الصلاة في الشواطئ والمتنزهات.. جائزة بضوابط شرعية

تقرير: مصطفى على
في زمن تتزايد فيه مظاهر الحياة العصرية، وتتنوع فيه أنماط الترويح عن النفس بين التنزه على الشواطئ وقضاء الوقت في الحدائق العامة، يثور سؤال يتردد في أذهان الكثير من المسلمين: ما حكم الصلاة في أماكن الترفيه؟ وهل يمكن الجمع بين أداء الفرائض والاستمتاع بالمباحات؟ مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أجاب عن هذا التساؤل بوضوح عبر منصاته الرسمية، مؤكدًا أن الإسلام لا يُعطّل متعة الحياة، لكنه لا يغفل عن ضوابط العبادة وقدسيتها.
الصلاة قُربة لا تنقطع.. حتى في مواطن الراحة
أكد مركز الأزهر للفتوى أن أداء الصلاة في وقتها من أعظم القُربات وأحب الأعمال إلى الله تعالى، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ:
«ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ، ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» [رواه مسلم].
ومن هذا المنطلق، شدّد المركز على ضرورة المحافظة على الصلاة حتى أثناء التنزه أو قضاء العطلات، لأن العبادة لا تسقط بالتنقل أو الراحة، بل يمكن أداؤها في أي مكان طاهر تستوفي فيه شروط الصلاة.
الصلاة في الأماكن العامة.. جائزة بشروط
وأوضح المركز أن الصلاة في أماكن التنزُّه كالشواطئ، والحدائق، والمسطحات الخضراء جائزة شرعًا، سواء أُدّيت بشكل فردي أو جماعي، بشرط مراعاة:
1. عدم إعاقة مرور الناس أو مضايقتهم في أماكن جلوسهم وتنزههم.
2. اختيار موقع مناسب هادئ بعيد عن الضوضاء؛ لضمان الخشوع والتركيز في الصلاة.
3. طهارة الموضع الذي تُقام فيه الصلاة، سواء كانت الأرض رمالًا أو حشائش، أو باستخدام سجادة للصلاة.
وأكد الأزهر أن المسلم إن صلى على رمال الشاطئ أو في ظل شجرة أو على أرض الحديقة، فلا بأس بذلك، ما دام المكان طاهرًا، والمصلي ملتزمًا بشروط الصلاة.
وضوء البحر.. طهور شرعيٌّ لا غبار عليه
وفيما يتعلّق بالوضوء أثناء التنزُّه على الشواطئ، أفاد المركز بجواز الوضوء بماء البحر دون حرج، مستدلًا بحديث النبي ﷺ حين سُئل عن ماء البحر فقال:
«هو الطَّهورُ ماؤُه، الحلُّ ميتتُه» [رواه أبو داود].
فماء البحر يُعد من المطهرات التي يمكن استخدامها للوضوء، دون الحاجة لتوفير ماء عذب، ما يُيسّر للمسلم أداء عبادته في أي بيئة يجد نفسه فيها.
شروط صحة الصلاة في الأماكن المفتوحة
من الجوانب التي أكد عليها مركز الأزهر العالمي للفتوى:
طهارة الثوب والبدن والمكان، وهي من الشروط الأساسية لصحة الصلاة.
ستر العورة بما يليق بجلال الوقوف بين يدي الله، حيث لا تصح الصلاة إلا إذا ستر المصلي ما بين سرته وركبته على الأقل، ويُستحب للرجل تغطية الكتفين أيضًا.
في حال ارتداء لباسٍ غير لائق بالصلاة أثناء التنزه (مثل ملابس السباحة أو الملابس الخفيفة)، ينبغي على المسلم ارتداء ما يستر عورته قبل أداء الصلاة.
أما الصلاة على سجادة فهي مستحبة، لكنها ليست شرطًا لصحة الصلاة ما دام الموضع طاهرًا.
صلاة المرأة في الأماكن العامة: ضوابط شرعية وباب للتيسير
أما عن صلاة المرأة أثناء وجودها في أماكن عامة أو في رحلات أو نزهات، فأوضح مركز الأزهر:
أن صلاة المرأة في بيتها أفضل وأولى، إلا إذا كانت خارج منزلها وخشيت فوات وقت الصلاة.
في هذه الحالة، يجوز لها أن تؤدي الصلاة في مكان عام بعد أن تتحرى موضعًا مناسبًا يسترها عن الأنظار.
إن لم تجد موضعًا مستترًا، فيجوز لها أن تتخذ ساترًا كجدار أو شجرة، وتصلي بشرط الالتزام التام بالحجاب الشرعي.
إن لم يتوافر أي ساتر، فإنها تصلي دون ساتر، مع ضم بعض الجسد في الركوع والسجود تقليلًا للحركة، ودون الإخلال بأركان الصلاة، ويُستحب لها ألا تطيل في الركوع أو السجود.
هل تبطل الصلاة برؤية الأجانب للمرأة؟
من الأسئلة التي أجاب عنها مركز الأزهر العالمي بوضوح:
هل تبطل صلاة المرأة إذا رآها الرجال الأجانب أثناء صلاتها؟
وجاءت الإجابة: لا تبطل الصلاة، ما دامت المرأة ملتزمة بالحجاب الكامل والسترة، ولم يظهر منها ما يُنافي شروط الصلاة، فالرؤية المجردة من الغرض الفاسد لا تؤثر في صحة الصلاة.
الإسلام دين يُيسّر العبادة ولا يمنع الترويح
من خلال هذا التوضيح الشامل، يرسّخ مركز الأزهر العالمي للفتوى مبدأً مهمًا في الإسلام: العبادة لا تتعارض مع الاستمتاع بالحياة، بل يمكن للمسلم أن يُوازن بين أداء حقوق الله وبين الاستمتاع بما أباحه الله من نُزهات وسياحة وراحة، شريطة الالتزام بالأدب الشرعي والانضباط السلوكي.
شواطئ الطاعة وحدائق الذكر
إن تيسير أداء الصلاة في كل مكان هو من رحمة الله بهذه الأمة، فجعل الأرض كلها مسجدًا وطهورًا، كما ورد عن النبي ﷺ.
فلا حجة لمسلم يترك الصلاة بدعوى أنه في نزهة، ولا عذر لمن يظن أن الطاعة تقف عند أبواب البيوت والمساجد فلتكن نزهاتنا عنوانًا للطاعة، ورياضتنا سببًا في رضوان الله، ولتكن شواطئنا ورياضنا ساحاتٍ للخشوع والسكينة، لا مواضعَ لغفلة وإهمال.