الرئيسيةتقارير-و-تحقيقاتعرب-وعالم

الفتنة الكبرى في جبل العرب.. انشطار سوري أم خطة إسرائيلية لإعادة رسم الخرائط؟

ماذا يُراد للسويداء؟

تقرير: سمر صفي الدين

تشهد محافظة السويداء جنوبي سوريا تصعيدًا غير مسبوق، مع تجدد الاشتباكات بين مقاتلين بدو ودروز، وسط انسحاب رسمي جزئي للقوات الحكومية، واستعداد وزارة الداخلية لإعادة الانتشار.

وفي الوقت ذاته، برزت تحذيرات دينية وزعامات محلية من الانجرار إلى صراع أهلي واسع، بينما تبدي إسرائيل صمتًا لافتًا.

وفي هذا السياق، قدم الكاتب الصحفي السوري عمار جلو تحليلاً شاملًا للوضع، رأى فيه أن ما يجري “ليس مجرد اشتباكات محلية، بل تحول ميداني خطير يعكس أزمة في بنية الدولة نفسها وتفكك العقد الاجتماعي السوري”.

العشائر تتقدم… بدعم رسمي غير مباشر؟

يرى جلو أن تقدم العشائر في محيط السويداء لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة ما وصفه بـ”تنفير وتسهيل من جهات مسؤولة”، كرد فعل غير مباشر على ما اعتبره “إملاءات إسرائيلية بضرورة انسحاب القوات الحكومية من المحافظة”، في أعقاب اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد البدو.

ويضيف في تصريحات خاصة لموقع “اليوم”: “إنها محاولة من إدارة الشرع لمعالجة ملف الجنوب بطريقة متسرعة وخاطئة، تعيد إلى الأذهان تكتيكات هيمنة إمارات القرون الوسطى، حيث تضرب المجتمعات ببعضها من أجل إخضاعها للسلطة المركزية”.

ويحذر من أن هذه السياسة قد تفجر صراعًا أهليًا يصعب احتواؤه لاحقًا.

انسحاب ثم عودة.. هل تراجعت الدولة عن اتفاق السويداء؟

في ظل تأكيد مصادر وزارة الداخلية السورية أن القوات لم تدخل السويداء بعد، لكنها “بدأت تجهيز قواتها”، يطرح تساؤل مهم: هل هناك تراجع عن الاتفاق الأمني الذي جرى التوصل إليه برعاية روسية محلية، وقضى بانسحاب القوات الرسمية وتسليم الأمن لأبناء المحافظة؟

يجيب جلو بحذر: “لا يمكن الجزم حتى الآن. إذا جاءت القوات الجديدة من خارج أبناء السويداء، فذلك تراجع فعلي عن الاتفاق، وسيمثل تصعيدًا خطيرًا قد يوسع هوة الثقة بين الدولة والمجتمع المحلي”.

أما إذا كان الانتشار الجديد متسقًا مع بنود الاتفاق، فقد يشكل خطوة نحو التهدئة واحتواء الأزمة.

إسرائيل تراقب بصمت.. هل تؤيد شرذمة الجنوب؟

رغم توجيه اتهامات متكررة من الزعامات البدوية إلى “جماعة الهجري” الدرزية بارتكاب انتهاكات، ووقوع آلاف من أبناء العشائر “أسرى” كما جاء في تصريحات الشيخ راكان الخضير، فإن إسرائيل لم تبدِ أي رد فعل تجاه هجمات العشائر، بعكس مواقفها المعتادة من تحركات الجيش السوري.

يعلق جلو: “هذا الصمت الإسرائيلي ليس عبثًا. إسرائيل تحقق هدفًا استراتيجيًا قديمًا بتفتيت سوريا إلى كيانات، وهذه الاشتباكات تسرع من هذا المسار، إذ تقوض التعايش المجتمعي السوري، وتفتح الباب لتقسيم البلاد إلى كانتونات دينية وعرقية ومذهبية”.

ويرى أن السماح بسيطرة العشائر “الحليفة للشرع” على السويداء دون تدخل إسرائيلي حاسم “سيناريو ممكن، لكنه غير مستقر”، مشيرًا إلى أن هذا المشهد يخدم بالدرجة الأولى إسرائيل، لا دمشق ولا السويداء ولا البدو.

تصدع اجتماعي ومخاوف من الفيدرالية

مع تهجير أكثر من ألف عائلة من السويداء إلى محافظة درعا، وتشكيل لجنة طوارئ لمساعدتهم، تبدو ملامح “تفكك مناطقي” تلوح في الأفق، خاصة مع ظهور دعوات داخلية “لأن تتولى العشائر حماية نفسها” إذا لم تتدخل الدولة.

لكن جلو يرفض اعتبار ما يحدث مؤشرًا لفيدرالية واقعية، ويقول: “نحن لا نزال نعيش في ظلال نظام الأسد، الذي عمق الانغلاق الطائفي، لكن لم تتخل المجتمعات السورية عن نصرة بعضها. الحل يبدأ من إعلان سياسي جديد، يقوم على حوار وطني صادق، ودستور يؤسس لدولة لا لسلطة”.

ويرى أن الدولة مطالبة بالعودة إلى ما أسماه “المربع الأول بعد سقوط النظام”، أي إعادة تعريف مفهوم الدولة السورية لا باعتبارها مجرد أجهزة أمن، بل ككيان سياسي ومجتمعي يعيد لُحمة البلاد.

إلى أين تتجه حكومة الشرع؟ إيران أم واشنطن؟

أحد السيناريوهات المطروحة إذا تصاعد التصعيد الإسرائيلي، هو لجوء حكومة الشرع إلى دعم فصائل غير نظامية في الجنوب على طريقة “حروب العصابات”. لكن جلو يستبعد ذلك حاليًا، قائلًا: “في ظل الانفتاح الأمريكي على حكومة الشرع، من المستبعد أن تلجأ هذه الحكومة لخيار المقاومة المسلحة أو دعم مجموعات عسكرية لمواجهة إسرائيل”.

ومع ذلك، لا يستبعد جلو أن يشكل هذا الوضع “نافذة لعودة إيران إلى سوريا”، من خلال دعم جماعات مسلحة تعمل خارج سيطرة الدولة. وهو ما قد يعيد إنتاج سيناريوهات الفوضى التي عاشتها البلاد خلال العقد الماضي، ويهدد وحدة القرار المركزي.

الزعامات الدرزية والنداءات الأخيرة

بالتوازي مع هذه التطورات، توالت التصريحات من شخصيات درزية بارزة في لبنان، مثل وليد جنبلاط وشيخ عقل الطائفة سامي أبي المنى، حيث دعوا لوقف إطلاق النار، وتشكيل لجنة تحقيق، ورفضوا أي حديث عن الحماية الإسرائيلية أو نزعات انفصالية.

جنبلاط قال بوضوح: “نفتقد وجود الرجالات الكبار في السويداء. البدو جزء لا يتجزأ من جبل العرب، ويجب العودة إلى صوت العقل والحوار”. أما أبي المنى فرفض “الدعوات الصاخبة للنفير العام”، واعتبر أن “القلق لا يحل إلا بعدالة الأغلبية”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights