تقارير-و-تحقيقات

آداب زيارة المسجد النبوي بين الفضائل والمحظورات

 

تقرير: مصطفى على

 

مع اقتراب انتهاء موسم الحج، تتوجه أفئدة ملايين المسلمين إلى المدينة المنورة، حيث يحتضن المسجد النبوي الشريف مزيجًا مهيبًا من العبادة والمهابة والروحانية فزيارته لا تُعد من مناسك الحج لكنها من أعظم القربات وأجلّ النوافل، كيف لا وهو ثاني المساجد التي تُشدّ إليها الرحال، وفيه قبر النبي محمد ﷺ، خير الخلق وخاتم المرسلين.

رغم وضوح المقصد النبيل، إلا أن كثيرين يقعون في أخطاء وممارسات مرفوضة شرعًا، إما عن جهل أو بدافع العاطفة، ما يستدعي ضرورة التوعية بالآداب الواجبة والمستحبة، والمحظورات الشرعية، حتى تكون الزيارة عبادة خالصة لله تُرضي النبي وتُرضي رب النبي ﷺ.

أولًا: زيارة قبر الرسول ﷺ.. آداب سامية في حضرة النبوة

إذا دخل المسلم المدينة المنورة بنية زيارة المسجد النبوي، فإن من أول مقاصده يكون قبر النبي ﷺ، ولذا سنّ العلماء جملة من الآداب التي ينبغي التحلي بها، وأبرزها:

الإكثار من الصلاة والسلام عليه في الطريق، والدعاء بأن يتقبل الله الزيارة وينفع الزائر بها.

تفريغ القلب من شواغل الدنيا واستحضار عظمة من يُزار، ثم السلام عليه بأدب، دون رفع للصوت.

الوقوف بأدب عند القبر بحيث يستقبله الزائر بوجهه، لا القبلة، مع وقفة قصيرة غير متكلفة.

يقول أهل العلم إن الوقوف الطويل أو التكرار اليومي للسلام عليه ليس من هدي السلف، بل المطلوب خشوع وسكينة، ودعاء له ﷺ بما يناسب مقامه العظيم.

ثانيًا: خمسة أفعال محرّمة في زيارة المسجد النبوي يجب تجنبها

على الرغم من صفاء النية التي يحملها الزائر، إلا أن بعض الأفعال تتعارض مع التوحيد وتُعد من البدع، وربما تُفضي إلى الشرك، ومنها:

1. التمسّح بالحجرة النبوية أو المنبر، إذ لا فضل في الجماد ولا بركة تُرجى من الملمس.

2. الطواف بالقبر أو تقبيله، لأن الطواف عبادة مخصوصة بالكعبة المشرفة فقط.

3. طلب الحاجات من النبي ﷺ كالرزق أو الشفاء أو تفريج الكربات، فهذا من الشرك الأكبر الذي يُخرج من الملة، إذ لا يُسأل ولا يُطلب شيء إلا من الله وحده.

4. الدعاء مستقبلًا القبر لا القبلة، أو المكوث طويلاً أمامه، وهو مما لم يثبت فعله عن الصحابة.

5. تكرار زيارة القبر بعد كل صلاة أو دخول وخروج من المسجد، فذلك من البدع المحدثة.

وقد شدد علماء التوحيد على أن النبي ﷺ يسمع السلام، لكنه لا يملك نفعًا أو ضرًا لأحد بعد موته، ولا يُتوسل به في قضاء الحاجات.

ثالثًا: ما يُستحب فعله عند دخول المسجد النبوي

هناك آداب محببة عند دخول أي مسجد، ويُستحب التمسك بها في المسجد النبوي:

تقديم الرجل اليمنى والدعاء بدعاء الدخول المأثور: “اللهم افتح لي أبواب رحمتك”.

الصلاة على النبي ﷺ عند الدخول والخروج، استحضارًا لفضله ومنزلته.

أداء ركعتين تحية المسجد، والأفضل أن تكون في الروضة الشريفة التي وصفها النبي ﷺ بأنها “روضة من رياض الجنة”.

وبعد أداء التحية، يتوجه الزائر إلى القبر النبوي، فيسلّم على النبي ﷺ بأدب، ثم يسلم على صاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

رابعًا: أدعية مأثورة تُقال عند زيارة المسجد النبوي وقبر الرسول ﷺ

للزيارة أدعية جامعة تُعبر عن حب الزائر وولائه للنبي ﷺ، وتُستحب لما تحمله من معانٍ جليلة في التوحيد والدعاء:

“السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خير خلق الله، السلام عليك يا حبيب الله، اللهم اجزه عن أمته أفضل الجزاء، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته.”

ومن الأدعية الأخرى المأثورة:

“اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آله، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.”

ومن الجميل أن يُختم الدعاء بشهادة التوحيد، والإقرار برسالة النبي ﷺ، والاستغفار له ولأمته.

خامسًا: دعاء دخول المسجد النبوي.. دعاء يفيض رحمة ووقارًا

عند دخول المسجد النبوي، يُشرع للمسلم أن يتنظف ويتطيب، ويقدم رجله اليمنى، ثم يقول:

“بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.”

ويُستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويفضل أن تكونا في الروضة إن تيسّر له ذلك، امتثالًا لحديث النبي ﷺ:

“ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة.” [متفق عليه]

سادسًا: حكم زيارة النساء لقبر النبي ﷺ.. خلاف بين العلماء والراجح فيه

اختلف الفقهاء في حكم زيارة النساء لقبر النبي ﷺ، لكن الرأي الغالب بين العلماء يميل إلى كراهة الزيارة، لا التحريم، لعدة اعتبارات:

النساء غالبًا ما يتأثرن عند رؤية القبور، وهو ما قد يدفع للبكاء ورفع الصوت، وهو منهي عنه.

الحنابلة قالوا بالكراهة إذا كان يُخشى من الجزع أو المخالفات، وإلا جازت بشروط.

الحنفية أجازوا الزيارة إذا كانت للعظة والترحم دون جزع.

لكن كثيرًا من العلماء استثنوا قبر النبي ﷺ وقبور الأنبياء من الكراهة، باعتبار أن الأدلة في فضل زيارة قبره ﷺ تشمل الرجال والنساء على حد سواء، دون تفريق.

بين الحب والتوحيد.. زيارة متّزنة ومباركة

زيارة المسجد النبوي وقبر النبي محمد ﷺ هي من أعظم الأعمال المستحبة، لكنها عبادة يجب أن تظل في إطار الشرع والتوحيد، دون غلو أو بدعة فحب النبي ﷺ لا يكون بالتمسّح بجدرانه، بل باتباع سنته، وتحقيق التوحيد الخالص لله.

فلنجعل زيارتنا تعبيرًا صادقًا عن حبنا للرسول، لكن على طريق الصحابة، لا طريق المبتدعة. ولنتذكر أن أفضل ما نُهديه لنبينا ﷺ هو الصلاة والسلام عليه، والدعاء له، والعمل بما جاء به، لا التعلّق بقبره أو طلب الحاجات منه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights