الأزهر بعد 30 يونيو.. حصن مصر في مواجهة التطرف

تقرير : مصطفى على
في أعقاب ثورة 30 يونيو، بدأ الأزهر الشريف مرحلة جديدة من الحضور الفاعل والمبادرة الواعية التي تجاوزت الأطر التقليدية للمؤسسة الدينية، لتصبح مؤسسة إصلاحية دعوية وفكرية، تنخرط في شراكة عميقة مع مؤسسات الدولة من جهة، ومع القوى العالمية المحبة للسلام من جهة أخرى وقد تنوعت أنشطة الأزهر في هذه المرحلة لتشمل برامج دعوية وتوعوية وقيمية، بالإضافة إلى مواجهة الظواهر المجتمعية السلبية، وخدمة كافة أطياف الشعب المصري، مسلمين ومسيحيين، تأكيدًا على قيم المواطنة والعيش المشترك ورفضًا للتمييز والعنف.
مكافحة الإرهاب: معركة فكرية وميدانية
من أبرز التحولات الجذرية التي قادها الأزهر الشريف بعد ثورة 30 يونيو، كانت الانخراط القوي في مواجهة الإرهاب والتطرف وبناءً على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدأ الأزهر خطوات جادة لتجديد الفكر الديني ومواجهة الجماعات المتشددة بالفكر والحوار والوعي، مستندًا إلى الإرث العلمي الراسخ والمرجعية الوسطية التي تميّز بها منذ قرون.
أول مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب
في أواخر عام 2014، نظّم الأزهر أول مؤتمر دولي لمكافحة العنف والتطرف، بمشاركة ممثلين من 120 دولة، وجمع فيه قادة الأديان والمذاهب الإسلامية والطوائف المسيحية وقد شكّل هذا الحدث بداية لمواجهة عالمية للفكر المتطرف، حيث عمل المؤتمر على تفكيك المفاهيم المغلوطة التي روّجت لها الجماعات الإرهابية، مثل مفاهيم “الدولة الإسلامية” و”الخلافة” و”التكفير” و”الجاهلية” و”الجهاد”، مع التأكيد على السياق الصحيح لها في الفقه الإسلامي.
تجديد الفكر الديني وبناء خطاب عصري
مؤتمر تجديد الفكر والعلوم الإسلامية
ضمن جهوده الفكرية، نظّم الأزهر مؤتمر “تجديد الفكر والعلوم الإسلامية” ليضع الإطار العلمي لتصحيح الانحرافات الفكرية، وإعادة بناء العقل الديني على أسس منضبطة ومتوازنة وقد ناقش المؤتمر عوامل الغلو والتطرف، وآليات تطوير الخطاب الديني بما يضمن استمرارية التواصل مع المجتمع، خصوصًا الأجيال الجديدة.
برامج موسّعة لتدريب الأئمة والدعاة
حرص الأزهر على رفع كفاءة الأئمة من خلال برامج تدريبية مكثفة شملت المصريين والوافدين، كما أطلق حملات دعوية داخل المحافظات تستهدف فئة الشباب، وتصحح المفاهيم المغلوطة لديهم كما أرسل قوافل دعوية وتوعوية إلى المناطق النائية، وساهم في إنهاء خصومات ثأرية، ومراجعة الفتاوى بما ينسجم مع مقاصد الشريعة وظروف العصر.
دور دولي فاعل في تعزيز السلام والحوار
جولات عالمية ووثيقة الأخوة الإنسانية
كان لفضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حضور بارز على الساحة الدولية، حيث جاب الشرق والغرب لإرساء ثقافة الحوار والتعايش وقد تُوّجت هذه الجهود بتوقيع “وثيقة الأخوة الإنسانية” مع البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والتي أصبحت إحدى أهم الوثائق في التاريخ المعاصر التي ترسّخ العلاقة بين الأديان وتدعو إلى عالم خالٍ من العنف والتعصب.
توسع المنظمة العالمية لخريجي الأزهر
وسع الأزهر الشريف من نشاط “المنظمة العالمية لخريجي الأزهر” لتشمل 20 فرعًا حول العالم، من إفريقيا إلى آسيا وأوروبا، حيث أصبح لها حضور قوي في دول مثل نيجيريا، الصومال، باكستان، ماليزيا، الهند، وبريطانيا وتعمل هذه المنظمة على نشر الفكر الوسطي، وتقديم الدعم العلمي والدعوي لخريجي الأزهر في الخارج.
مرصد الأزهر: عين على العالم بلغات متعددة
أسس الأزهر الشريف “مرصد الأزهر باللغات الأجنبية” لمتابعة وتفنيد الخطاب المتطرف المنتشر عبر وسائل الإعلام الرقمية، وذلك باستخدام تقنيات تحليل متقدمة وبلغات مختلفة وقد كان للمرصد دور كبير في رصد التحركات الإرهابية وتفنيد الشبهات ونشر ردود علمية موثقة على أفكار الجماعات المتطرفة.
وحدة “بيان” لتفكيك الفكر اللاديني
وأنشأ الأزهر “وحدة بيان” ضمن مركز الفتوى الإلكتروني لتفكيك الأفكار غير الدينية والتصدي لحملات التشكيك في الدين الإسلامي، خصوصًا بين الشباب المتأثرين بالثقافات المادية أو اللادينية، وتقديم معالجات عقلية وروحية متزنة.
حوار الأديان: منصّة الأزهر للتفاهم العالمي
تأسيس مركز حوار الأديان
أطلق الأزهر مركزًا متخصصًا لحوار الأديان يهدف إلى فتح قنوات تواصل دائمة بين الأزهر والمؤسسات العالمية المعنية بالحوار، لتبادل الرؤى حول قضايا السلم والتعايش وقد أصبح هذا المركز مرجعًا للحوار الديني الحضاري، وساهم في تنظيم لقاءات دولية لتقريب وجهات النظر بين أتباع الديانات السماوية.
ملتقى الشباب المسلم والمسيحي
في عام 2015، نظّم الأزهر أول ملتقى دولي يجمع بين شباب مسلمين ومسيحيين من 15 دولة، في خطوة جريئة تهدف إلى الاستماع لوجهات نظرهم، وتفنيد المفاهيم الخاطئة التي يحملها بعضهم عن الإسلام، وقد تميز اللقاء بروح التفاهم والانفتاح على الآخر.
إصلاح التعليم وترسيخ الثقافة الإسلامية الوسطية
منهج الثقافة الإسلامية الجديد
في سياق التحديث التعليمي، أطلق الأزهر منهجًا جديدًا للثقافة الإسلامية يدرّس في المرحلتين الإعدادية والثانوية، يتضمن موضوعات ترفض العنف، وتعزز التسامح، وتكشف زيف الدعاية المتطرفة وقد تم إعداد المحتوى بعناية فقهية وثقافية لتوعية الطلاب بمخاطر الغلو والتحصين من الوقوع في براثن الجماعات المتشددة.
تطوير المكتبات والمناهج
عمل الأزهر على تطوير المكتبات المدرسية والجامعية، وإعادة النظر في المناهج التعليمية لضمان اتساقها مع الوسطية الإسلامية، ومواكبتها للمستجدات الفكرية والاجتماعية المعاصرة.
مبادرات وطنية لتعزيز الوحدة الاجتماعية
بيت العائلة المصري
أسس شيخ الأزهر بيت العائلة المصري، الذي يعمل على وأد الفتن الطائفية ومواجهة محاولات بث الفرقة داخل المجتمع، من خلال لجان مشتركة تضم رموزًا دينية واجتماعية من المسلمين والمسيحيين ويهدف البيت إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال التدخل السريع في حالات التوتر.
لجنة المصالحات
فعّل الأزهر “لجنة المصالحات” لتسوية النزاعات القبلية والاجتماعية، وتعمل اللجنة على حفظ الأرواح، وردع النزاعات، والتعاون مع الجهات المعنية لنزع فتيل الأزمات المجتمعية، خصوصًا في صعيد مصر والمناطق الريفية.
الإعلام الدعوي: مواجهة عبر منصات التواصل
أطلق الأزهر استراتيجية إعلامية متكاملة لمواجهة الجماعات المتطرفة على منصات التواصل الاجتماعي، من خلال صفحات رسمية متخصصة تقدم محتوى ديني توعوي موجه لفئة الشباب بلغة العصر وقد حققت هذه الصفحات تفاعلًا كبيرًا نظرًا لأسلوبها الواضح ورسائلها الإيجابية.
الأزهر ركيزة وطنية وعالمية في معركة الوعي
لقد شكّل الأزهر الشريف في مرحلة ما بعد 30 يونيو، ركيزة أساسية في معركة الدولة ضد الإرهاب والفكر المتطرف، ليس فقط باعتباره مؤسسة دينية، بل باعتباره قوة فكرية وقيمية عالمية تسهم في بناء السلام، وتعزيز ثقافة الحوار، وتحصين المجتمعات من الانحرافات العقائدية لقد أعاد الأزهر تموضعه ليكون ضميرًا حيًا للعالم الإسلامي، وجسرًا حضاريًا بين الشرق والغرب.