مفتي الجمهورية ناعيًا الدكتور مصطفى فياض: فقدنا علمًا من أعلام الشريعة

كتب: مصطفى علي
في مشهد من مشاهد الوداع التي تفقد فيها الأمة الإسلامية أحد رجالاتها الكبار، نعى فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، العالمَ الجليل والأصوليَّ الكبير الأستاذ الدكتور مصطفى فياض، أستاذ أصول الفقه ووكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بفرع جامعة الأزهر في كفر الشيخ، والذي انتقل إلى جوار ربه الكريم بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والتربوي، ليختم مسيرة امتدت لعقود في خدمة علوم الشريعة وأصولها.
قيمة علمية نادرة ومقام أكاديمي رفيع
الدكتور مصطفى فياض.. رمز للعلم والانضباط والمنهج الرصين
أكد مفتي الجمهورية، في بيان رسمي صدر عن ديوان الإفتاء، أن الدكتور مصطفى فياض لم يكن مجرد أستاذ جامعي أو موظف علمي يؤدي واجبه الأكاديمي، بل كان من كبار علماء الأمة الإسلامية في هذا العصر، وأحد الأعلام الأصوليين الذين حملوا مشعل الأزهر الشريف في أنصع صوره.
وأضاف فضيلته أن العالم الراحل كان متميزًا في بيانه، بليغًا في شرحه، قويًا في تكوينه لطلابه، أمينًا في حمل الرسالة العلمية، صادقًا في عطائه، لا يشغله عن أداء رسالته شيء، ولا يحيد عن منهج الاعتدال والوسطية الذي تميزت به مؤسسة الأزهر الشريف عبر تاريخها الطويل.
بصيرة فقهية نادرة ومنهج يجمع بين الأصالة والمعاصرة
عالم متجذّر في التراث ومجدد في فقه الواقع
أشار فضيلة المفتي إلى أن الدكتور مصطفى فياض كان علمًا في مجال أصول الفقه، معروفًا بين زملائه وطلابه بسعة علمه ورجاحة عقله، وقدرته الفائقة على الجمع بين رسوخ التراث وعمق فهم الواقع، وهو ما جعله مرجعًا علميًّا يُشار إليه بالبنان، ليس فقط في الوسط الأزهري، بل في كافة المحافل العلمية التي تناولت قضايا الفقه والأصول.
وأوضح أن بصيرته الفقهية كانت حادة ونافذة، تستند إلى أصول دقيقة وقواعد راسخة، وتُوظَّف في خدمة قضايا العصر بروح منفتحة على الواقع ومتطلعة إلى المستقبل، مما أكسبه مكانة رفيعة في قلوب الباحثين وطلابه الذين نهلوا من علمه، وتشربوا من أدبه وسَمته وورعه.
تلميذ الأزهر الوفي ورافع رايته بين الأجيال
مربي الأجيال وصاحب الأثر الباقي
فياض لم يكن عالمًا أكاديميًا فقط، بل كان مربيًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ ترك بصمة واضحة في نفوس الأجيال التي تتلمذت على يديه، وتخرج من مدرسته العلمية المتميزة المئات من الباحثين والعلماء الذين يتبوؤون اليوم مواقع علمية ودعوية مرموقة.
كان حريصًا على غرس القيم الأزهريّة في طلابه: حب العلم، احترام العلماء، الإنصاف في الطرح، والاعتدال في الفهم والتطبيق، فكان قدوة في خُلقه قبل علمه، وفي سلوكه قبل درسه، وفي هدوئه قبل كلماته.
عزاء واجب ومواساة صادقة
كلمات وداع من القلب ودعاء للفقيد بالرحمة والقبول
في ختام كلمته، تقدَّم مفتي الجمهورية بخالص العزاء وصادق المواساة إلى أسرة الفقيد الكريم، وإلى زملائه وطلابه ومحبيه في جامعة الأزهر وخارجها، داعيًا الله سبحانه وتعالى أن يتغمّد الفقيد برحمته الواسعة، وأن يُسكنه فسيح جناته، وأن يُجزيه عن الإسلام وأهله خير الجزاء، وأن يُلهم أهله وذويه وطلابه الصبر والسلوان.
قال فضيلة المفتي، وقد غلبه التأثر:
“رحم الله الدكتور مصطفى فياض، فقد فقدنا بفقده علمًا من أعلام الشريعة، وقامة أصولية نادرة، وفقيهًا ربانيًا نذر عمره للعلم والتدريس والتوجيه. {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}”.
في وداع العالِم.. يبقى الأثر
العلماء لا يموتون.. ما بقيت علومهم وآثارهم
برحيل الدكتور مصطفى فياض، فقدت مصر والأمة الإسلامية أحد مراجعها العلمية المتينة، وأحد الأصوات الرصينة التي لم تتزعزع في وجه الفتن الفكرية ولا التجاذبات الثقافية، وظل ثابتًا على مبادئه، مستمسكًا بمنهج أهل السنة، مدافعًا عن وسطية الإسلام وسماحته.
لكن ما يخفف من ألم الفقد أن العلماء لا يموتون، فهم باقون بعلمهم، حاضرون بأثرهم، مؤثرون بطلابهم وتلامذتهم، الذين يواصلون المسيرة ويكملون الرسالة.