تطبيقات المراهنات الإلكترونية.. بين خدعة الأرباح وسرقة الأحلام
ضغطة واحدة قد تكلفك كل شيء

كتبت: فاطمة الزناتي
تشهد العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر، انتشارًا مقلقًا وسريعًا لتطبيقات المراهنات الإلكترونية،حيث بات هذا الأمر الظاهر واحد من أخطر التحديات الاجتماعية التي تواجه المجتمعات في وقتنا الحالي.
وقد سجلت الأبحاث في الفترة الأخيرة معدلات انتشار غير مسبوقة من مخاطر المراهنات الإلكترونية خاصة بين الشباب والأطفال، مما أدى إلى تصاعد حالات الإدمان التي انعكست سلبًا على سلوك الأفراد واستقرار الأسر.
وأدت تداعيات هذه التطبيقات واستخدامات العديد لها خطر مباشر يهدد التماسك المجتمعي ، بعدما دفعت عددًا من الشباب إلى الانتحار أو ارتكاب جرائم مختلفة، ما يسلط الضوء على ضرورة التحرك العاجل لمواجهة هذا الخطر المتفاقم.
وفي ظل هذا الواقع، لابد من الضروري سن تشريعات رادعة، تسهم في الحد من تداول هذه التطبيقات، والعمل على حظرها مستقبلًا لحماية المجتمع من آثارها المدمرة.
ومن هذا المنطلق، وتزامنًا مع التحذيرات المتزايدة من قبل الخبراء والمتخصصين بشأن خطورة هذه الظاهرة، يسعى هذا التحقيق إلى الوقوف على أسباب انجذاب الشباب إلى المراهنات الإلكترونية، واستعراض مجموعة من الحلول والمقترحات التي من شأنها الحد من تفشي هذه التطبيقات، والحفاظ على القيم المجتمعية الأصيلة، في سبيل استعادة بيئة آمنة خالية من الممارسات التي تهدد سلامة الأفراد وتفكك النسيج الاجتماعي.
تجارب من الحياة
يقول أحد مستخدمي تطبيقات المراهنات ” أ . ح” : إن بداية استخدامي لهذه التطبيقات لأول مرة كانت من خلال رؤيتي لأكثر من إعلان يروج لهذه التطبيقات، مثل تطبيق «هواء» وهو التطبيق الأكثر انتشارًا في هذا المجال،فباتت لدي رغبة التجربة، ومن ثم أصبح شغلي الشاغل هذه المراهنات الأمر الذي جعلني في إنعزال تام عن العالم من حولي ، ومعرفة مدى صدقه من كذبه.
وتابع: بداية استخدامي لهذا التطبيق كان منذ سنة وبدأ بفوزي برهان مباراة ، حققت مبلغً ماليًا كبيراً حينها، ومن بعدها وأنا دائم اللعب على توقعات نتائج المباريات.
وأضاف: لكن هذه الأمور كانت ما يسمى بحلاوة البدايات، حيث خسرت مبلغ مالي كبير في الرهان وخسرت كل ما أملك من أموال وأصبحت لدي المشاكل الكثيرة مع عائلتي، مما دفعني للندم الكثير على قراري وقتها، وعندها بدأت بحذف هذه التطبيقات ولعب المراهنات من هاتفي، وعهدت نفسي على عدم العودة مجددًا لهذه الأمور مهما كانت مكاسبها .
وعلى صعيد آخر، أضاف أحد ضحايا تطبيقات المراهنات الإلكترونية، ويدعى “م.ع”، تجربته قائلاً:
تعرفت على تطبيق melbet للمراهنات من خلال أحد أصدقائي، ودفعتني حاجتي للمال إلى خوض التجربة بهدف تعزيز دخلي، وبدأت بالمراهنة على المباريات من خلال نظام القسائم، الذي يعتمد على توقع نتائج عدد محدد من المباريات في قسيمة واحدة، وهو ما ساعدني في البداية على تحقيق أرباح مضاعفة، إلا أن هذا النظام يحمل مخاطرة كبيرة، إذ يكفي أن أخطئ في توقع نتيجة مباراة واحدة لأخسر كامل المبلغ في تلك القسيمة”.
ويؤكد: ما زلت أستخدم هذه التطبيقات حتى الآن، لاكن أقل من السابق، إذ أصبحت أركز فقط على المباريات التي أعتبرها مضمونة، والتي يمكنني من خلالها تحقيق أرباح كبيرة دون مجازفة مفرطة.
وفي تجربة مختلفة، روت إحدى الفتيات قائلة: “كنت أقضي وقتًا طويلًا على الهاتف، وخلال تلك الفترة ظهرت لي العديد من الإعلانات التي تروج لإمكانية كسب المال من خلال مشاهدة الفيديوهات، دفعتني الرغبة في الربح لأنني كنت بحاجة إلى المال، ولتجربة الأمر بدأت بالفعل في مشاهدة هذه المقاطع، وبعدها بفترة أظهرت هذه التجربة إنها بغرض المراهنات بشكل آخر، لكن سرعان ما اكتشفت أن الأمر مجرد خدعة واحتيال فتوقفت على الفور.
أسباب الانتشار
وصرح ” ع.ك” تولد أسباب انتشار هذه التطبيقات ولعب المراهنات في مجتمعنا بهذا الشكل أن معظم الشباب في مجتمعنا دائمًا ما يفكرون في الأمور التي تضر ولا تنفع على الإطلاق، هنا الشباب يقبع في دوامة لا نهاية لها، وأغلبية الشباب ليس لديهم رغبة في التفكير والتخطيط والسعي لكسب الرزق بالحلال، فضلًا عن قلة الإهتمام بمشاكل الشباب، وعدم وجود رعاية كافية لهم لذلك فالشباب ليس لديه من يرشده للصواب.
وأوضحت ” ص .م” أن أحد أسباب انتشار هذه التطبيقات هو البطالة في مجتمعنا، وقلة فرص العمل المتاحة ، فنجد الشباب خريجين من الجامعات مثل الهندسة والتجارة والحسابات وبتقديرات ولا يجد شغل ، بالإضافة إلى أن ارتفاع الأسعار بشكل مستمر هي من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار مثل هذه التطبيقات، فأنا من أحد الأهالي الذين عانوا من هذه المشاكل مع ابنائهم حيث وجدت ابني يلعب ألعاب المراهنات وهو خريج كلية العلوم ولاكن لايجد شغل، الشباب مغلب علي امره في هذا الواقع الذليل يحتاج ولاكن لا يوجد سد للحاجة في هذا المجتمع الذي يدفن شبابة بيده.
الندم
وأعرب ” م. ح” عن ندمه لخوض تجربة المراهنات، قائلًا: إذا عاد بي الزمن مرة أخرى، فبالتأكيد حينها لن أتردد لحظة في اتخاذ قراري برفض الإقدام على خطوة كهذه مرة أخري، فمن خلال تجربتي تعلمت أن ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة، أيضًا وخلال هذه التجربة مرض ولدي بالمرض اللعين الكانسر وتوفي، وخسرت جامعتي كنت طالب يدرس في كلية التمريض في المرحلة الأولى وبسبب المراهنات اخذت وقتي وأدت لي بالفشل الدراسي والبعد عن حالتي ، ولا انصح أحد بخوض التجارب مثل المراهنات وغيرها.
النفسية والرهان
فيما تؤكد استشاري الطب النفسي الدكتورة حنان جعفر، إن إقبال الفرد على استخدام تطبيقات المرهنات التي تهدف إلى المقامرة، يشير إلى إصابته بالإكتئاب وبالتالي فإنه يدخل في عملية المقامرة للتقليل من حدة الإكتئاب الذي يعاني منه، كما أن أغلب المقبلين على هذه المواقع يعانوا من الاكتئاب النفسي الشديد : حيث إنه إذا فاز يشعر بالسعادة تغمره، ولكن سرعان ما تختفي هذه السعادة باستمراره في عملية المقامرة لذلك فأنه يعاني من أزمة نفسية داخلية تتمثل في الشعور الحاد بالاكتئاب.
وأشارت جعفر، إلى أن الاعتراف بالخطأ، هو أول خطوات التعافي من ممارسة تطبيقات المراهنات حيث إنهم لا يعترفون باقترافهم لهذا الخطأ ، وأنهم يقضون وقتا ممتعا وحسب، ويجهلون أن ليس كل
المسليات صالحة لهم، وإنها في الغالب تكون سلوك غير مقبول اجتماعيًا أو دينيًا، وقد يؤدي إلى التهلكة حيث إنه يصل إلى حد الإدمان، وقد يؤدي سوء استخدامه إلي المراهنة على أثاث المنازل أو البشر .
وتضيف الدكتور حنان المقامر هو شخص فاقد للإحساس بأهميته ودوره في الأسرة وفاقد للنجاح في المجتمع لذلك بحث عن الإحساس بدوره وبنجاحه في الحصول على المال من مجرد سلوك عشوائي، مثل تلك المراهنات، لذلك فيمكن القول أن للأسرة والمجتمع الدور الرئيسي في انتشار سلوك مثل المقامرة أو المراهنة.
وتوضح قائله: «أن الأشخاص المدمنين على المراهنات يشعرون أثناء القيام بذلك بالاشمئزاز قبل البدء في أي عملية مراهنة، ويكون داخليًا منفعل، ويصبح هؤلاء الأشخاص ذوو أعصاب ضعيفة و مندفعة، حيث ينتج ذلك الاندفاع عن توتر نفسي داخلي شديد ينشأ من عدم شعوره بالأمان، كما قد يؤدي تكرار خسارة المراهن إلى سلوكيات الدفاعية شديدة قد تصل إلى القتل وذلك لانهياره النفسي المتتالي في كل خسارة مما يشعره بالفشل، وقد يصل في بعض الأوقات إلى الانتحار.
ضوابط الشريعة
وفي هذا الصدد وضح الشيخ” أحمد السيد علي “قائلا: رغم إباحة الإسلام للترويح عن النفس إلا أن الشريعة وضعت ضوابط صارمة لحماية الدين والروح ، والمال والوقت الضمان السلامة الشخصية والاجتماعية، ومن هذه الضوابط هو تحريم المقامرة، ولاينبغي أن نغفل عن المتفق على حرمته في الشرع، فقد أمر الله تعالى باجتنابها في قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِع بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمُبْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون).
القانون والمراهنات
وكما نعلم جميعًا، مدى الدور المهم الذي يلعبه القانون في تجريم هذه التطبيقات، والحرص على صياغة القوانين والتشريعات التي تحظر على الأفراد ممارستها، ولذا تقول المحامية سحر عادل: من المفترض أن القانون المصري يجرم القمار والمراهنات بكل أشكاله وفقًا لقانون العقوبات والمادة ٣٥٢ من قانون العقوبات قد جرى نصها على أن كل من أعد مكانًا لألعاب القمار وهيأه لدخول الناس فيه يعاقب هو وصياريف المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه.
وتابع: إن النص الخاص بقانون العقوبات يتحدث عن الأماكن المخصصة للعب القمار، وبالتالي فكرة المراهنة الرقمية أو تطبيقات المراهنات الإلكترونية التي تتم على الإنترنت غير منصوص عليها في قانون العقوبات مشدده على ضرورة أن يكون هناك نص جنائي محدد لتجريم استخدام تلك التطبيقات مستقبلًا.
نصائح و اقتراحات
وجه “ع.أ” رسالة تحذيرية للشباب قائلًا: “مهما اشتدت عليك الضغوط وضاقت بك سبل الحياة، لا تفكر ولو للحظة في الانخراط بهذه التطبيقات، لأنك ستخسر نفسك قبل أموالك لا يوجد أي مبرر يُبيح أن تُلقي بنفسك في هذا المستنقع الخطير.
وأكد الشيخ «أحمد السيد » على ضرورة نشر الوعي بين أبناءنا وشبابنا من قبل الوالدين والعلماء والأساتذة والدعاة والإعلاميين، وكل فئات المجتمع، ودعا إلى توضيح خطورة هذه التطبيقات، مشيرًا إلى أن إغلاقها أو حجمها ليس حلًا نهائيًا وهذا لأن الكثير منهم بالتأكيد سيلجا إلى حيل مختلفة للوصول إليها.
ودعت الدكتورة «حنان » لابد من حملات لمنع انتشار هذه التطبيقات مثل ما حدث في الصين التي يزيد تعداد سكانها عن المليار نسمة، فإنها حتى يومنا هذا تمنع تطبيق الفيس بوك، وذلك لرؤيتهم أنه يساهم في انتشار البطالة والتكاسل عن العمل، لذلك يجب أن تدرك أننا نعاني من خلل وضغوط اقتصادية على المجتمع وللسيطرة على ذلك اقترح وقف انتشار هذه التطبيقات عن طريق زيادة وعي المواطنين، ونشر ثقافة صحة الفرد المصري النفسية التحقيق ذاته لأن البطالة تؤدي لنشر الجرائم والكوارث في المجتمع نتيجة لعدم انشغال الأفراد بشىء .
ويبقى السؤال مطروحًا، هل في ظل التطور الهائل للتكنولوجيا سيتفاقم الأمر أكثر من ذلك؟ وهل انتقال الممارسات الحياتية من الطبيعة إلى العالم الافتراضي سيقف عند هذا الحد؟ وهل إغلاق أو حجب هذه المواقع سيحد من انتشارها ؟ وهل زيادة العقوبات المفروضة على تطبيقات المعلومات سيجدي نفعا ؟