حكاية رويدا من حادث الطريق الإقليمي.. كانت تحلم بفستان أبيض فعادت في كفن

كتب- صابر عاطف:
في صباح هادئ من صباحات الريف، استيقظت رويدا خالد — ابنة الثالثة والعشرين — على أمل جديد. لم تكن تعلم أنه سيكون صباحها الأخير. خرجت كما اعتادت، تسابق أحلامها الصغيرة على درب العنب والعمل الشريف، لكن القدر كان أسرع منها، وأقسى بكثير.
رويدا، الفتاة البسيطة الخجولة، كانت تستعد لزفافها بعد أشهر قليلة. جمعت جهازها بعرق جبينها، وكانت تحلم بأن تدخل بيت زوجها مرفوعة الرأس. كتبت قبل الرحيل بساعات منشورًا على صفحتها: “اليوم أتممت عامًا بالخمار.. اللهم ثبتني عليه حتى لقائك.” وكأن قلبها كان يهمس لها بأن اللقاء قريب، وأن الطريق إلى الجنة قد أصبح أقرب من الطريق إلى المزرعة.
الميكروباص الأخير
في صباح الجمعة، كانت رويدا واحدة من 18 فتاة استقللن ميكروباصًا في طريقهن للعمل، فتيات يحملن الحياء والكرامة، لا يطلبن سوى لقمة بالحلال.
لكن على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، جاء سائق نقل متهور تحت تأثير المخدر، تجاوز الحاجز الفاصل بين الاتجاهين، وحوّل المركبة التي كانت تقل الزهرات إلى نعوش متناثرة.
فستان الفرح.. تحوّل إلى كفن
في منزل رويدا، لم تُعلق الزينة، بل عُلقت صورها على الجدران. لم تُفتح أبواب الفرح، بل أُغلقت أبواب الحياة. وفي جنازة واحدة ضمّت جثامين الفتيات، حمل خطيبها النعش بدلًا من أن يمسك يدها إلى الكوشة، ووقف والدها مذهولًا، يتأمل الصندوق الخشبي كأنه لا يريد تصديق أن حبيبته الصغيرة قد اختفت خلف غطاء أبيض.
أحلام قُطعت على الإسفلت
لم تكن رويدا وحدها. كانت إلى جانب زميلات تتراوح أعمارهن بين 16 و23 عامًا: منهن من كانت تحلم بأن تصبح مهندسة، وأخرى تعمل لتساعد أهلها، وثالثة في معهد التمريض تنتظر التخرج. كلهن خرجن طلبًا للحياة، فاستقبلتهن الموتى صامتة على الإسفلت.
صرخة الأمهات.. ونداء العدالة
لم تكن جنازة، بل كانت ثورة بكاء وصراخ. في قرية كفر السنابسة، ارتفعت أصوات الأمهات، كل واحدة منهن تنادي على ابنتها، لعلها ترد.