من الهجوم إلى الحوار ثم قصف السويداء.. كيف تغير موقف إسرائيل من سوريا؟
إسرائيل تقصف وتفاوض في آنٍ واحد.. ماذا يحدث بين تل أبيب ودمشق؟

تقرير: سمر صفي الدين
مع تصاعد الاشتباكات الدامية في مدينة السويداء بين فصائل درزية محلية وعشائر بدوية، أعلنت إسرائيل تنفيذ ضربات جوية على مواقع للجيش السوري، بدعوى حماية الطائفة الدرزية، و”منع خرق سياسة نزع السلاح”.
جاء ذلك تزامنًا مع بيان حاد من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، يتضمن تحذيرًا واضحًا للنظام السوري بعدم “إيذاء الدروز”، وتأكيدًا على “الروابط الأخوية” مع أبناء الطائفة في سوريا.
لكن هذه الضربة لا يمكن فصلها عن تقرير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الصادر مؤخرًا، والذي يكشف عن تحول جوهري في سياسة إسرائيل تجاه دمشق منذ صعود الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في ديسمبر 2024، بعد الإطاحة ببشار الأسد.
ثلاث مراحل من التبدل الإسرائيلي
يحدد التقرير ثلاث مراحل في العلاقة الإسرائيلية مع النظام السوري الجديد:
- المرحلة الأولى (ديسمبر – مارس): سياسة هجومية مكثفة، استهداف للقدرات العسكرية السورية، قصف على تخوم دمشق، واتهامات رسمية للشرع بأنه “إرهابي جهادي”.
ففي يناير 2025، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن “سوريا تحكمها الآن مجموعة إرهابية انتقلت من إدلب إلى دمشق”، أما وزير الدفاع كاتس فوصف الشرع بأنه “من مدرسة القاعدة”.
آنذاك، كثفت إسرائيل ضرباتها الجوية، ودعمت الأقليات السورية، خصوصًا الدروز، وحاولت فرض واقع أمني جديد جنوب سوريا.
- المرحلة الثانية (أبريل – مايو): تراجع في وتيرة الضربات، وبدء وساطات عبر الإمارات وأذربيجان لتفادي التصادم مع تركيا، مع انخفاض حدة التصريحات الرسمية ضد الشرع.
- المرحلة الثالثة (من مايو وحتى الآن): حوار مباشر غير مسبوق بين إسرائيل والنظام السوري، بوساطة أمريكية وخليجية، مع حديث علني عن احتمال انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام، خصوصًا بعد زيارة ترامب إلى الرياض.
وقد أعلن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أن “إسرائيل تجري محادثات مباشرة مع النظام السوري، تشمل تنسيقات سياسية وأمنية”، في تطور لم يكن ليتصور قبل أشهر قليلة.
السويداء.. عقدة داخلية تربك المسار التطبيعي
الاشتباكات في السويداء، ومعها تدخل الجيش السوري ورفض شعبي درزي ملحوظ، مثلت اختبارًا حقيقيًا لمعادلة “التطبيع الأمني” الناشئة بين إسرائيل وسوريا.
ففي وقت تروج فيه دمشق لفكرة “اتفاق عدم اعتداء”، تبدو تل أبيب غير قادرة على تجاهل الاضطرابات الطائفية القريبة من حدودها، لا سيما حين تمس الدروز، الذين يشكلون مكونًا أساسيًا في النسيج العسكري والسياسي داخل إسرائيل.
ضربة السويداء ليست فقط لحماية الدروز، بل تحمل رسالة مزدوجة:
- داخليًا: لطمأنة الطائفة الدرزية داخل إسرائيل.
- خارجيًا: تحذير للنظام السوري بألا يفرط في استخدام القوة تجاه مكون اجتماعي له امتدادات إسرائيلية، حتى وهو على وشك الشراكة السياسية مع تل أبيب.
من “العدو الجهادي” إلى “الشريك المحتمل“
تحول إسرائيل من مهاجمة النظام الجديد إلى التحاور معه لم يكن نتيجة تغير داخلي فحسب، بل بفعل معطيات دولية، أبرزها:
- زيارة ترامب إلى الرياض، ولقاؤه بالشرع، وتشجيعه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام.
- احتضان واشنطن لحكومة الشرع، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، وهو ما جعل تل أبيب تتريث في هجماتها وتتجه نحو التفاهم.
لكن تحول إسرائيل هذا لم يكن دون حسابات، إذ يرى التقرير أن استمرار النهج الهجومي غذى المعارضة السورية، وقلل من شرعية الشرع، ورفع احتمالات المواجهة، وهو ما أرادت تل أبيب تفاديه.
هل تهدد السويداء المسار التطبيعي؟
بحسب تقرير INSS، فإن النظام السوري الجديد – رغم محاولاته البراغماتية – ما زال هشًا، يفتقر إلى السيطرة الكاملة والشرعية الكافية، ويواجه معارضة داخلية متنامية بسبب ما ينظر إليه على أنه “تساهل مع إسرائيل”.
إن الاحتجاجات الدرزية الأخيرة، وتراجع الشيخ حكمت الهجري عن بيانه الأول، واتهامه النظام بـ”نكث العهود”، تظهر هشاشة الوضع الأمني والسياسي.
وتكشف الصعوبة التي يواجهها الشرع في إقناع الداخل السوري بأن مسار الحوار مع إسرائيل لا يأتي على حساب السيادة الوطنية أو العدالة الاجتماعية.
إسرائيل بين الفرصة والمخاطرة
ترى الدراسة أن إسرائيل تقف اليوم أمام معادلة دقيقة:
- الفرصة: تسوية مع دمشق قد تبعد إيران، وتمنح إسرائيل جبهة شمالية آمنة، وتعيد تأهيلها إقليميًا بعد تراجع صورتها إثر حرب غزة.
- المخاطر: احتمال انهيار النظام الجديد، أو اغتيال الشرع، أو دخول سوريا في موجة فوضى جديدة ستهدد حدود إسرائيل أكثر من أي وقت مضى.
لذلك، تميل إسرائيل – بحسب التحليل – إلى تسوية أمنية مرحلية ضيقة النطاق، تتجنب فيها الحديث عن الجولان، وتركز على التنسيق الأمني وتحييد النفوذ الإيراني.
ويرجح أن تبقى المسائل الأكثر حساسية، مثل ترسيم الحدود أو التطبيع الكامل، مؤجلة حتى “نضج الظروف”.