مقالات

أحمد فؤاد يكتب .. الإسكندرية التي رأت ما لا يُرى

بقلم : أحمد فؤاد

لم يكن ما شهدته الإسكندرية بالأمس مجرد موجة من الطقس السيئ كما تصفه نشرات الأخبار، بل كان مشهدًا مهيبًا قلّ أن يتكرر، أشبه بلوحة سماوية نُقشت فيها معانٍ أعمق من أن تُختزل في درجات الحرارة أو سرعة الرياح.

البرق الذي شقّ السماء لم يكن مجرد وميض، بل علامة فارقة، كأن السماء تئنّ من شيء ما، وتفتح للعقل نافذة على ما لا يُقال.
كأنها تصرخ بما عجزت الأرض عن البوح به، والرعد لم يكن صوتًا عابرًا، بل نداءً قديمًا يهز الأرواح قبل الأبنية، يوقظ في النفس سؤالًا أبديًا:
من نحن؟ وماذا نحن أمام هذا الجلال؟

المدينة الغارقة تحت المطر لم تكن مدينة غارقة وحسب، بل انعكاسًا صادمًا لحالة من الغفلة غمرت القلوب قبل الأرصفة.
كأن الطرقات التي ابتلعتها المياه كانت تمثيلًا ماديًا لأرواحنا التي جفت، ثم هزّها هذا الحدث لتبكي، لا بالماء، بل بالدهشة والخشية.

كان المنظر أقرب إلى صلاة كونية…
صلاة لا يُسمع فيها صوت المصلين، بل أنين المدينة وهي تتطهّر من صمتها الطويل.

فهل كان ذلك غضبًا من السماء؟ ربما.
هل كان تحذيرًا ناعمًا بصرخة مدوية؟ ربما.
لكنه بالتأكيد كان رسالة كونية صريحة، تقول بلسان الطبيعة:
“أيها الإنسان، لا سلطان يدوم، ولا قوة تعلو، إلا قدرة الواحد الأحد.”

أمام هذا المشهد، لا مجال للغرور البشري، ولا لزيف السيطرة.
فالعِلم لا يقف أمام البرق، والتقنيات لا ترد سيلًا إذا أذن الله أن ينهمر.
في لحظة واحدة، يعود الإنسان إلى حجمه الحقيقي…
كائن صغير، هش، يحتمي في جدار من الطين، ويخاف من قطرة ماء إن اشتدّت.

ما جرى في الإسكندرية لم يكن حادثًا مناخيًا، بل حدثًا وجوديًا
تذكيرٌ بأننا نعيش على أرض ليست لنا، وتحت سماء لا نملكها،
وأن في كل ومضة برق، وكل صاعقة، وكل قطرة،
رسالة لمن أراد أن يتفكر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights