من وقف إطلاق النار إلى الانسحاب النووي.. إيران تغير قواعد اللعبة
اللواء عبد الواحد: الغموض النووي يخدم أمريكا.. والوكالة الدولية تؤدي دورًا استخباراتيًا

بعد 12 يومًا من القتال بين إيران وإسرائيل، والذي كاد أن يشعل حربًا إقليمية شاملة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الإثنين 23 يونيو، عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
لكن هذا الاتفاق لم يطفئ نيران التوترات العميقة، خاصة مع تلويح طهران بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT). وهي خطوة يرى مراقبون أنها قد تعيد رسم خريطة الأمن الإقليمي والدولي، وتنسف النظام العالمي القائم على عدم الانتشار النووي.
المعاهدة في مهب السياسة
تعد معاهدة حظر الانتشار النووي، التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970، حجر الزاوية في النظام الدولي للحد من انتشار الأسلحة النووية. إلا أن انسحاب كوريا الشمالية منها عام 2003، والآن التهديد الإيراني، يكشف هشاشة الالتزام العالمي بها.
ويبلغ عدد الموقعين على المعاهدة 191 دولة، من بينها خمس قوى نووية معترف بها (أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا).
أما الدول غير المنضوية تحت المعاهدة فهي إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية. وتصنف إسرائيل كحالة استثنائية بسبب امتلاكها المزعوم لترسانة نووية دون إعلان رسمي.
التهديد بالانسحاب.. مناورة أم نية حقيقية؟
في غضون ذلك، يرى اللواء محمد عبد الواحد، الخبير العسكري ومستشار الأمن القومي، أن تلويح طهران بالخروج من المعاهدة هو “مناورة سياسية ذكية” وليس قراراً نهائياً بعد.
ويضيف: “إيران تحسن استغلال ورقة الانسحاب في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. خصوصاً بعد تمديد العقوبات الأوروبية المفروضة بموجب اتفاق 2015، والتي كان يُفترض أن تنتهي في أكتوبر المقبل”.
ويشير اللواء عبد الواحد، في تصريح خاص لـ”اليوم”، إلى أن الاتفاق النووي السابق (5+1) فرض على طهران بشروط قاسية. وأن استئناف المفاوضات الجديدة – إذا حدث – سيكون وفق شروط مختلفة، تراعي المصالح الإيرانية المتغيرة. خاصة بعد تعمق تعاونها مع روسيا في ظل الحرب الأوكرانية.
الولايات المتحدة.. المستفيد من الغموض؟
بحسب اللواء عبد الواحد، فإن المستفيد الأكبر من حالة الغموض والجدل حول امتلاك إيران لسلاح نووي من عدمه هي الولايات المتحدة، ويتابع: تضخيم الخطر الإيراني يخدم أهدافاً استراتيجية لواشنطن، أهمها:
- تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط
- بيع مزيد من السلاح لدول الخليج
- تشكيل تحالفات إقليمية جديدة في إطار اتفاقيات إبراهام
ويضيف أن واشنطن تتبع منذ الحرب الباردة سياسة “الاحتواء”، والتي تهدف إلى خنق الخصوم اقتصادياً ودبلوماسياً دون الحاجة لمواجهات مباشرة.
لكن اللواء يحذر من أن استمرار هذه السياسة قد يؤدي إلى نتائج عكسية: “الغموض مفيد على المدى القصير، لكنه يهدد بانكشاف مصداقية أمريكا على المدى الطويل. خاصة إذا اكتشفت دول الخليج أن الولايات المتحدة تبالغ في توصيف التهديد الإيراني لأهداف تجارية واستراتيجية بحتة”.
الوكالة الذرية.. بين الرقابة والاستخبارات؟
بالتوازي مع ذلك، يلفت اللواء عبد الواحد إلى دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعتبر أن: “الوصول إلى منشآت إيران النووية بات أولوية قصوى للوكالة، ليس فقط لأسباب رقابية، بل أيضاً لاستخلاص معلومات استخباراتية حول تأثير الضربات العسكرية الأخيرة ومدى الضرر الحقيقي”.
ويصف هذا الدور بـ”الخطير”، قائلاً إن “الوكالة الدولية تُستخدم أحياناً كغطاء استخباري، خصوصاً مع صعوبة اختراق إيران بعد كشف العديد من العملاء الإسرائيليين”.
روسيا والصين.. في المشهد الخلفي
رغم أن واشنطن وتل أبيب تتصدران مشهد الضغط على إيران، فإن اللواء عبد الواحد يعتبر أن “الموقف الروسي هو الحلقة الأهم”، ويتساءل: “هل تجرؤ موسكو على تزويد طهران بمنظومات دفاع جوي أو طائرات متطورة؟ وهل تستخدم الفيتو ضد أي قرار أممي جديد يُفرض على إيران؟”
في المقابل، تتريث الصين، لكن يتوقع أن تنسق مع روسيا لتعطيل أي مسعى أمريكي لعقوبات أممية جديدة، خاصة مع اقتراب نهاية العقوبات الأوروبية المفروضة وفق اتفاق 2015، والتي تم تمديدها حتى أكتوبر 2025.
نظام دولي على المحك
يشير تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن مستويات تخصيب اليورانيوم في إيران تقترب من العتبة العسكرية، رغم عدم وجود دليل رسمي على تصنيع سلاح نووي.
ومع استمرار حالة الغموض، فإن أي انسحاب إيراني من المعاهدة سيوجه ضربة قوية للنظام الدولي القائم على عدم الانتشار.
ويلخص اللواء عبد الواحد خطورة اللحظة بالقول: “خروج إيران من المعاهدة لا يعني بالضرورة أنها ستعلن برنامجاً نووياً عسكرياً، لكنها ستنتقل إلى طور السرية. وستخرج المفتشين الدوليين من اللعبة، ما يصعب احتواءها ويشجع دولاً أخرى على السير في نفس الطريق”.
بعد كلماته القاسية حول الصراع بين تل أبيب وطهران.. ترمب عن الطرفين: “تشاجرا كطفلين في مدرسة”.. والأمين العام للناتو: “يضطر الأب أحيانا لاستخدام لغة حادة”#تل_أبيب #طهران #الحدث pic.twitter.com/g2k6HfSKCZ
— ا لـحـدث (@AlHadath) June 25, 2025