الإفتاء توضح الحكم الشرعي وقواعد الأداء لمن غاب عن صلاة الجمعة

تقرير: مصطفى على
أصدرت دار الإفتاء المصرية عبر منصاتها الرسمية بيانًا توضيحيًا لحكم من فاتته صلاة الجمعة لعذر أو دون عذر، وذلك في إطار سعيها الدائم لتصحيح المفاهيم وتوجيه المسلمين لما فيه صواب دينهم ودنياهم.
وأكدت الدار أن من فاتته الجمعة سواء لعذر كالنوم، أو بدون عذر وجب عليه قضاؤها ظهرًا، أربع ركعات، باتفاق أهل العلم.
وجاء في بيان دار الإفتاء أن ذلك إجماع فقهي لا خلاف عليه، استنادًا إلى أقوال علماء السلف والخلف، مستشهدة بعدد من الأحاديث النبوية والمصادر الفقهية المعتبرة في توضيح هذا الحكم، مما يعيد التأكيد على مكانة صلاة الجمعة كفرض عيني لا يجوز التهاون فيه.
حديث العلماء.. الإجماع منعقد على وجوب القضاء
استشهدت دار الإفتاء بعدد من النصوص الدينية والآراء الفقهية التي تجزم بوجوب قضاء الصلاة الفائتة لأي سبب، سواء كان نسيانًا أو نومًا أو غير ذلك من الأعذار.
فقد نقلت عن العلامة ابن بزيزة في كتابه روضة المستبين قوله:
“وقد انعقد الإجماع على وجوب قضاء الصلوات الفوائت بنسيان أو نوم”.
كما أوردت دار الإفتاء حديثًا صحيحًا رواه الإمام مسلم عن الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه، قال فيه النبي ﷺ:
«مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا».
واستشهدت بحديث آخر ورد في سنن أبي داود عن رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، وهو ما يؤكد أن النائم غير مكلف حال نومه، لكنه ملزم بالقضاء فور الاستيقاظ، كما يؤكده قول النبي ﷺ:
«فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا».
الفقهاء يُجمعون: قضاء الجمعة ظهرًا لا جمعة
دار الإفتاء المصرية فصلت القول في كيفية قضاء الجمعة لمن فاتته، موضحة أن من لم يُدركها وجب عليه أداء صلاة الظهر أربع ركعات، وليس قضاء الجمعة نفسها، لأن الجمعة لا تقضى بذاتها بل ببدلها المشروع وهو الظهر، وذلك لاختلاف الشروط التي تجعل الجمعة صحيحة، مثل الخطبة والجماعة والإمام.
وقد نقلت الدار عن الإمام ابن المنذر في كتابه الأوسط تأكيده على هذا المعنى بعبارة جامعة:
“أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من فاتته الجمعة أن يصلي أربعًا”.
أما الإمام ابن الملقن فقال في عجالة المحتاج:
“ولا تُقضى إذا فاتت جمعة، بل ظهرًا إجماعًا”.
واستطرد ابن قدامة في كتابه المغني:
“الجمعة لا يمكن قضاؤها؛ لأنها لا تصح إلا بشروطها، ولا يوجد ذلك في قضائها، فتعيَّن المصير إلى الظهر”.
لا إثم على النائم.. ولكن التهاون يوجب الحساب
في ردها على الاستفسارات المتعلقة بالنائم الذي لم يدرك صلاة الجمعة، أوضحت دار الإفتاء أن النائم لا يُعد آثمًا شرعًا إذا لم يكن تفريط منه أو تهاون متعمد، بل يُطالب فقط بالقضاء دون إثم.
وقد بين ذلك العلامة الشوكاني في كتابه نيل الأوطار، مؤكدًا أن النائم لا يُكلف حال نومه، وهذا ما عليه إجماع العلماء.
وأضاف الملّا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرحًا دقيقًا لمفهوم “التفريط” في النوم، فقال:
“ليس في النوم تفريط؛ أي تقصير ينسب إلى النائم في تأخيره الصلاة، إنما التفريط في اليقظة.
لكن دار الإفتاء نبهت أن من يتسبب في نومه عن عمد كسهرٍ بلا فائدة، أو إهمال في الاستعداد لصلاة الجمعة فإنه آثم ومقصّر، ويؤثم شرعًا، لأن التفريط في تلك الحالة ليس من باب الغفلة وإنما من باب التقصير.
نصائح عملية من الإفتاء: لا تفرط في الجمعة
في ختام بيانها، وجهت دار الإفتاء مجموعة من النصائح العملية التي تعين المسلم على أداء صلاة الجمعة في وقتها وعدم تفويتها، وأبرزها:
النوم مبكرًا ليلة الجمعة للتمكن من الاستيقاظ نشيطًا.
الابتعاد عن السهر غير الضروري أو الملهيات الإلكترونية التي تستهلك الوقت.
الاستعانة بالوسائل الحديثة لضبط مواعيد الاستيقاظ، كضبط منبه الهاتف المحمول.
الاتفاق مع أحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء لإيقاظه عند الحاجة.
وأوضحت أن الحرص على صلاة الجمعة لا ينبغي أن يكون مجرد التزام شكلي، بل هو فرض شرعي عظيم فيه من الأجر والفضل ما لا يُحصى، كما قال رسول الله ﷺ:
«مَن غَسَّل واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغُ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها».
خلاصة الفتوى: الجمعة عبادة لا تحتمل الإهمال
تؤكد دار الإفتاء المصرية من جديد أن صلاة الجمعة من أعظم الشعائر الإسلامية التي لا يجوز للمسلم التهاون في أدائها، وأن من فاتته فعليه أن يؤديها ظهرًا بالإجماع، سواء كان الغياب بعذر أو بغير عذر، مع التأكيد على أن النائم لا يؤثم إلا إذا كان تقصيره واضحًا.