاث نقاط اعتراض أساسية على المقترح:
–أولها، رفض الحركة القاطع لأي هدنة مؤقتة دون ضمانات واضحة بوقف دائم لإطلاق النار، مشيرة إلى تجربة انهيار الهدنة السابقة في مارس الماضي عندما استأنفت إسرائيل القتال من جانب واحد.
–ثانيًا، عدم تضمين المقترح نصوصًا صريحة حول انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خطوط ما قبل انهيار الهدنة.
–ثالثًا، غموض آليات توزيع المساعدات الإنسانية، خاصة تلك المرتبطة بصندوق المساعدات الجديد الذي أُعلن عنه مؤخرًا.
أوراق ضعيفة وضغوط خانقة
يقول أحمد سلطان، الباحث المتخصص في الشؤون الإقليمية والدولية، في تصريحات لـ”اليوم”، إن حماس تجد نفسها اليوم أمام خيارات بالغة الصعوبة، حيث لم تعد تمتلك أوراق ضغط قادرة على تغيير المعادلة.
“قضية الرهائن ليست محورية بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، وهذا معروف منذ اليوم الأول”، بحسب سلطان.
حماس كانت تراهن على تغيير الموقف الأمريكي عبر إدارة ترامب وزيادة الضغط على تل أبيب، لكنها رهانات خاسرة، يؤكد سلطان.
حتى لو مارست واشنطن بعض الضغوط على حكومة نتنياهو، فإن الحركة لن تحصل على ما كانت تأمله، كما أن التغيير الداخلي الإسرائيلي غير مرجح في ظل التحالف اليميني القائم وضعف المعارضة.
ويضيف سلطان أن العمليات العسكرية التي تشنها الفصائل الفلسطينية هي “جزء من عمل تكتيكي لا يرقى لإحداث تغيير حاسم، سواء على المستوى العملياتي أو الاستراتيجي”، مشيرًا إلى أن تل أبيب “تدير خطة دقيقة تستهدف تقويض حكم الظل الذي تديره حماس في غزة، عبر اغتيالات مركزة تطال الكوادر القيادية والمسؤولين عن الشؤون المدنية”.
معادلة شديدة التعقيد
يرى سلطان أن حماس تواجه معادلة معقدة: قبول مقترح ويتكوف المعدل مع كل ما يحمله من ثغرات وتحفظات، أو رفضه مع استمرار الحرب والحصار والتصعيد العسكري الإسرائيلي الذي يكاد يفتك بالقطاع.
“الخياران أحلاهما مر”، يوضح سلطان، مضيفًا: “هناك من داخل الحركة يميل للقبول على أمل أن يؤدي عامل الوقت إلى خلخلة الدائرة المحيطة بنتنياهو، أو حتى إلى تنامي الحراك المناهض للحرب داخل إسرائيل، لكن الواقع أن المقترح نفسه لا يضمن إتمام الهدنة حتى اليوم الستين”.
في المقابل، حذرت شخصيات قيادية في حماس، مثل باسم نعيم وسامي أبو زهري، من أن المقترح بصيغته الحالية “يكرس الاحتلال ويعمق الأزمة”، معتبرين أنه لا يتضمن التزامات بوقف إطلاق النار أو انسحاب القوات أو ضمانات كافية لإدخال المساعدات.
واقع إنساني كارثي
وسط هذه الحسابات السياسية والأمنية المعقدة، يزداد الوضع الإنساني في غزة تدهورًا، ومع توسع منظومة توزيع المساعدات المدعومة أمريكيًا، تتواصل عمليات الإخلاء والضغط العسكري الإسرائيلي، وسط تقارير عن تعاون بين الجيش والاستخبارات مع عناصر خارجة عن القانون لتقويض الجبهة الداخلية.
يقول سلطان: “الوضع الإنساني أصعب من أن تصفه الكلمات، والضغط العسكري على الأرض خانق، ومع ذلك، لا تملك الحركة أوراق قوة حقيقية، والمطلوب اليوم تفكير غير تقليدي وخارج الأطر المعتادة التي سارت فيها الحركة طويلًا، لكني أشك في قدرة العقلية الحالية على ذلك”.
في ظل استمرار الحصار، وضغط الميدان، والتعقيدات السياسية، تجد حماس نفسها أمام خيارات محدودة وصعبة.
فبينما تُدرس مقترحات الوسطاء، تستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية وسياساتها الهادفة لإضعاف “حكم الظل” الذي تديره الحركة في غزة.
ومع غياب أوراق ضغط فعالة، يبدو أن حماس أمام اختبار صعب بين قبول مقترح غير مضمون النتائج، أو رفضه مع تحمل عواقب كارثية على المدنيين في القطاع، وفي الحالتين، يدور الصراع في حلقة مفرغة لا تنذر بانفراج قريب.
2 تعليقات