تقارير-و-تحقيقات

شيخ الأزهر: الكيان الصهيوني ضد الإنسانية والأزهر يدعم جامبيا دعويًّا وتعليميًّا

كتب: مصطفى علي

في مشهد يعكس تلاقي الروح الإسلامية الأصيلة مع نبض الواقع السياسي والدعوي، استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، صباح الأحد بمقر المشيخة العريقة، وزير خارجية جمهورية جامبيا السيد مامادو تانغارا، في زيارة رسمية حملت طابعًا يتجاوز البروتوكولات، نحو تأسيس شراكة دعوية وتعليمية متينة بين واحدة من أعرق المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي ودولة إفريقية يعلو فيها صوت الانتماء الحضاري والديني.

اللقاء لم يكن تقليديًّا، إذ جمع بين الدعم الدعوي والتعليمي المتواصل الذي يقدمه الأزهر للدول الإفريقية، وبين موقف سياسي وإنساني حازم تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، عبّر عنه شيخ الأزهر بعبارات غير مسبوقة في حدتها ووضوحها، واصفًا الكيان الصهيوني بأنه “ضد الإنسانية”.

الأزهر وجامبيا: شراكة استراتيجية لتعزيز الوسطية والتعليم الشرعي

تأهيل الأئمة وبناء خطاب إسلامي معتدل
عبّر فضيلة الإمام الأكبر عن ترحيبه الحار بالضيف الجامبي، مؤكدًا عمق العلاقات التي تربط بين الأزهر وجامبيا، والتي تعود إلى عقود طويلة من التعاون العلمي والدعوي. وأشار إلى أن الأزهر يولي إفريقيا أهمية خاصة في استراتيجيته العالمية، حيث تعتبر القارة السمراء امتدادًا طبيعيًا لرسالته العلمية والروحية، وميدانًا مفتوحًا لبثّ قيم الاعتدال والحوار والتسامح.

وأعلن الإمام الأكبر استعداد الأزهر لزيادة عدد المنح الدراسية المقدمة لطلاب جامبيا، وتوسيع نطاق تدريب الأئمة والدعاة، لا سيما عبر أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، التي تقدم برامج تدريبية حديثة ومتكاملة تتناول التحديات الفكرية والروحية التي تواجه المسلمين حول العالم.

منهج الأزهر في مواجهة التطرف

وفي معرض حديثه عن التحديات الفكرية، شدد الإمام الطيب على أهمية تعزيز الخطاب الإسلامي المعتدل في مواجهة موجات الغلو والتشدد، التي تسعى إلى تشويه صورة الإسلام.
وأوضح أن الأزهر لا يكتفي بالمناهج التقليدية، بل يسعى لتأهيل الدعاة والأئمة ليكونوا قادرين على مخاطبة العقول والقلوب، والتفاعل مع السياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة، بما يسهم في نشر السلم المجتمعي ومكافحة الفكر الإرهابي.

وأشار فضيلته إلى أن المناهج التي تُدرس في الأكاديمية تشمل موضوعات حيوية مثل “التعايش مع الآخر”، و”مكانة المرأة في الإسلام”، و”حقوق الإنسان”، وهي القضايا التي كثيرًا ما يُساء استخدامها من قبل جماعات متطرفة، بينما يسعى الأزهر إلى تقديمها بصورتها الحقيقية، المستمدة من نصوص الدين وروحه الجامعة.

موقف إنساني صريح: الأزهر يدين جرائم الاحتلال في فلسطين

الكيان الصهيوني في مرمى إدانة الأزهر

الملف الفلسطيني كان حاضرًا بقوة في هذا اللقاء، حيث عبّر الإمام الأكبر عن حزنه الشديد لما يتعرض له الشعب الفلسطيني من “مجازر دموية تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم، في ظل صمت دولي مخزٍ” ووصف الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين بأنها “أبشع صور الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في التاريخ الحديث”.

وقال فضيلة الإمام: “الشعب الفلسطيني يُترك وحيدًا في مواجهة آلة القتل والتدمير منذ ما يقرب من عامين، دون أن يحرّك العالم ساكنًا. المستشفيات تُقصف، والمدارس تُدمّر، والمنازل تُسوى بالأرض، والمساجد والكنائس لم تسلم من الانتهاك إنها مأساة إنسانية غير مسبوقة، تثبت أن هذا الكيان ضد الإنسانية”.

هذا التصريح الصريح، الذي يتجاوز المجاملة الدبلوماسية، يعكس موقفًا متأصلًا لدى مؤسسة الأزهر في الدفاع عن القضية الفلسطينية، التي تمثل قضية مركزية للعالم الإسلامي، بل قضية ضمير عالمي يتطلب موقفًا أكثر حزمًا من المجتمع الدولي.

التزام مستمر بالدفاع عن المظلومين

وأكّد الإمام الأكبر أن الأزهر سيواصل دفاعه عن الشعب الفلسطيني في كل المحافل الدولية، معتبرًا أن الوقوف مع الحق هو جزء من رسالة الأزهر التاريخية. وقال: “سنظل صوتًا للحق ومدافعًا عن المظلومين حتى يتحقق العدل وتُعاد الحقوق إلى أصحابها”.

وزير خارجية جامبيا: الأزهر ليس مؤسسة دينية فقط بل شريك إستراتيجي

التقدير الإفريقي للدور الريادي للأزهر

أعرب وزير الخارجية الجامبي السيد مامادو تانغارا عن سعادته البالغة بلقاء الإمام الأكبر، مشيدًا بالدور الريادي الذي يلعبه الأزهر في خدمة قضايا الأمة الإسلامية. وأكد أن الأزهر لا يمثل فقط مؤسسة تعليمية دينية، بل هو شريك استراتيجي مهم لدول إفريقيا في بناء الخطاب الديني المعتدل ومواجهة الفكر المتطرف.

وأشار الوزير إلى نجاح مركز الأزهر لتعليم اللغة العربية في جامبيا، الذي تخرج فيه حتى الآن 60 طالبًا، معتبرًا أن الإقبال المتزايد من طلاب بلاده على الدراسة في الأزهر دليل على ثقة الشعوب الإفريقية في هذه المؤسسة العريقة.

“أنا سفير الأزهر”

وفي تعبير رمزي يعكس عمق العلاقة، قال تانغارا: “اعتبروني سفيرًا للأزهر في جامبيا، بل وفي منظمة التعاون الإسلامي التي تترأسها بلادي حاليًا”. وأضاف أنه سيعمل على متابعة كل مقترحات التعاون، خصوصًا ما يتعلق بزيادة عدد المنح الدراسية وتدريب الأئمة، بمجرد عودته إلى العاصمة بانجول.

اتفاق شامل: مواجهة فكرية وتعاون علمي في خدمة الأمة

توسيع الشراكات وتعزيز الرسالة

انتهى اللقاء باتفاق واضح بين الجانبين على توسيع أطر التعاون في مجالات التعليم والدعوة، وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات الفكرية والدينية التي تعصف بالمجتمعات الإسلامية، سواء في إفريقيا أو في سائر أنحاء العالم.

وشدد الإمام الطيب على أن الأزهر سيظل منارة علمية وروحية، وملتزمًا بأداء رسالته التاريخية في نشر الإسلام الوسطي، ومحاربة كل أشكال الغلو والتشدد والانغلاق، مؤكدًا أن العالم أحوج ما يكون اليوم لصوت العقل والاعتدال.

الأزهر بوابة الروح الإسلامية في إفريقيا… وصوت الحق لفلسطين

يحمل هذا اللقاء دلالات كبرى تتجاوز الجانب الدبلوماسي إلى مستوى بناء التحالفات الحضارية والدينية في عالم يزداد اضطرابًا. فالأزهر الشريف، بما يمتلكه من رصيد روحي وعلمي، يرسّخ اليوم حضوره في إفريقيا كشريك حقيقي في التنمية الدينية والعلمية، وفي الوقت ذاته، لا يتوانى عن أن يكون صوتًا صارخًا في وجه الظلم، وضميرًا يقظًا في زمن كثرت فيه المآسي وصمتت فيه الضمائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights