محافظات

تاريخ الصين والإستعراب الصيني.. ندوة بمكتبة الإسكندرية

كتبت: مروة نصر

قال يانغ يي قنصل عام الصين بالإسكندرية يسعدني كثيرًا أن أعود مرة أخرى إلى مكتبة الإسكندرية، وألتقي مع ممثلي الأوساط الأكاديمية والإعلامية المصرية المتميزين، وخاصة زملائي طلاب جامعة الإسكندرية وطلاب المتوسط. وبمناسبة هذا اللقاء، أود أولاً أن أتحدث عن حدث كبير في العلاقات الصينية المصرية مؤخرًا، وهو الزيارة الناجحة لرئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى مصر. وقد لاقت هذه الزيارة اهتمامًا كبيرًا من مختلف الأوساط المصرية، وأود أن أقدم لكم بإيجاز بعض المعلومات عنها:

واضاف يي خلال كلمته بندوة  تاريخ الصين والإستعراب الصيني بمعرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، قام رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ بزيارة رسمية إلى مصر خلال الفترة من 9 إلى 10 يوليو. وخلال الزيارة، عقد لي تشيانغ اجتماعات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس النواب حنفي جبالي، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي. وتوصل قادة الجانبين إلى سلسلة من التوافقات المهمة حول تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وتعزيز التعاون العملي، وتكثيف التبادلات الثقافية والإنسانية. كما شهد رئيسا الوزراء توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات التجارة الإلكترونية، والتنمية الخضراء منخفضة الكربون، والمساعدات الإنمائية، والتمويل، والصحة، وغيرها.

وأشار يي انه خلال زيارته في مصر، التقى لي تشيانغ أيضًا بالأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، حيث أجريا مناقشات متعمقة حول تعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الصين والدول العربية، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات. كانت هذه الزيارة نجاحًا باهرًا يعزز الصداقة ويحفز التعاون، حيث أضافت زخمًا جديدًا وقويًا لتطوير العلاقات الصينية المصرية والصينية العربية،

وأكد لي تشيانغ خلال الزيارة أن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع الجانب المصري، مستغلين الذكرى السبعين لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين العام المقبل، لتعزيز محتوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر، وتحقيق المزيد من النتائج في مختلف مجالات التعاون، والسعي نحو بناء مجتمع المستقبل المشترك الصيني المصري في العصر الجديد.

وشدد لي تشيانغ على أن الجانب الصيني يدعم مصر في لعب دور أكبر في الشؤون الدولية والإقليمية، وأن الصين على استعداد للتعاون الوثيق مع مصر في إطار تعددية الأطراف، وممارسة التعددية الحقيقية، والحفاظ على العولمة الاقتصادية والنظام الاقتصادي والتجاري الدولي، والدفاع عن المصالح المشتركة للدول النامية، وتعزيز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

وأعرب لي تشيانغ أيضًا عن أن الصين تنظر دائمًا إلى علاقاتها مع الدول العربية من منظور استراتيجي، وتدعم بقوة القضايا العادلة للدول العربية، وتؤيد تعزيز الاستقلال الاستراتيجي والتضامن الذاتي للدول العربية، وسعيها لاتباع مسارات تنموية تتناسب مع ظروفها الوطنية. وفي العام المقبل، ستعقد القمة العربية الصينية الثانية، وتتطلع الصين إلى العمل يدًا بيد مع الدول العربية لبناء مجتمع المستقبل المشترك العربي الصيني على مستوى أعلى.

ومن جانبهم، أشاد الجانب المصري والعربي بهذه الزيارة. فقد أعرب الرئيس السيسي عن أن الزيارة كانت ناجحة للغاية، وتطلع إلى رفع مستوى العلاقات الثنائية بمناسبة الذكرى السبعين للعلاقات الدبلوماسية المصرية الصينية في عام 2026. كما قال رئيس الوزراء مدبولي إن الزيارة كانت ذات أهمية كبيرة، وسوف تضخ زخمًا جديدًا في التعاون بين مصر والصين في مختلف المجالات. وأعرب الجانب العربي عن أن اللقاء بين الأمين العام أبو الغيط ورئيس مجلس الدولة لي تشيانغ كان ناجحًا ومثمرًا، ويعكس عمق ودفء الشراكة الاستراتيجية عالية المستوى بين الصين والدول العربية.  

وأكد يانغ يي انه يود أن يعرب عن تقديره وامتنانه العاليين لأصدقائنا الإعلاميين الذين قدموا تغطية إعلامية إيجابية مكثفة عن هذه الزيارة، وأطلقوا أصواتًا داعمة لتطوير العلاقات الصينية المصرية.

وأضاف يي انه تعتزم القنصلية العامة الصينية بالإسكندرية التعاون مع نقابة الصحفيين بالإسكندرية  لتنظيم فعالية بعنوان “التطلع إلى المستقبل معًا: الإعلام السكندري  يبني رواية جديدة لطريق الحرير” خلال شهري يوليو وأغسطس، وذلك لتغطية أعمق للعلاقات الودية والتعاونية بين الصين ومصر، ودعم الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين. ونشكر نقابة الصحفيين بالإسكندرية على دعمها، وسيتم الإعلان عن تفاصيل الفعالية لاحقًا.  

منظمة شانغهاي للتعاون: قوة دافعة جديدة للعلاقات الصينية المصرية.

شكلت منظمة شانغهاي للتعاون أحد الموضوعات الرئيسية لزيارة رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ. وأعرب لي تشيانغ عن استعداد الصين لتعزيز التنسيق مع مصر في منصة تعددية الأطراف مثل منظمة شانغهاي للتعاون، وممارسة التعددية الحقيقية، وتعزيز تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة والانتظام، والعولمة الاقتصادية المتسمة بالنفع للجميع والشمول. ومن جانبهم، أعرب القادة المصريون عن رغبتهم في تعزيز التعاون متعدد الأطراف مع الصين، والدفاع عن المصالح المشتركة، وتعزيز السلام والتنمية في العالم. وهذا يؤكد مرة أخرى الأهمية الاستراتيجية للعلاقات الصينية المصرية التي تتجاوز النطاق الثنائي.  

منظمة شانغهاي للتعاون: رؤية تنموية منفتحة وشاملة.

تأسست منظمة شانغهاي للتعاون رسميًا في 15 يونيو 2001 في شانغهاي، حيث أنشأتها ست دول أعضاء مؤسسة هي الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. وبعد 24 عامًا من التطور، توسعت المنظمة من ست دول أعضاء مؤسسة إلى “عائلة شانغهاي” التي تضم 10 دول أعضاء ودولتين مراقبتين و14 شريكًا للحوار.

تشمل الدول الأعضاء الدول الست المؤسسة بالإضافة إلى الهند وباكستان وإيران وبيلاروسيا. بينما الدولتان المراقبتان هما أفغانستان ومنغوليا. وشركاء الحوار هم أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وتركيا وسريلانكا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر والبحرين وجزر المالديف وميانمار والإمارات العربية المتحدة والكويت. 

وهذا يجعل منظمة شانغهاي للتعاون واحدة من أكبر المنظمات الإقليمية الشاملة في العالم من حيث عدد السكان والمساحة والإمكانيات. تغطي “عائلة شانغهاي” ثلاث قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، بإجمالي مساحة لأراضي الدول الأعضاء تزيد عن 36 مليون كيلومتر مربع، أي أكثر من 65% من مساحة قارة أوراسيا. ويبلغ عدد سكانها أكثر من 3.3 مليار نسمة، أي حوالي 42% من إجمالي سكان العالم. بينما يبلغ حجم اقتصادها أكثر من 25 تريليون دولار أمريكي، أي حوالي 25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وقبل أيام قليلة، تقدمت أرمينيا، وهي أحد شركاء الحوار، بطلب للانضمام كعضو كامل في منظمة شانغهاي للتعاون.

أما مصر، فقد أصبحت شريكًا للحوار في منظمة شانغهاي للتعاون خلال قمة سمرقند التي عقدت في سبتمبر 2022. وبصفتها شريكًا للحوار، يمكن لمصر المشاركة في مختلف أنشطة المنظمة، والتعاون في مجالات متعددة مثل الأمن والتجارة والتبادلات الإنسانية. وقد قال لي أحد الأصدقاء المصريين إن مصر قد تصبح في المستقبل عضوًا كاملاً في منظمة شانغهاي للتعاون، وأنا أتطلع إلى ذلك.

السعي نحو قيم العدالة والإنصاف**  

منذ تأسيسها، حددت منظمة شانغهاي للتعاون في ميثاقها “روح شانغهاي” المتمثلة في “الثقة المتبادلة، والمنفعة المتبادلة، والمساواة، والتشاور، واحترام الحضارات المتنوع، والسعي للتنمية المشتركة”. تدعو هذه الروح إلى الحوار بين الحضارات المختلفة، واحترام المصالح الجوهرية ومسارات التنمية التي تختارها الدول، ومراعاة مصالح ومطالب جميع الأطراف عند التعامل مع الشؤون الدولية، والتوصل إلى توافق في الآراء من خلال التشاور.

وتؤكد “روح شانغهاي” بوضوح على رفض سياسة التكلالانغلاقية والاستبعادية، وعدم السير في الطرق القديمة للمواجهة الأيديولوجية، ومعارضة الهيمنة والاستبداد، ورفض “قانون الغاب” المتمثل في تنمر الكبير والقوي على الصغير والضعيف.

وتحت إرشاد “روح شانغهاي”، اجتمعت دول مختلفة في النظم والحضارات ومراحل التنمية في “عائلة شانغهاي”، وحافظت دائمًا على التضامن والتعاون، وسعت لبناء مجتمع المستقبل المشتركة يتسم بالمساواة والتكافل والتضامن والمشاركة في الأمن. وقد نجحت في اتباع مسار للتعاون الإقليمي يتوافق مع متطلبات العصر والاحتياجات المتعددة، وأصبحت نموذجًا للعلاقات الدولية الجديدة، مما عزز بشكل مستمر تماسك وقوة وتأثير المنظمة.

وفي قمة أستانا التي عقدت العام الماضي، طرح الرئيس شي جين بينج مبادرة مهمة لبناء “خمسة ديار مشتركة” وهي: التضامن والثقة المتبادلة، والسلام والهدوء، والازدهار والتنمية، وحسن الجوار والصداقة، فضلا عن النزاهة والعدالة. وقد وسعت هذه المبادرة وأغنت المضمون المعاصر لـ”روح شانغهاي”، وحددت اتجاهًا واضحًا لتطور المنظمة في الظروف الجديدة.

نتائج ملموسة للتعاون المربح للجميع 

على مدى الـ24 عامًا منذ تأسيسها، حافظت منظمة شانغهاي للتعاون على زخم تنموي مستقر ومتزايد، وتوسعت مجالات تعاونها، مما جلب فوائد ملموسة لشعوب الدول الأعضاء، وأصبحت سندًا موثوقًا لـ”عائلة شانغهاي” في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتحقيق التنمية المشتركة.

لعب دور “مثبت الأمن الإقليمي”  

من خلال مجموعة كاملة من وثائق التعاون الأمني مثل “اتفاقية تعزيز الثقة في المجال العسكري في المناطق الحدودية”، أنشأت الدول الأعضاء آلية طويلة الأمد للسلام والاستقرار في المناطق الحدودية، مما ضمن التعايش السلمي بين دول المنطقة.

ومن خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والإجراءات المشتركة، تعاملت الدول الأعضاء بفعالية مع الإرهاب والانفصالية والتطرف، ووفرت بيئة آمنة ومستقرة للدول في المنطقة، حيث اختفت تقريبًا الأنشطة الإرهابية الكبرى.

هذه الممارسات والخبرات في تعزيز الأمن يمكن أن تساعد مصر في تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، ورفع قدراتها الأمنية الوطنية، وتلبية تطلعات الشعب المصري في حياة يسودها السلام والاستقرار.

لعب دور “مسرع التنمية الاقتصادية الإقليمية” 

في عام 2024، تجاوز إجمالي حجم التجارة الخارجية للدول الأعضاء في منظمة شانغهاي للتعاون 8 تريليونات دولار أمريكي، أي ما يعادل ربع إجمالي التجارة العالمية، بزيادة 100 ضعف مقارنة بـ800 مليار دولار عند التأسيس.

ووصل حجم التجارة بين الصين والدول الأعضاء والمراقبة وشركاء الحوار في المنظمة إلى 890 مليار دولار أمريكي، وهو رقم قياسي جديد، مما يعكس حيوية كبيرة للتعاون الاقتصادي والتجاري في المنطقة.

هذه الممارسات والخبرات في تعزيز التنمية يمكن أن تجلب لمصر فوائد اقتصادية وفرص تجارية كبيرة، وتساعد في عملية التحديث المصرية، وتلبي تطلعات الشعب المصري في حياة الرفاهية والسعادة.

لعب دور “محفز التواصل بين الشعوب”  

تمسكت “عائلة شانغهاي” ببناء جسور التواصل بين الشعوب، حيث وسعت الأطراف المختلفة قنوات التبادل على مستوى الحكومات المحلية والشباب والمرأة ومراكز الفكر والإعلام، مما أطلق العنان لحيوية التعاون الودي بين الدول، وقرب المسافات بين قلوب الشعوب، وعزز التفاهم والثقة المتبادلة بين “عائلة شانغهاي“.

هذه الممارسات والخبرات في تعزيز التبادلات الإنسانية توفر مساحة واسعة للحضارة المصرية للتواصل والحوار مع الحضارات الأخرى، ويمكنها تلبية تطلعات الشعب المصري في إثراء الحياة الروحية.

الصين هي واحدة من الدول الأعضاء المؤسسة لمنظمة شانغهاي للتعاون، وتعد المنظمة أولوية في الدبلوماسية الصينية. وتترأس الصين المنظمة للفترة 2024-2025 تحت شعار “عام التنمية المستدامة لمنظمة شانغهاي للتعاون”، وتتعاون مع “عائلة شانغهاي” لتنفيذ سلسلة من الإجراءات والمبادرات.

وقبل أيام قليلة، عقد اجتماع لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة في الصين، حيث التقى الرئيس شي جين بينج بشكل جماعي بوزراء الخارجية والمسؤولين عن الأجهزة الدائمة للمنظمة، مؤكدًا على ضرورة تذكر الهدف من التأسيس، والاستجابة لتطلعات الشعوب، وتحمل مسؤوليات العصر، وتجميع القوى الهائلة لبناء مجتمع المستقبل المشتركة للبشرية. وهذا يعكس أهمية كبيرة تعلقها الصين على تطوير المنظمة وأعمال الرئاسة.  

وأود أن ألخص أولويات عمل الصين خلال فترة الرئاسة بثلاث كلمات رئيسية:  

الكلمة الأولى: التضامن  

ستعقد قمة منظمة شانغهاي للتعاون في مدينة تيانجين خلال الفترة من 31 أغسطس إلى 1 سبتمبر، وهذا هو أهم عمل خلال رئاسة الصين. ستكون قمة تيانجين أكبر قمة في تاريخ تطور المنظمة، حيث سيحضرها أكثر من 20 زعيم دولة و10 مسؤولين عن منظمات دولية.  

وتتطلع الصين إلى مشاركة مصر في هذا الحدث الكبير، وقد تمت دعوة الرئيس السيسي، ونحن على اتصال مع الرئاسة المصرية بهذا الشأن. ونؤمن بأنه بجهود جميع الأطراف، ستكون قمة تيانجين حدثًا ناجحًا يتسم بالتضامن والود والثراء في النتائج، وستدخل المنظمة مرحلة جديدة من التنمية عالية الجودة تتسم بمزيد من التضامن والتعاون والحيوية والفاعلية.  

الكلمة الثانية: التعاون

سنركز على خمسة جوانب هي تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، والحفاظ على الأمن المشترك، وتعزيز الازدهار المشترك، وتكثيف التبادلات الشعبية، ورفع كفاءة الآليات، لتنفيذ سلسلة من الأنشطة والإجراءات الملموسة لتعزيز مستوى التعاون في “عائلة شانغهاي“.  

وأود أن أؤكد بشكل خاص على جانب “رفع كفاءة الآليات”، حيث ستتعاون الصين مع جميع الأطراف لتنفيذ التوافق الذي تم التوصل إليه في قمة أستانا العام الماضي حول تعزيز تحسين جودة وكفاءة المنظمة والحفاظ على انفتاحها، وتعزيز تحسين آليات عمل المنظمة، وتعميق مشاركة الدول المراقبة وشركاء الحوار في تعاون المنظمة.  

وبصفتها شريكًا للحوار، ستتاح لمصر فرصة المشاركة في تعاون المنظمة على نطاق أوسع وعمق أكبر، ونحن نتطلع إلى ذلك.  

الكلمة الثالثة: العمل 

الصين هي المبتكر لـ”روح شانغهاي”، وهي أيضًا الفاعل في تعزيز هذه الروح. شعار رئاسة الصين هو “تعزيز روح شانغهاي: منظمة شانغهاي للتعاون في حركة“.  

ومنذ تولي الرئاسة، قمنا بتصميم أكثر من 110 فعالية، وقد تم تنفيذ أكثر من 90 منها، تغطي مجالات مختلفة، بما في ذلك عقد اجتماع لوزراء الدفاع في المنظمة، وتمارين مشتركة لمكافحة الإرهاب، لتعزيز التعاون الأمني والثقة المتبادلة. كما عقدنا منتدى للاقتصاد الرقمي، ومسابقة للمهارات المهنية، لتعزيز التعاون العملي. وكذلك عقدنا منتدى للإعلام، ومهرجانات سينمائية وفنية، لتعزيز التقارب بين شعوب الدول الأعضاء.  

وساهمت هذه الفعاليات في جعل التعاون الأمني للمنظمة أكثر فعالية، وزادت من زخم التنمية، وأكملت آليات العمل، وعززت “الاتصال المادي” و”الاتصال الناعم” و”الاتصال القلبي” بين “عائلة شانغهاي“.  

وقد شاركت مصر في العديد من هذه الفعاليات، مثل منتدى الاقتصاد الرقمي ومنتدى الإعلام، وأنا سعيد بذلك.  

مصر هي دولة كبرى في العالم العربي والإفريقي والإسلامي والنامي، وتلعب دورًا مؤثرًا في الشؤون الإقليمية والدولية. وانضمام مصر إلى “عائلة شانغهاي” جعل تأثير المنظمة يمتد لأول مرة إلى القارة الإفريقية، مما عزز بشكل كبير نفوذ المنظمة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ووسع بشكل فعال دائرة التعاون في مجالات الأمن المشترك والتعاون المربح والحوار بين الحضارات، ورفع تأثير المنظمة إلى مستوى أعلى.  

ومن ناحية أخرى، توفر منظمة شانغهاي للتعاون منصة جديدة جيدة للتعاون الصيني المصري. وسيعمق التنسيق بين الصين ومصر في إطار المنظمة العلاقات الثنائية نحو بناء مجتمع المستقبل المشتركة صيني مصري جديد في العصر الحديث، وسيوفر أيضًا قوة دافعة جديدة لتعددية الأقطاب العالمية العادلة والمنظمة والعولمة الاقتصادية الشاملة والعادلة.  

أولاً: يمكن للصين ومصر الاستفادة بشكل أفضل من فرص التنمية في المنظمة 

خلال اجتماع وزراء خارجية المنظمة، طرح الأطراف فكرة تحقيق تنمية مستدامة “لا يتخلف عنها أحد”، واتفقوا على تعزيز مرونة سلاسل التوريد والإنتاج، وخلق نقاط نمو جديدة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والربط البيني والابتكار التكنولوجي والصناعات الخضراء والاقتصاد الرقمي.  

هذه المجالات تتماشى بشكل كبير مع “رؤية مصر 2030″، ويمكن للصين ومصر مواءمة استراتيجيات التنمية في إطار المنظمة لتحقيق المزيد من النتائج الملموسة.  

ويتطلع الجانب المصري بترقب إلى استثمارات الشركات الصينية في مصر، ويمكن لشبكات التمويل والصناعة التي تبنيها المنظمة أن تلعب دورًا في هذا الصدد.  

وحتى نهاية عام 2024، تجاوز إجمالي الاستثمارات الصينية في الدول الأعضاء والمراقبة وشركاء الحوار في المنظمة 140 مليار دولار أمريكي. ويمكن للصين ومصر تعزيز التعاون في مجال التسوية بالعملات المحلية وتسهيلات التمويل والاستثمار في إطار المنظمة لرفع مستوى التعاون الاستثماري بين البلدين.  

كما توفر المنظمة منصات للتعاون في مجالات متعددة للدول الأعضاء والمراقبة وشركاء الحوار، مثل مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري على مستوى الحكومات المحلية، وقواعد الزراعة النموذجية، وقواعد الابتكار في حماية البيئة، مما يوفر وسائط جاهزة للتعاون العملي بين الصين ومصر.  

ثانيًا: يمكن للصين ومصر العمل معًا بشكل أفضل لتحسين الحوكمة العالمية 

ينص “نظام شركاء الحوار في منظمة شانغهاي للتعاون” بوضوح على أن “صفة شريك الحوار تمنح للدول أو المنظمات التي تؤيد أهداف ومبادئ المنظمة وترغب في إقامة شراكات متكافئة ومفيدة للطرفين معها“.  

وأصبحت مصر شريكًا للحوار في المنظمة، مما يعكس تأييد الجانب المصري لـ”روح شانغهاي” وقيم العلاقات الدولية الجديدة القائمة على الاحترام المتبادل والعدالة والإنصاف والتعاون المربح للجميع.  

وفي مواجهة عجز الحوكمة العالمية والاضطرابات الجيوسياسية، يجب على الصين ومصر مواصلة الاسترشاد بـ”روح شانغهاي”، وتعزيز التضامن والثقة المتبادلة، والعمل معًا لجعل “روح شانغهاي” معيارًا أساسيًا للعلاقات الدولية، وتقديم “حلول شانغهاي” للحوكمة العالمية، ودفع بناء نظام حوكمة عالمية أكثر عدلاً وإنصافًا.  

وتعد الأوضاع في الشرق الأوسط أحد أكبر اهتمامات الجانب المصري، كما أنها أحد المجالات التي تركز عليها المنظمة. وفي اجتماع وزراء الخارجية الأخير، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن الصين تشعر بقلق عميق إزاء الأوضاع في الشرق الأوسط، وأن على المنظمة أن تستجيب لتطلعات المجتمع الدولي، وأن تلعب دورًا أكثر فعالية في تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط.  

ويمكن للصين ومصر تعزيز التنسيق والتواصل في إطار المنظمة لدفع المنظمة إلى لعب دور أكبر في تحقيق السلام في الشرق الأوسط.  

وفي مواجهة التهديدات الأمنية غير التقليدية التي تهم مصر مثل الإرهاب وأزمات المياه، يمكن للصين ومصر الاستفادة من خبرات المنظمة الناجحة في تعزيز التعاون المشترك في مجالات مثل الإنذار المبكر وبناء القدرات.  

ثالثًا: يمكن للصين ومصر تعزيز نهضة الجنوب العالمي بشكل أفضل  

في الوقت الحالي، لا تزال الفجوة بين الشمال والجنوب في النظام الدولي واضحة، ولا تزال الدول النامية تواجه نقصًا في التمثيل وضعفًا في النفوذ في الترتيبات المؤسسية.  

وتعد منظمة شانغهاي للتعاون منصة مهمة لتعزيز تضامن الجنوب العالمي، والصين ومصر كلتاهما دولتان كبيرتان في الجنوب العالمي، وسيعزز تعاونهما في إطار المنظمة الدفاع عن المصالح المشتركة للدول النامية والجنوب العالمي.  

ويغطي التأثير الشامل للمنظمة مناطق أوراسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وغرب آسيا والشرق الأوسط. ومشاركة مصر في شؤون المنظمة يمكن أن تعزز مكانة مصر في الجنوب العالمي، وتوفر منصة لمصر لتلعب دورًا أكبر في الشؤون الدولية والإقليمية، وتمهد مساحات جديدة لنفوذها وقيادتها الدولية.  

وتوجد حاليًا علاقات الصين مع الدول العربية في أفضل حالاتها التاريخية، كما توفر المنظمة آفاقًا جديدة واسعة لتعميق التعاون الصيني العربي.  

فما يقرب من نصف شركاء الحوار في المنظمة هم من الدول العربية، مما يساعد الدول العربية على لعب دور أكبر على الساحة الدولية، ويوفر فرصًا جديدة لتعزيز قدراتها التنموية الشاملة.  

في مواجهة عالم يتسم بالتغيير والاضطراب، نحن بحاجة أكثر إلى منصات تعددية الأطراف مثل منظمة شانغهاي للتعاون التي تتمسك بالانفتاح والشمول والعدالة والإنصاف والتعاون المربح للجميع.  

وبمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، ترغب الصين في العمل يدًا بيد مع “عائلة شانغهاي” بما في ذلك مصر، لجعل الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة أساسًا للتعاون، والمساواة والتشاور أسلوبًا للتعامل، واحترام تنوع الحضارات وسيلة لتعزيز الانسجام والتسامح، والسعي لتحقيق التنمية المشتركة طريقًا للازدهار المتبادل، حتى تواصل “روح شانغهاي” إضاءة الطريق لبناء مجتمع المستقبل المشتركة لمنظمة شانغهاي للتعاون.  

ويمكن للصين ومصر تحقيق الأحمع معًا في إطار المنظمة، والإسهام في تعزيز السلام والتنمية في العالم.  

شكرًا لكم جميعا، وسأتحدث بعد ذلك عن التبادلات الصينية المصرية في العصر الحديث: التفاعل الفكري والحضاري عبر البحر الواسع.

قد أنشأت الصين ومصر حضارتان زاهرتان في تاريخ العالم، وارتبطتا قديما بطريق الحرير الذي وصل بين الشرق والغرب وأسهمتان في تقدم الحضارة العالمية. واليوم، وتحت القيادة الاستراتيجية لقادتي البلدين، تواصل الصين ومصر صداقتهما التاريخية، وتعمقان تعاونهما الاستراتيجي، تسعى الصين ومصر معا لبناء مجتمع المستقبل المشترك الصيني-المصري في العصر الجديد، وتواجه الدولتان التغيرات المتسارعة والتحديات المتعددة في الوضع الدولي. لقد أصبحت العلاقات الودية التقليدية بين الصين ومصر نموذجًا للتعاون والتضامن والمنفعة المتبادلة بين الدول النامية.

أتقدم بالشكر للدكتورة سحر على دراستها حول تاريخ التبادلات بين الصين والمصرية، خصوصًا خلال فترة ازدهار التفاعل بين أسرة “تانغ” الملكية الصينية والدولة الطولونية في مصر وما تلاها من تاريخ الدولتين، مما ألقى الضوء على عمق الصداقة التي امتدت آلاف السنين بين البلدين.

كما أشكر مكتبة الإسكندرية على دعمها لتعزيز الحوار الثقافي، فالصينيون يحملون مشاعر خاصة تجاه مكتبة الإسكندرية العريقة، وقد تعلمنا عنها منذ دراستنا في المدرسة الاعدادية. وأنا محظوظ لأني لدي الفرص لزيارتها مرارا وتكرارا، وفي كل مرة أتعلم شيئًا جديدًا.

في هذا السياق، أود أن أشارككم بعض الجوانب من التبادل الفكري والثقافي المعاصر بين الصين ومصر، والذي مثّل فصلًا مهمًا في تاريخ حوار الحضارات بين الشرق والغرب. هذه العلاقات لم تكن وليدة لحظة واحدة، بل نمت تدريجيًا عبر طرق الحرير البرية والبحرية، من خلال الروابط الدينية والعلمية والتجارية والسياسية، لتقدم نموذجًا مؤثرًا لتلاقي حضارتين عريقتين على أساس من الاحترام والتبادل والتكامل.

أولًا: الدين والعلم.. جسور الحوار الحضاري

بعد دخول الإسلام إلى الصين في عهد أسرة “تانغ” الملكية، أصبح العلماء المسلمون رسولًا للحوار بين الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية، حيث سافروا للحج والدراسة ودوّنوا ملاحظاتهم، مشكلين قنوات معرفية تجاوزت حواجز الجغرافيا.

مثال من أمثلة رحلات الحج ونقل الثقافة هو المسلم الصيني “ما ده شين” (1794-1874)، إذ قام بالحج إلى مكة، وخلال عودته استقبله السلطان العثماني، ثم ألّف كتابًا بعنوان “رحلة الحج” قدّم فيه وصفًا مفصلًا لعادات وتقاليد في مكة والقاهرة وإسطنبول وغيرها. لم يكن هذا المؤلف مجرد توثيق جغرافي، بل وثيقة حيّة على التفاعل بين الصين ومصر في عهد الدولة العثمانية.

وتلعب الترجمة المتبادلة للكلاسيكيات دورا مهما في تكامل الأفكار. في أوائل القرن العشرين، سافر الفقيه الصيني ما جيان إلى مصر للدراسة في جامعة الأزهر لمدة ثماني سنوات (1931-1939). قام بترجمة “كتاب الحوار” (حوار بين كونفيشيوس وطلابه يتجسد فيه حكمة كونفيشيوس) إلى العربية ونشره في القاهرة، بينما ترجم الكتاب ” رسالة التوحيد” بقلم عالم دين مصري محمد عبده إلى الصينية، مما أتاح حواراً عميقاً بين فلسفة الكونفوشيوسي والفلسفة الإسلامية. وقد وفرت هذه الترجمة الثنائية جسراً للتواصل بين الجوهر الروحي للحضارتين.

ثانيًا: السياسة والنضال.. صدي المصير ضد الاستعمار

في النصف الأول من القرن العشرين، أصبحت الصين والعالم العربي من حلفاء بشكل طبيعي في مكافحة المستعمرين، فأصبحت المؤازرة السياسية بُعدا رئيسيًا في التبادل بيننا.

شارك الشعبي الصيني والمصري في الوعي بالأزمة التاريخية. اهتم المثقفون الصينيون في أواخر عهد أسرة “تشينغ” الملكية بخبرات مصر. في عام 1903، ترجم الثوري الصيني تشاو بي تشن الكتاب “تاريخ مصر” وحذّر على الشعب الصيني أن يأخذ درسا من الاستعمارية البريطانية والفرنسية في مصر من أجل تعظيم نهضة الصين”. كما درس رائد من رواد نهضة الصين كانغ يو وي من إصلاحات التنظيمات في الدولة العثمانية خلال زيارته لمصر، داعيًا الصين إلى اتباع نهج مماثل.  

ودعمت الصين والعالم العربي بعضه للبعض اثناء الحرب العالمية الثانية. قدم العالم العربي دعمًا معنويًا للصين خلال للصين، وتطوع ضباط متقاعدون وأطباء عرب لمساعدة الصين في الحرب ضد الغزو الياباني، مجسدين تضامن الشعوب المضطهدة رغم البعد الجغرافي.

ثالثًا. التجارة والموارد: روابط الاقتصاد خارج المركزية الغربية

أدى ازدهار طريق الحرير البحري إلى نموذجًا تجاريًا فريدًا بين الصين ومصر وإعادة تشكيل التدفقات الاقتصادية العالمية خارج المركزية الغربية بسبب قلة تأثره من الاستعمارية الغربية.

ومن نواحي هذا النموذج هي التفاعل المتبادل في التقنيات الزراعية. في أواخر القرن التاسع عشر، قامت مصر بزراعة كميات ضخمة من فول الصويا القادم من شمال شرق الصين من أجل مكافحة دودة اللوز القطنية. لذلك امتدت سلسلة توريد فول الصويا من بحر الصين الجنوبي مرورًا بمضيق ملقا والمحيط الهندي وصولًا إلى قناة السويس، مشكّلة شبكة إمداد عابرة لنصف الكرة الأرضية.

وتتجسد خصائص النموذج التجاري هذه أيضا في التكامل والتكافؤ في الصناعات اليدوية. فاعتمدت صناعة السجائر المصري على التبغ الصيني كمادة خام، وصدّرت سيجارها إلى الأسواق العالمية. وكانت الصين تستورد من مصر منتجات خاصة بشمال إفريقيا. هذه المبادلات القائمة على الخصائص الطبيعية لكل طرف، شكّلت تحديًا للرواية الاقتصادية الغربية المتمركزة حول ذاتها

رابعًا. الرموز الثقافية: تشابه الجذور الحضارية  

رغم اختلاف الزمان والمكان، أظهرت الحضارتان الصينية والمصرية تشابهًا روحانيًا يعكس منطقًا إنسانيًا مشتركًا في فهم الكون.

يتجسد التشابه في تجسيد السلطة. جمعت نقوش “الإنسان والوحش” في ثقافة ليانغتشو (3300-2300 ق.م) بين الإنسان والكائنات الأسطورية مثل أبو الهول، لتأكيد السلطة الدينية والدنيوية.

وبالنسبة للرؤية الكونية، تماثلت الأواني اليشمية المخروطية في الصين مع المسلات المصرية كرموز للتواصل بين الأرض والسماء، حيث تشابه طقوس “تقديم اليشم الأزرق للسماء والأصفر للأرض” مع النقوش الشمسية والقمرية على المسلات.  

خاتمة: إضاءات للحاضر من حوار الحضارات

من رحلة الحج التي كتبها ما ده شين، إلى المساعدات المتبادلة في الحرب ضد الغزاة، ومن ترجمات الكلاسيكيات الكونفوشيوسية، إلى فول الصويا الصيني المزروع على شواطئ البحر الأحمر، تؤكد العلاقات التاريخية بين الحضارة الصينية والحضارة المصرية أن حيوية الحوار الحضاري تنبع من تفاعل ثقافي شعبي عفوي وإرادة مشتركة لمقاومة الهيمنة.

إن هذا النوع من التبادل القائم على الاحترام والمساواة، شق طريقًا جديدًا للتعايش الحضاري بعيدًا عن النظام الاستعماري الغربي. وكما هو الحال في بناء مجتمع المستقبل المشترك الصيني-المصري في العصر الجديد، فإن جذوره مغروسة في هذا التاريخ العابر للزمن من التفاعل الحضاري.

لقد أثبتت هاتان الحضارتان العريقتان، عبر الحكمة والصلابة، أن التواصل الحقيقي لا يحتاج إلى هيمنة، بل يزدهر في ظل التبادل المتكافئ، ويضيء سماء الحضارة الإنسانية بالتنوّع والتكامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights