تقارير-و-تحقيقات

الفتوى تحسم الجدل حول عمل الرجل في كوافير نسائي

تقرير: مصطفى علي

أشعلت واقعة اعتزال أحد مصففي الشعر الرجال لمهنته موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما صرّح بأنه ترك المهنة بعد أن علم أنها “حرام شرعًا”، وأن الأموال التي جناها منها “غير حلال” هذه الخطوة المفاجئة ألقت الضوء على قضية فقهية شائكة تشغل الرأي العام بين الحين والآخر: ما هو حكم الشرع في عمل الرجل في “كوافير حريمي”؟ وهل المال المكتسب من هذا العمل يُعد مالًا محرمًا؟ وهل يؤثر هذا على حياته الاجتماعية، مثل الزواج أو قبول شهادته؟

في هذا التقرير، نستعرض آراء كبار العلماء والمؤسسات الدينية الرسمية، ونُسلط الضوء على الجوانب الشرعية والفقهية والواقعية المرتبطة بهذه المسألة الحساسة، والتي ترتبط بحياة الكثيرين من العاملين في هذا المجال.

دار الإفتاء: الأصل أن تعمل النساء في مراكز التجميل الخاصة بهن

أكد الشيخ عبد الله العجمي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الأصل في العمل بمهنة تزيين النساء أن يكون من اختصاص النساء فقط.
وأوضح أن عمل الرجل في كوافير نسائي لا يجوز شرعًا، لأنه يدخل في إطار العلاقة بين رجل وامرأة أجنبية، في سياق غير ضروري لها، كأن يكون طبيبًا يعالجها، أو معلمًا يعلمها، أو قاضيًا ينظر في أمرها.

وأضاف العجمي:

“تزيين المرأة ليس ضرورة من الضرورات التي تبيح للرجل أن يباشر جسد امرأة أجنبية أو أن يرى ما لا يجوز له أن يراه وبالتالي فإن هذا العمل محرّم على الرجال من حيث الأصل، والأموال التي تُكتسب من هذا العمل تُعد من المال غير الحلال”.

وعن تأثير هذا الحكم على الوضع الاجتماعي لمن يعمل بهذه المهنة، قال العجمي:

“الزواج من رجل يعمل في هذا المجال لا حرج فيه، ولا يؤثر على صحة عقد الزواج، فالزواج منه صحيح شرعًا، رغم أن عمله نفسه غير جائز”.

الدكتور علي جمعة: “تحريم قاطع” لتزيين النساء على يد الرجال

من جهته، أفتى الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، بتحريم قاطع لعمل الرجال في مهنة تزيين النساء وصرّح بأن هذا العمل يدخل في باب المحرمات لأنه ينطوي على تماس مباشر مع النساء الأجنبيات، والتعامل معهن في مواضع جسدية تتعلق بالزينة والتجميل، وهو أمر يتنافى مع الضوابط الشرعية للعلاقة بين الرجل والمرأة.

وقال جمعة:

“هذا العمل غير جائز شرعًا للرجل، لأنه يعرّضه إلى رؤية ما لا يجوز، والقيام بأفعال لا يحق له أن يؤديها مع امرأة ليست من محارمه، في سياق لا ضرورة فيه ولا اضطرار”.

وفي المقابل، أباح الدكتور جمعة عمل المرأة في مجال تزيين السيدات، بل اعتبره “حلالًا”، ما دام يتم ضمن الضوابط الشرعية، وخصوصًا إذا كان الهدف من الزينة هو التجمل للزوج. لكنه أضاف قيدًا مهمًا بقوله:

“إن كان هناك تبرج متعمد من المرأة التي تتزيّن، فالإثم يقع عليها وحدها، وليس على من قامت بتزيينها”.

قاعدة فقهية: “العبرة بالقصد والاستعمال”.. والوزر على من يستعمل الحلال في الحرام

لفت الدكتور علي جمعة إلى قاعدة فقهية شهيرة تنطبق على هذه الحالة، وهي: “العبرة في الحكم على الفعل بالقصد والاستعمال”، موضحًا أن بعض الأشياء في ذاتها ليست محرمة، لكن طريقة استعمالها قد تؤدي إلى الحرام، فيكون الإثم على من استخدمها في غير موضعها.

وضرب مثالًا بقوله:

“العنب في حد ذاته حلال، ولكن إن اشتراه أحد لصناعة الخمر، فالإثم عليه وحده، وليس على البائع وكذلك في حالة تزيين المرأة، فإن من تتجمل لزوجها لا حرج عليها، أما من تتزين للتبرج أو إثارة الفتنة، فالإثم يقع عليها وحدها، لا على من قامت بتزيينها”.

أبعاد اجتماعية للمسألة: بين الرزق والحلال والضغوط المجتمعية

تفتح هذه الفتاوى بابًا كبيرًا للنقاش حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعاملين الرجال في مراكز التجميل النسائية فالبعض يعتبر أن هذه المهنة – رغم حساسية طبيعتها – أصبحت مصدرًا للرزق لعشرات الآلاف من الرجال، خاصة في المدن الكبرى والمناطق السياحية، حيث تزداد المنافسة في قطاع التجميل، وتُقبل كثير من السيدات على حجز جلسات لدى “مصففين رجال” بحثًا عن المهارة والخبرة.

إلا أن الفتوى الشرعية الصادرة عن دار الإفتاء ومؤسسة الأزهر تحسم الأمر من منظور ديني، دون الالتفات إلى الجدل المجتمعي أو الرواج التجاري، حيث إن الضابط الأساس هو “الشرع لا الهوى”.

موقف الفقهاء قديمًا: إجماع على المنع.. وتحذير من “الفتنة”

لا يخرج الرأي الشرعي الحديث عن رأي جمهور العلماء والفقهاء قديمًا، فقد أفتى فقهاء المذاهب الأربعة بعدم جواز أن يباشر الرجل ما يتعلق بزينة المرأة الأجنبية، لما في ذلك من كشف العورات، وخلوة محرمة، واحتمال وقوع الفتنة، وهي كلها أبواب محرّمة شرعًا.

وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي، وغيره من علماء الشافعية، ورد التحذير من هذه المهن التي قد تقود إلى أبواب الفساد، حتى لو تذرّع العاملون فيها بأنهم “محترفون” أو “محصنون”، لأن الفتنة بحسب تعبيرهم “إذا وُجد سببها وتهيأت ظروفها، لا يُؤمن وقوعها”.

أصوات مجتمعية بين مؤيد ومعارض.. والمهنة على مفترق طرق

ردود الأفعال المجتمعية تباينت ما بين من يرى أن الفتوى في محلها الشرعي تمامًا، وأن عمل الرجال في صالونات التجميل النسائية يتعارض مع الحياء والدين، ومن يرى أن هناك رجالًا يعملون في هذا المجال بكفاءة واحترام، وأن “النية والضوابط” هي ما تحدد مشروعية العمل لا الجنس.

لكن اللافت هو أن هذه الفتاوى قد تفتح الباب أمام مطالبات بتنظيم عمل صالونات التجميل وفق ضوابط شرعية وقانونية أكثر صرامة، تمنع اختلاط الرجال بالنساء في هذا المجال، وتُشجع على تدريب النساء لتغطية احتياجات السوق، حفاظًا على القيم الدينية والاجتماعية معًا.

الخلاصة: العمل محرم.. والرزق من الحرام لا يُبارَك

في ختام هذا التقرير، يتضح أن المسألة محسومة شرعيًا وفق رأي مؤسسات الفتوى الرسمية في مصر. فالعمل في “كوافير حريمي” محرّم على الرجال، لأنه يتعارض مع مقاصد الشريعة في صيانة الحرمات ومنع الفتن أما المال المكتسب منه، فهو مال غير حلال، ولا يجوز الاستمرار فيه لمن تيقّن من الحكم الشرعي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights