الرئيسيةعرب-وعالم

خبير اقتصاد سياسي لليوم: آسيان فاعل قوى في النظام العالمي

الألفي: أسيان 2025 تعكس تحولا إستراتيجيا يغير مجرى الأحداث الدولية

حوار: مروة محي الدين

آسيان- 2025… كانت القمة (46)  لرابطة دول جنوب شرق أسيا، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، برئاسة رئيس الوزراء الماليزي “أنور إبراهيم”، في وقت تفاقمت فيه الأزمات العالمية على المستويين الاقتصادي والسياسي، ما دفع المراقبين لعقد آمال كبيرة على القمة في حلحلة الأوضاع المعقدة للقضايا الخلافية المطروحة على طاولة المفاوضات فيها.

ومن هنا نفتح الحديث في الجزء الثاني من ملف القمة، مع الدكتور “محمد الألفي”- خبير الإقتصاد السياسي- في حوار مفتوح لموقع اليوم، نتناول فيه محاور سيناريوهاتها المستقبلية، وثقلها السياسي على ساحة النظام العالمي.

  • النظام العالمي الجديد

في البداية تحدث “الألفي” عن موقع قمة آسيان في الصراع على نظام عالمي جديد، حيث رأى: أن “اجتماع القمة يعكس تحولاً جيوسياسياً أوسع، يتضح في عدة مناحي: أ) السعي الصيني الروسي لتقويض الهيمنة الغربية، عبر تعزيز التكامل الاقتصادي-العسكري، واستخدام آسيان منصة لخلق تحالفات مضادة للغرب؛ ب) محاولة الولايات المتحدة الحفاظ على النفوذ عبر احتواء الصين في أسيا، وعزل روسيا اقتصاديا، لكنها قد تضطر لقبول دور موسكو كشريك في تسوية الأزمات”.

لكنه حذر من أن “مخاطر الانهيار المهددة للتسويات المطروحة في القمة أكبر من فرص التعاون حاليًا، لاسيما في ظل تقارب محور الرعب: الصين- روسيا- إيران- كوريا الشمالية، ما يهدد بسباق تسلح ونزاعات إقليمية متعددة”.

وعند هذه النقطة كان التساؤل: كيف يمكن تلافي ذلك الانهيار؟

أجاب خبير الاقتصاد السياسي: “عبر تثبيت جسور الثقة من خلال آليات دبلوماسية متعددة الأطراف، فذلك الخيار الأفضل للأمن العالمي”، محذرا من “أن غياب الإرادة السياسية في واشنطن وموسكو وبكين قد يدفع العالم نحو انقسام خطير، يذكر بفترات الحرب الباردة، مع تداعيات كارثية على الاقتصاد والأمن الدوليين”.

  • فاعل جيوسياسي

مع التحرك الدولي للقوى العظمى للمشاركة بفاعلية في اجتماع أسيان، والرهان على وجودها العالمي في تحالفاته ومفاوضاته، يبرز الدور الفاعل للرابطة على خارطة الطريق العالمية، وفي هذا يرى “الألفي”: أن “آسيان أمام مفترق طرق تاريخي، حيث تتحول من منصة للتنسيق الإقليمي إلى فاعل جيوسياسي في نظام عالمي متعدد الأقطاب، عبر: 

أ) الابتكار المؤسسي: كما ظهر في القمة الثلاثية غير المسبوقة مع الخليج والصين؛ 

ب) الدفاع عن التعددية: حيث ترفض الأحادية القطبية عبر مواقف واضحة من القضية الفلسطينية وأزمة ميانمار؛ 

وتقف أمامها عدد من التحديات البنيوية: المتمثلة في الانقسامات الداخلية، الضغوط الخارجية، وتفاوت القدرات بين أعضائها”.

  • أسيان والعالم العربي

أسيان… الفاعل الجيوسياسي على الصعيد العالمي، لابد أن تكون على بصمة في العالم العربي، باعتباره منطقة المصالح الاقتصادية، كما أنه منطقة تماس مع الصرعات المرتبطة بالتسلح النووي.

ومن هنا فتحنا مع “الألفي” مسألة العلاقات بين أسيان والعالم العربي، فقال عنها: “ثمة روابط متنامية بين أسيان والعالم العربي، وذلك على الرغم من عدم استغلال الإمكانيات المتاحة للتبادل الاقتصادي بشكل كامل، حيث حجم التجارة محدود، فلا تتجاوز الواردات الخليجية من آسيان في الفترة من 2016-2020 نسبة 6% من إجمالي وارداتها، تشكل الإلكترونيات 28% منها، وتليها الآلات بنسبة 12%، وعلى الرغم من أن الاستثمارات الخليجية في نفس الفترة في دول الرابطة بلغت 13.4 مليار دولار، لا يتناسب ذلك مع حجم الصناديق السيادية الخليجية التي تتجاوز تريليونات الدولاراتمع حجم الصناديق السيادية الخليجية التي تتجاوز تريليونات الدولارات”.

وأضاف: “كذلك التعاون مفتوح في مجال الطاقة: إذ تمثل آسيان محوراً لمستقبل الطاقة العالمي، ومن المتوقع أن تستحوذ على 70% من النمو العالمي في الطلب بحلول 2050، لذا تؤكد منظمة “أوبك” على ضرورة استثمار 640 مليار دولار سنوياً لسد هذه الاحتياجات”.

كما نوه “الألفي” إلى أن التعاون في الأطر المؤسسية يتطور ببطء، حيث ظل تطبيق مذكرة التفاهم  بين أسيان ومجلس التعاون الخليجي 2009 محدوداً، ثم تم تطوير إطار تعاون 2024-2028 بهدف تحويل الشراكة إلى برامج عملية في مجالات الأمن الغذائي والطاقة، وعقدت القمة الأولى بينهما في الرياض في أكتوبر 2023.

وأشار في حديثه إلى أن: “العلاقات العربية مع أسيا الوسطى المجاورة لآسيان خفيفة الوزن، بسبب تشابه الاقتصادات النفطية الذي حد من التكامل، وافتقار الدبلوماسية العربية لرؤية استراتيجية تجاه آسيا، والموقف من القضية الفلسطينية، حيث تدعم دول آسيان- لاسيما إندونيسيا وماليزيا- فلسطين، وهو ما ثمنته المملكة العربية السعودية في اجتماعات كوالالمبور”.

وفي مجمل الأمر رأي خبير الاقتصاد السياسي في آسيان نموذجًا يحتذى به، بالنسبة للعالم العربي، حيث نجحت الرابطة الآسيوية في عمل منطقة تجارة حرة (AFTA) منذ 1992، بينما تعثرت الجهود العربية في عمل سوق روية مشتركة؛ واستطاعت الرابطة أن تتوازن علاقاتها بين الصين والولايات المتحدة، في حين غزت الانقسامات في تحالفات المنطقة العربية؛ وبينما تعاني الجامعة العربية من ضعف آلياتها التنفيذية، تمكنت آسيان من جعل ميثاقها عام 2008 مؤسس للتعاون.

ومن هذا المنطلق، كان التساؤل: كيف تستفيد الدول العربية من التعاون مع آسيان؟

فأجاب: “تستفيد دول الخليج عبر التكامل الإقليمي مع الرابطة والصين، بحيث يوفر الخليج الطاقة، وتوفر آسيان التكنولوجيا، بينما تقدم الصين التصنيع والأسواق، وكانت ماليزيا قد دعت في القمة لتعميق ذلك التعاون، مع الحفاظ على تجنب الانزلاق نحو الاستقطاب الغربي-الصيني”.

وحث الدول العربية على “تعزيز الشراكة الخليجية-الآسيانية، عبر إنشاء صندوق استثماري مشترك لتمويل مشاريع البنية التحتية في دول الرابطة، وتبني اتفاقية تجارة حرة بدلاً من الاقتصار على مذكرات التفاهم؛ وكذلك الاستفادة من النموذج النووي الإندونيسي، في تطوير برامج عربية للطاقة النووية السلمية تحت إشراف الوكالة الدولية، ودعم إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط؛ وأخيرا تأتي مواجهة الاستقطاب الدولي، عبر تبني سياسة الحياد الإيجابي على غرار آسيان، والاستفادة من التنافس الاقتصادي بين القوى الكبرى، وتفعيل منصات الحوار العربي-الآسيوي في القضايا المشتركة مثل: فلسطين والأمن الغذائي”.

  • مستقبل أسيان

الأهمية التي تحوزها رابطة دول جنوب شرق أسيا اليوم على الساحة الدولية، تشير لمستقبل واعد، وهو الجانب الذي تحدثنا فيه مع “الألفي”، فسألنا عن رؤيته لذلك المستقبل في ظل النظام العالمي الجديد، فقال: “الآفاق المستقبلية للرابطة تحمل 4 سيناريوهات، أولها: أن تتحول آسيان إلى قطب اقتصادي، عبر تحقيق نمو اقتصادي من 4_ 6% حتى عام 2030، عبر الاستثمار في الرقمنة والطاقة الخضراء، لكن هذا الطموح يهدده خطر التبعية للديون الصينية في مشاريع البنية التحتية كما في لاوس؛

وثاني تلك السيناريوهات هو خلق توازن بين القوى العظمى، عبر تبني نموذج الحياد الإيجابي، على غرار ما دعا إليه الرئيس الفرنسي ماكرون في حوار شانغريلا، وتهدد ذلك مخاطر الانقسام بين دول موالية للصين مثل :كمبوديا، وأخرى قريبة من الغرب الفلبين؛ أما السيناريو الثالث فهو التكامل العسكري المحدود، عبر تطوير قوة ردع بحرية مشتركة لحماية الممرات المائية، ويعوق هذا السيناريو تفاوت القدرات بين جيوش الدول الأعضاء؛ ورابعا يأتي سيناريو ريادة حوكمة التكنولوجيا، عبر وضع معايير أخلاقية للذكاء الاصطناعي والبيانات، والعقبة أمامه هي المنافسة مع الاتحاد الأوروبي في هذا المجال”.

رؤية الخبير الاقتصادي لواقع آسيان ومستقبلها، يؤكد قوة تلك الرابطة وأثرها الفاعل على خارطة السياسات الدولية، بما يؤكد أن بصمتها سترى قريبا على الساحتين الاقتصادية والسياسية، لتفرض نفسها فاعلا يحول مجريات الأحداث.

إقرأ أيضا: أسيان… منصة إقليمية لحوار دولي يتجاوز الخلافات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights