تقارير-و-تحقيقات

الأزهر ووزارة الأوقاف يستحضران مسيرة قارئ وهب حياته للقرآن.. الشيخ محمود علي البنا

 

تقرير:مصطفى على

 

في مشهد مهيب من الوفاء، واستدعاء لروح أحد أعلام فن التلاوة في العصر الحديث، أحيا مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ووزارة الأوقاف المصرية الذكرى الأربعين لوفاة القارئ العالمي الشيخ محمود علي البنا، الذي وافته المنية في مثل هذا اليوم، 20 يوليو من عام 1985م، عن عمر ناهز 59 عامًا، تاركًا إرثًا قرآنيًّا خالدًا ما تزال الأمة تتفيأ ظلاله وتنهل من جماله وخشوعه.

الأزهر يُشيد بعذوبة الأداء ويسترجع مدرسة البنا في التلاوة

في بيان نشرته الصفحة الرسمية لـمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، قال المركز:

“في مثل هذا اليوم من عام 1985م، رحل عن عالمنا فضيلة القارئ الشيخ محمود علي البنا، أحد أعلام فن تلاوة القرآن الكريم، وأحد أشهر رواده الأفذاذ في مصر والعالم، الذي عُرفت تلاواته بالعذوبة والخشوع.”

وأكد البيان أن الشيخ البنا لم يكن مجرد قارئ، بل كان مدرسة قائمة بذاتها في فن التلاوة، يمتاز بأداء متفرّد وصوت رخيم يشق القلوب برهافة المقامات وصدق التوصيل، مضيفًا أن الشيخ ترك ثروة عظيمة من تسجيلات المصحف الشريف، كانت وما زالت مصدر إلهام للقراء والدارسين والباحثين في علوم الأداء القرآني.

وأشار المركز إلى الدور المؤسسي للشيخ البنا في دعم الكيان النقابي لقراء القرآن، إذ ساهم بقوة في إنشاء نقابة قراء القرآن الكريم بمصر، وتم تعيينه نائبًا للنقيب عام 1984م، في إشارة إلى سعيه الدؤوب لخدمة أهل القرآن وتنظيم شؤونهم.

واختتم الأزهر بيانه بالدعاء للشيخ بالرحمة والمغفرة، قائلًا:

“رحم اللهُ الشيخ البنا، وغفر له ولسامعيه ومُحبيه في كل زمان ومكان، اللهم آمين.”

وزارة الأوقاف: البنا.. أحد سفراء القرآن في الداخل والخارج

من جانبها، أصدرت وزارة الأوقاف المصرية بيانًا مماثلًا، نشَرته عبر صفحتها الرسمية، لإحياء ذكرى وفاة القارئ الكبير، وأكدت خلاله على أن الشيخ محمود علي البنا كان مثالًا في الخشوع والانضباط والإخلاص في خدمة كتاب الله عز وجل.

وقالت الوزارة:

“في مثل هذا اليوم من عام 1985م، فقدت الأمة الإسلامية أحد أصواتها النادرة، الذين وهبهم الله عذوبة في التلاوة وقوة في التأثير، حيث كانت تلاوات الشيخ البنا مدرسة روحية متكاملة، تُبكي القلوب، وتبعث الخشوع في النفوس.”

وأضاف البيان أن الشيخ البنا التحق بـالإذاعة المصرية عام 1948م، وهو في الـ22 من عمره فقط، ليكون بذلك من أصغر من تم اعتمادهم رسميًا من قِبل الإذاعة، وهو ما يؤكد عبقريته المبكرة وتميّزه الملفت منذ بداياته الأولى.

مشاركات عالمية وتاريخ مشرّف في ساحات القرآن

استعرضت وزارة الأوقاف، في بيانها، أبرز محطات المسيرة العالمية للشيخ محمود البنا، مشيرة إلى أنه كان أحد أبرز ممثلي مصر في المحافل القرآنية الدولية، حيث صدح صوته الخاشع في أرجاء العالم الإسلامي، فقد تلا في الحرمين الشريفين، والمسجد الأقصى، والمسجد الأموي، فضلًا عن العديد من المساجد الكبرى في أوروبا وآسيا.

كما شارك الشيخ البنا في إحياء ليالي رمضان في أعظم المساجد المصرية، وعلى رأسها الجامع الأحمدي بطنطا، ومسجد الإمام الحسين بالقاهرة، وكان وجوده في هذه الليالي القرآنية مناسبة ينتظرها المصلون بشغف لسماع صوت يأخذ القلوب إلى حيث السكينة والطمأنينة.

ولفت البيان إلى أن الشيخ الراحل لم يكن فقط قارئًا يتلو القرآن، بل كان سفيرًا لصوت مصر القرآني في العالم، ومثالًا نادرًا للتواضع والالتزام، والسعي إلى نشر رسالة القرآن الكريم بروح المحبة والاحترام.

قارئ العذوبة والخشوع.. مدرسة باقية في ذاكرة الأمة

يُجمع المتخصصون وعشاق التلاوة على أن الشيخ محمود علي البنا امتلك خامة صوت استثنائية وإحساسًا فطريًا عاليًا بمقامات القراءة، جعله قادرًا على نقل معاني القرآن بإيحاء وجداني مباشر، لا تملّ منه الآذان، ولا تَسْلَم أمامه القلوب من البكاء.

تميزت تلاواته، بحسب ما ذكرته وزارة الأوقاف، بـ”الخشوع، والأداء المتقن، والصدق في التعبير عن معاني الآيات”، وهي سمات نادرة اجتمعت في صوت واحد، وجعلت من البنا واحدًا من أعمدة التلاوة القرآنية في القرن العشرين.

إرث خالد وبصمة لا تُنسى

لا تزال تسجيلات الشيخ محمود البنا تمثل مرجعًا هامًا في علوم التلاوة والتجويد، إذ يُدرّس صوته في المعاهد القرآنية، وتُذاع تلاواته يوميًّا في الإذاعة والتلفزيون، وتتناقلها الأجيال بوصفها نماذج تُحتذى في صفاء الأداء وجمال الصوت.

وفي هذا السياق، قال أحد أساتذة علوم القرآن بالأزهر الشريف:

“ما قدّمه الشيخ البنا لا يمكن حصره فقط في كونه قارئًا، بل كان أيقونة صوتية لكتاب الله، يعيد تشكيل فهم السامع للقرآن من خلال إحساسه العميق بالمعنى، وطريقته المتفردة في التلوين الصوتي والتدرّج المقامي.”

البنا.. الإنسان قبل أن يكون القارئ

ورغم شهرته الواسعة واحتلاله مكانة متقدمة في ساحة قرّاء القرآن، فقد عُرف عن الشيخ محمود البنا تواضعه الجمّ وسمته الهادئ، وكان دائمًا ما يحثّ زملاءه وتلاميذه على الإخلاص في التلاوة والنية الصافية، واعتبر أن القرآن رسالة وليس مهنة.

وكان يقول:

“القرآن لا يُقرأ بالأوتار فقط، بل يُقرأ بالوجدان، وبالنية، وبالخشية من الله قبل كل شيء.”

ختام بالدعاء وذكرى لا تموت

واختتمت كل من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف منشوراتهما بالدعاء للشيخ البنا، سائلين الله أن يتغمّده بواسع رحمته، ويجعل قراءته نورًا له في قبره، وأن يجزيه خير الجزاء عمّا قدّمه من خدمة لكتاب الله تعالى.

“اللهم اجعل القرآن له شفيعًا، وارفعه به درجات، واسكنه فسيح جناتك، واجزه عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء.

في الذاكرة إلى الأبد

يبقى الشيخ محمود علي البنا رمزًا خالدًا للتلاوة الخاشعة والصوت السماوي، واسمه محفورًا في قلوب كل من تربّى على سماع آيات الله تتلى بصوته، كما يبقى أحد أبرز معالم القوة الناعمة الدينية لمصر، وصوتًا من ذهب، لا يزال يُنير دروب السالكين إلى الله.

رحم الله البنا.. القارئ الذي نذر حياته لكتاب الله، فرفع الله به الذكر، وجعل له في الدنيا والآخرة منزلة رفيعة بين أهله وخاصته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights