الأزهر يوضح سبب سحب بيانه عن غزة: حماية المفاوضات وحقن الدماء

تقرير:مصطفى على
في ضوء الجدل الواسع الذي أثارته مواقع التواصل الاجتماعي بشأن بيان الأزهر الشريف الأخير حول الأوضاع المأساوية في قطاع غزة، أصدر المركز الإعلامي للأزهر الشريف توضيحًا رسميًا حول خلفيات القرار الذي اتخذه الأزهر بسحب البيان.
وجاء هذا التوضيح ليكشف دوافع القرار، ويضعه في إطاره الشرعي والإنساني، في وقت تتعرض فيه غزة لأبشع صور القصف والحصار والتجويع، وسط مفاوضات هشة لإقرار هدنة إنسانية قد تنقذ ما تبقى من الأرواح.
مسؤولية شرعية وإنسانية.. وقرارٌ نابع من ضمير الأمة
أكد المركز الإعلامي أن موقف الأزهر لم يكن يومًا وليد اللحظة، بل نابع من قناعة راسخة بمسؤولية شرعية وأخلاقية يتحملها الأزهر الشريف أمام الله أولًا، وأمام الأمة العربية والإسلامية ثانيًا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي لطالما كانت محور اهتمام المؤسسة الأزهرية، لا سيما مع تصاعد العدوان الصهيوني الوحشي على المدنيين في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، أوضح البيان أن الأزهر قد أصدر بالفعل بيانًا سابقًا للتنديد بالجرائم الصهيونية في القطاع، لكن بعد التأمل في توقيت النشر وتأثيره المحتمل على سير المفاوضات الجارية بشأن إقرار هدنة إنسانية، وجد الأزهر أن المصلحة العامة تقتضي سحب البيان مؤقتًا، حتى لا يُستغل سياسيًا من قِبل أطراف تحاول عرقلة أي بادرة للسلام الإنساني المؤقت.
المصلحة العليا: إنقاذ الأرواح لا المزايدات الإعلامية
في لحظة نادرة من الشفافية والاعتراف بالمسؤولية، أقر الأزهر بسحب البيان “بكل شجاعة”، كما ورد في التوضيح الرسمي، مشددًا على أن هذا القرار لم يكن تراجعًا عن مواقفه الثابتة من دعم الحق الفلسطيني، بل تغليبًا لمصلحة أكبر، وهي وقف نزيف الدم في غزة، وإعطاء فرصة حقيقية للمفاوضات الإنسانية أن تثمر عن هدنة تنقذ الأرواح التي تزهق يوميًا تحت القصف.
ويعد هذا الموقف مؤشرًا على إدراك الأزهر لحساسية المرحلة، ولتعقيد المشهد السياسي والإنساني المحيط بغزة، وحرصه على ألا يكون صوته الذي دوّى في نصرة القضية ذريعة لتعطيل أي مسار محتمل لتخفيف المعاناة، ولو مؤقتًا.
نداء دعاء وثقة بالله.. الأزهر يختم بيانه بروحانية المقاومة
وفي ختام التوضيح، لم ينس الأزهر واجبه الدعوي والروحي، إذ توجه إلى الله عزّ وجل بالدعاء لأهل غزة، بأن يُنزل عليهم السكينة والصبر، وأن يحرسهم بعينه التي لا تنام.
وجاء هذا النداء محمّلًا بروح الإيمان بأن النصر في نهاية المطاف لا يكون إلا من عند الله، وأن المقاومة بكل أشكالها، بما فيها الصمود والدعاء، هي أبلغ رد على آلة القتل الصهيونية.
موقف ثابت من فلسطين.. ومرونة سياسية في الأداء
يكشف هذا الحدث عن قدرة الأزهر على الموازنة الدقيقة بين الثوابت والمستجدات؛ فبينما لم يتزحزح موقفه من نصرة فلسطين قيد أنملة، أبدى مرونة عالية في التعامل مع السياق السياسي والدبلوماسي المحيط، وهو ما يعكس نضجًا مؤسسيًا وحرصًا على النتائج لا على الشعارات.
وفي الوقت الذي تمتلئ فيه الفضاءات الإعلامية بالمواقف المتسرعة والمزايدات السياسية، يبقى الأزهر الشريف -بما له من مكانة دينية وروحية- حارسًا لصوت الحكمة ومصدرًا للتوازن في زمن الانفعال.
الأزهر والمواقف الدولية.. هل من استجابة متبادلة؟
ما يثير التساؤل في هذا السياق هو مدى تأثير هذا التوجه الحكيم للأزهر على مواقف المجتمع الدولي، وهل ستجد هذه المبادرات التي تتوخى تجنيب الأبرياء ويلات العدوان استجابة حقيقية من الأطراف المؤثرة، أم سيظل الصمت الدولي يطغى على أنين غزة المستمر منذ أشهر؟
كما يتساءل مراقبون: هل تعي الدول الكبرى أن مثل هذه التنازلات الرمزية من كبرى المؤسسات الدينية الإسلامية لا تعني ضعفًا أو تراجعًا، بل تعني أن العالم الإسلامي ما زال متمسكًا بالأمل، ويريد أن يعطي للسلام فرصة، ولو كانت ضئيلة؟
قراءة في موقف الأزهر: بين البيان والموقف
ليس جديدًا على الأزهر أن يُصدر مواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية، لكن ما يميز هذا الموقف الأخير هو حساسيته العالية تجاه الواقع الدبلوماسي المحيط، وقدرته على استيعاب النتائج المحتملة لكلماته في هذه المرحلة الحرجة.
وقد قرأ بعض المتابعين هذا السحب للبيان لا باعتباره “تراجعًا”، بل باعتباره تأكيدًا على أن الأزهر لا يصدر مواقفه لمجرد تسجيل حضور إعلامي، بل ليتفاعل مع الأحداث وفق منطق المصلحة الشرعية العليا، التي تُقدّر المآلات وتغلب إنقاذ النفس البشرية على إثبات الذات السياسية.