الإفتاء تحسم الجدل: الحشيش محرم شرعًا ومجتمعيًا وقانونيًا

تقرير:مصطفى علي
في ظل تزايد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول حكم تعاطي الحشيش، أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانًا مفصلًا، أكدت فيه الموقف الشرعي الواضح والصريح من هذه المادة المخدرة، مشددة على حرمة الحشيش وكل أنواع المخدرات شرعًا، سواء كانت طبيعية أو كيميائية، وسواء تعاطاها الشخص شربًا أو شمًّا أو حقنًا وجاء البيان ليرد على محاولات التشويش على الثوابت الشرعية، وليرسّخ قواعد الحماية التي أقرها الإسلام لصون النفس والعقل والمجتمع.
الضروريات الخمس.. لماذا حرَّم الإسلام كل ما يُذهب العقل؟
استهلت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن الشريعة الإسلامية كرّمت الإنسان، وجعلت حفظ النفس والعقل من الضروريات الخمس الكبرى، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. وقد أجمعت الشرائع على ضرورة حمايتها من كل ما يهددها أو يعتدي عليها، واعتُبرت محورًا أساسيًّا في بناء الحياة الإنسانية السليمة.
من هذا المنطلق، جاء تحريم الإسلام القاطع لكل ما من شأنه إفساد العقل أو إهلاك النفس، وعلى رأس هذه المحرمات المخدرات بمختلف أشكالها. فكل ما يؤدي إلى تغييب الوعي أو فتْك البدن أو تدمير الصحة النفسية والبدنية يندرج تحت بند المحرمات في الشريعة، ويخالف مقاصدها العليا.
وفي هذا السياق، استشهد البيان بعدد من الآيات القرآنية، منها قول الله تعالى:
﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]،
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]،
وهي آيات تُحذر من الإضرار بالنفس بأي صورة كانت، وتُبين أن الله سبحانه رحيم بعباده، فلا يرضى لهم الهلاك
النصوص النبوية قاطعة.. كل مسكرٍ ومفترٍ حرام
لم يكتفِ الإسلام بتحريم المسكرات فحسب، بل وسّع التحريم ليشمل “كل مفتر”، أي ما يضعف الجسد والعقل ويؤدي إلى التكاسل والخمول واستدلت دار الإفتاء بما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها:
“نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ”
وفي ضوء هذا الحديث، أجمع العلماء من مختلف المذاهب على أن كل ما يُذهب العقل أو يضعفه أو يُسبب خدرًا في الإحساس فهو حرام، ولو لم يبلغ حد الإسكار المعروف في الخمر وقد نقل هذا الإجماع الإمام بدر الدين العيني في كتابه “البناية” في شرحه على الهداية، حيث أكد أن الحشيش من المخدرات والمفترات، وله أوصاف ذميمة تستوجب تحريمه شرعًا دون جدال.
القواعد الفقهية تردع الشبهات: “لا ضرر ولا ضرار”
أعاد البيان التأكيد على أن الضرر قاعدة محرّمة في الإسلام، إذ جاء في الحديث النبوي الشريف:
“لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ”،
وهو حديث أصل في الفقه الإسلامي استخدمه العلماء لضبط تعاملات الناس وتشريعاتهم، بحيث يُمنع كل فعلٍ أو عادةٍ يترتب عليها ضرر للفرد أو الجماعة.
وبناءً عليه، فإن تعاطي المخدرات عمومًا والحشيش خصوصًا، يُعدّ ضررًا حسيًا ومعنويًا متحققًا، لما يسببه من تدمير للجهاز العصبي، وتغييب للعقل، وإفساد للنية والفعل، كما يؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية قد تُفضي إلى الجرائم والانحرافات، مما يجعل تحريمها ثابتًا بنصوص الوحي، ومؤكدًا بالقواعد الكلية للشريعة.
القانون المصري.. يدٌ رادعة لحماية المجتمع من سموم المخدرات
لم يكن التجريم قاصرًا على النصوص الشرعية، بل أيدته القوانين الوضعية المعاصرة، حيث نصَّ المشرّع المصري على تجريم تعاطي المخدرات والاتجار بها، ووضع عقوبات مشددة على كل من يتعاطاها أو يروّج لها أو يُشارك في تصنيعها أو تهريبها.
وقد أشار بيان دار الإفتاء إلى أن القانون يُضاعف العقوبات عند ثبوت الضرر المجتمعي الناتج عن المخدرات، إدراكًا لما تسببه من تفكك أسري، وجرائم عنف، وفشل وظيفي، وانهيار نفسي وعقلي لدى المتعاطين وبالتالي، فإن الالتزام بالقانون في هذا السياق يُعد امتثالًا شرعيًا وواجبًا وطنيًا.
التحذير من الفتاوى الشاذة.. لا تفتوا بغير علم
وجهت دار الإفتاء رسالة تحذير واضحة من الانسياق وراء فتاوى شاذة أو منقوصة أو غير موثوقة تنتشر أحيانًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتزعم – زورًا – أن الحشيش ليس محرمًا إذا لم يكن مسكرًا، أو إذا استُخدم لأغراض “الترفيه” وبيّنت الدار أن الفتوى مسؤولية عظيمة، وأن المفتي يُبلّغ عن الله عز وجل، وينوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يصدرها إلا من كان أهلًا لها علمًا وتقوى وورعًا.
وشدّدت دار الإفتاء على أهمية الرجوع إلى الجهات الشرعية الموثوقة عند الاستفسار عن الأحكام، لا سيما فيما يخص القضايا المجتمعية الخطيرة كالمخدرات، مؤكدة أن البحث عن “رأي يناسب الهوى” هو مدخل من مداخل الضلال والتضليل.
دار الإفتاء تُغلق باب الجدل: لا تهاون مع السموم التي تفتك بالعقل والبدن
بهذا البيان الحاسم، قطعت دار الإفتاء المصرية الطريق أمام كل محاولة لتبرير أو تخفيف حكم تعاطي الحشيش، مؤكدة أن هذه المادة المحظورة هي إحدى بوابات الفساد الأخلاقي والمجتمعي، ومستنقع يغرق فيه الشباب ويُفتك بكيان الأسرة والمجتمع.