الدعاء في آخر جمعة من السنة الهجرية.. بين النصوص النبوية والاجتهادات المستحبة

تقرير: مصطفى على
في أجواء مفعمة بالخشوع والتأمل، يستعد المسلمون في شتى بقاع الأرض لوداع العام الهجري 1446هـ، مستشعرين ما مضى من أيامه، ومستبشرين بما هو آتٍ في العام الجديد 1447هـ.
ويأتي يوم الجمعة الأخير من السنة ليحمل معه نكهة خاصة، حيث يجتمع فيه فضلان: فضل يوم الجمعة، وفضل ختام العام، مما يدفع الكثيرين لاغتنامه بالدعاء والاستغفار والتوجه إلى الله بالأمنيات والدعوات الطيبات.
وتصدّرت أدعية الجمعة الأخيرة في العام الهجري اهتمامات المسلمين عبر محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر الكثيرون عن آمالهم في عام هجري جديد يحمل الخير والتوفيق والرضا الإلهي.
أمل في التغيير وتوسل بالرحمة
تنوّعت الأدعية التي رفعها المسلمون في هذه الجمعة المباركة، ما بين طلب التوفيق في العام الجديد، والتماس العفو عن الذنوب الماضية، والرجاء بأن يكون المستقبل أفضل من الماضي، حيث ترددت على الألسنة أدعية من قبيل:
“يا رب، استودعتك بداية سنة جديدة، اللهم اجعلها أجمل مما نتمنى، واكتب لنا فيها تغيرًا للأفضل، وحقق لنا ما هو خير لنا في الدين والدنيا.”
كما شملت الأدعية أمنيات جماعية:
“اللهم اجعلها سنة أجمل مما مضت، واجعل ما تبقى من أعمارنا في رضاك وخيرك، اللهم حقق أمانينا، وارزقنا حياة طيبة مع من نحب، واملأ أيامنا بالسعادة والطمأنينة.”
دعاء الجمعة الأخيرة
ارتفعت المناجاة في هذه المناسبة بما يعكس مشاعر مختلطة بين الشكر، والرجاء، والتوبة، واليقين في رحمة الله، فالدعاء كان وسيلة للتطهر من شوائب العام المنصرم، والدخول في العام الجديد بصفحة بيضاء من التوبة والأمل.
ومن بين الأدعية التي انتشرت وتناقلها المصلون والمتابعون على صفحاتهم:
“اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك باسمك الأعظم الطيب المبارك الأحب إليك… أن تجعلنا في هذه الدنيا من المقبولين، وإلى أعلى درجاتك سابقين، واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا وجميع المسلمين.”
“اللهم اغفر للمسلمين جميعًا، الأحياء منهم والأموات، وأدخلهم جناتك، وأعذهم من عذابك، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.”
توسلات السكينة والثبات في مسيرة الحياة
لم تخلُ الأدعية من توسل بالثبات، والتضرع بالهدى، خاصة مع ما يشهده العالم من تقلبات وأحداث، مما يجعل الحاجة ماسة إلى دعاء يثبّت القلب ويطمئن النفس. وقد ورد في بعض الأدعية:
“اللهم سخر لي خلقك كما سخرت البحر لموسى، وألن لي قلوبهم كما ألنت الحديد لداود، فإنهم لا ينطقون إلا بإذنك، قلوبهم بين يديك تصرفها كيف شئت، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.”
كما حرص المسلمون على الدعاء بألفاظ جامعة تليق بعظمة هذه المناسبة:
“اللهم اجعل هذا العام مليئًا بالسعادة والفرح، واكتب لنا فيه الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.”
مضامين شرعية في توقيت الدعاء وأهميته
وفي الجانب الشرعي، لا يوجد في السنة النبوية نص صريح يخص الدعاء في الجمعة الأخيرة من السنة الهجرية تحديدًا، إلا أن العلماء أجازوا الدعاء في كل وقت، وخاصة في الأيام والليالي الفاضلة، ويأتي يوم الجمعة في مقدمتها، إذ قال النبي ﷺ: “فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه.” (رواه البخاري ومسلم).
كما أن رأس السنة الهجرية يمثل مناسبة معتبرة في الوجدان الإسلامي، إذ ارتبط به حدث الهجرة النبوية المباركة التي أسّست لدولة الإسلام الأولى، ولذا فربط الدعاء بختام العام يُعد من المعاني المستحبة في الدين، لا من البدع المذمومة.
دعاء جامع لكل خير في ختام العام
ومن أبرز الأدعية التي تناقلها المسلمون لما فيها من شمولية روحانية:
“اللهم إني أسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات، وثبتني وثقل موازيني، وحقق إيماني، وارفع درجتي، وتقبل صالح عملي، وبلغني الجنة، ونجني من النار.”
بين الدعاء والتأمل.. المسلمون يفتتحون صفحة جديدة بالأمل والتوكل
بهذا المشهد الإيماني، يودّع المسلمون عامًا مضى بحلوه ومرّه، ويرحبون بعام جديد تغمرهم فيه الآمال والتطلعات فهم يعلمون أن الدعاء ليس مجرد كلمات تُتلى، بل هو علاقة حية بين العبد وربه، ومفتاح للرضا والقرب من الله، ومظهر من مظاهر الافتقار إليه في كل أمر.
إنها لحظة تأمل ومحاسبة، فيها يُراجع الإنسان نفسه، ويعيد ترتيب أولوياته، ويعقد النية على أن يكون العام القادم عامًا للعبادة، والنية الصادقة، والعمل المثمر، في رحاب طاعة الله.
في الجمعة الأخيرة من العام الهجري 1446، علت أصوات الدعاء من القلوب قبل الألسنة، تحمل شوقًا إلى رحمة الله، ورغبة صادقة في بداية نقية لعام هجري جديد، يحمل في طياته نور الأمل، وبركة الطاعة، وسكينة القرب من الخالق سبحانه.