تقارير-و-تحقيقات

«الطريق ليس آمنًا».. التحرش في المواصلات العامة بين الخوف والصمت والمواجهة

ظاهرة «التحرش» تحت مجهر القانون والنفس والدين

كتب- محمود عرفات

تعد وسائل المواصلات العامة متنفسًا يوميًا للملايين لا غنى عنها، لكنها بالنسبة للكثير من النساء والفتيات أصبحت مساحة مهددة بالخوف بسبب التحرش المتكرر والألفاظ السوقية التي تخرج من سائقي العربات والتكاتك، وهذه الظاهرة لا تقتصر على الكلمات فحسب، بل تتنوع بين الإشارات، اللمس، والملاحقة، في ظل صمت البعض، وتردد البعض الآخر عن التبليغ.

وفي هذا الصدد يضع “اليوم” هذه الظاهرة تحت المجهر لنرى ما هي الأسباب؟ وما دور القانون والدين والمجتمع؟ وكيف تعيش الضحايا هذه التجربة يوميًا؟

شهادات من الواقع: صمت الخوف ومبادرات المواجهة

تقول “آلاء” طالبة جامعية: “كنت راجعة من الجامعة في ميكروباص، وراجل قعد جنبي وبدأ يضايقني بحركات غريبة. فضلت ساكتة في الأول من الخوف، لكن لما حسيت إنه مش هيسكت، صرخت، والناس اتدخلوا. بس في بنات تانية بتخاف تتكلم”.

أما محمود، سائق ميكروباص، يقول: “أنا شوفت بنفسي حالات تحرش كتير، وبقول للناس: اللي يعمل كده مش راجل. لو كل واحد وقف مع الحق، المواصلات هتبقى أمان، لا بد من حل صارم للظاهرة دي”.

التحرش جريمة واضحة العقوبة

من جانبه قال المستشار حذيفة محمد الخبير القانون الجنائي، إن مواجهة التحرش لا تتوقف عند إصدار العقوبات فقط، بل تتطلب تفعيلًا حقيقيًا للقوانين على الأرض:

وأضاف في تصريح خاص جريدة “اليوم” أنه برغم أن القانون المصري شدد العقوبات، وأدخل تعديلات مهمة على المادة 306 مكرر (أ) و(ب)، لتصل إلى السجن المشدد وغرامات كبيرة، إلا أن تطبيق القانون يحتاج وعيًا مجتمعيًا وجرأة من الضحايا في التبليغ، مؤكدًا أن التردد في الإبلاغ هو ما يجعل بعض الجناة يشعرون بالإفلات من العقاب، كما أن التدريب الجيد للجهات المعنية بالضبط والتحقيق، مثل الشرطة، أمر بالغ الأهمية”.

وتابع: “لابد من نشر الثقافة القانونية، خاصة بين الشباب، ليدرك الجميع أن مجرد نظرة تحمل إيحاءً، أو كلمة غير لائقة، قد تضع صاحبها تحت طائلة القانون. فالقانون ليس مجرد ردع، بل وسيلة لحماية كرامة الفرد والمجتمع”.

التحرش.. ندوب في الذاكرة لا تُمحى بسهولة

من جهتها أكدت الدكتورة رضوى رضا، أستاذة علم النفس الإكلينيكي، أن الآثار النفسية للتحرش قد تمتد لسنوات تؤثر في حياة الإنسان، مؤكدة أن الفتيات اللاتي يتعرضن للتحرش داخل المواصلات يصبحن أكثر عرضة للإصابة باضطرابات ما بعد الصدمة PTSD، واضطرابات القلق، والخوف من الأماكن العامة. قد تنعكس هذه الصدمة في مشاكل في النوم، نوبات هلع، أو حتى كراهية شديدة للخروج بمفردهن”.

وأضافت: “المجتمع أحيانًا يُضاعف الألم النفسي بإلقاء اللوم على الضحية بدل الجاني، مما يجعل الفتاة تشعر بالذنب والخزي. هذا التكوين النفسي المعقد لا يُشفى إلا بالدعم النفسي والتفهم، سواء من الأهل أو المؤسسات المعنية. كما أن دعم النساء للإبلاغ وعدم كتمان ما يحدث لهن هو أول خطوة للعلاج”.

وعن رأي الدين في ظاهرة التحرش قال الشيخ محمود عبده الأزهري، من كبار علماء الأزهر الشريف إن التحرش محرم شرعًا بجميع صوره، مشيرًا إلى أنه “لا يجوز بحال من الأحوال أن يُلام ضحية التحرش، فالدين لا يبرر أبدًا جريمة بمظهر أو سلوك. النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرًا، وجعل من إيذاء المسلم – بأي صورة – جرمًا عظيمًا”.

وأضاف في تصريح خاص جريدة “اليوم”: “التحرش ليس فقط سلوكًا مرفوضًا، بل هو مخالفة أخلاقية ودينية صريحة تستوجب العقاب في الدنيا والآخرة. على الشباب أن يعوا أن الدين يدعو للعفة واحترام الآخر. وتوفير بيئة آمنة للنساء داخل المواصلات هو واجب الدولة والمجتمع، وليس تفضّلًا”.

هناك عدة مبادرات تم تدشينها للتصدي ظاهرة التحرش، وهي تمثل جهودًا حقيقية ومستمرة، وتُظهر أهمية التوعية المجتمعية والتدخل الإيجابي في مواجهة هذه المشكلة، ومنها الآتي:

مبادرة “بوند” – دعم الأطفال ذوي الإعاقة ضد التحرش

أطلقتها هايدي كارم، وهي أم لطفل من ذوي الهمم، بهدف تمكين الأطفال ذوي الإعاقة من حماية أنفسهم من التحرش الجنسي. تتضمن المبادرة برامج تدريبية للأطفال وأمهاتهم، تشمل التوعية بالجسد، التربية الجنسية الوقائية، وكيفية التصرف في مواقف التحرش. تستخدم المبادرة وسائل تعليمية مثل الأغاني والرسوم التوضيحية، وتستعين بخبراء نفسيين وأطباء متخصصين.

مبادرة “خريطة التحرش” – HarassMap*

أُطلقت في عام 2010، وتهدف إلى إشراك المجتمع المصري في خلق بيئة رافضة للتحرش الجنسي. تعمل المبادرة على توعية الأفراد والمؤسسات بكيفية مواجهة التحرش الجنسي قبل حدوثه أو أثناءه، وتشجع على اتخاذ موقف جماعي ضد المتحرشين لردعهم.

خاتمة

التحرش جريمة كبيرة ومشينة مستهجنة في الشرائع السماوية، ويتزايد وجودها في المواصلات العامة والشوارع، لذا ينبغي معها ضرورة الوعي بمخاطرها على الفرد والمجتمع، وذلك عن طريق ردع كل متحرش وَفق القواعد القانونية الصارمة، وحتى يتم الحد من هذه الظاهرة ينبغي ضرورة الاستفادة من جهود وزارة الداخلية في رصد الأعمال الإجرامية التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن المجتمع إذا سكت عن مثل هذه الجريمة سيكون مشاركا فيها بشكل غير مباشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights