قوافل الأزهر تنطلق من القاهرة لحماية العقول

كتب:مصطفى على
في خطوة جديدة تعكس انخراط الأزهر الشريف في التصدي للقضايا المجتمعية الملحة، أطلق مجمع البحوث الإسلامية اليوم الأحد قافلة دعوية وتوعوية موسعة إلى عدة مناطق بمحافظة القاهرة، تحت شعار “صيانة عقل سلامة أمة”.
تأتي هذه القافلة في إطار حملة شاملة تهدف إلى حماية العقول من آفة المخدرات، وتعزيز منظومة القيم الأخلاقية والانضباط السلوكي، في وقت باتت فيه الظواهر السلبية تتسلل إلى جسد المجتمع، مهددة تماسكه واستقراره.
حملت القافلة بين طياتها رؤية دينية ومجتمعية متكاملة، تهدف إلى رفع مستوى الوعي الشعبي بخطورة المخدرات وآثارها التدميرية على الفرد والأسرة والمجتمع لم تكتفِ الفعاليات بالحديث عن الأضرار الصحية والإدمانية، بل تعدتها إلى إبراز التهديد الأخلاقي والديني الذي تمثله هذه الظاهرة، من خلال توضيح الحكم الشرعي القاطع بتحريمها، وتأكيد أن حماية النفس والعقل من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية.
وشدد القائمون على الحملة على أن التصدي لهذه الآفة لا يقتصر على الأجهزة الأمنية أو المؤسسات العلاجية فقط، بل يتطلب تكاتفًا جماعيًا يشارك فيه العلماء والدعاة والأسر ووسائل الإعلام، لبناء جدار صلب من الحصانة الفكرية والقيمية في وجه ثقافة الإدمان والانحراف.
الخطاب الديني المعتدل سبيلنا إلى التغيير
وفي تصريحات صحفية، أكد فضيلة الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن القافلة تأتي استكمالًا للجهود المتواصلة التي يبذلها المجمع من أجل التواصل المباشر مع الجمهور، وتفعيل دور الخطاب الديني المعتدل في محاصرة الظواهر الاجتماعية الهدامة.
وأضاف الجندي أن الخطاب الميداني الواقعي، القائم على الفهم العميق لمقاصد الدين، يترك أثرًا بالغًا في النفوس، ويُعيد الاعتبار للقيم الإسلامية التي تحث على التوازن النفسي، واحترام الذات، وتحمل المسؤولية.
وأشار إلى أن المخدرات ليست مجرد مشكلة صحية أو انحراف سلوكي، بل هي وسيلة خطيرة لتغييب وعي الشباب، مما يهدد قدرتهم على المساهمة في نهضة الأمة ومجابهة تحدياتها. موضحًا أن أخطر ما يهدد الأمم هو تغييب العقول، لأن العقل هو الركيزة الأولى للاستقرار والنهضة.
من جهته، أوضح الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني، أن الحملة تمثل تجسيدًا حيًّا لرؤية الأزهر في المزج بين العمل الدعوي الميداني وبين الرسالة الإعلامية الهادفة.
وأكد الهواري أن الهدف من القافلة لا يقتصر على تقديم النصيحة، بل يتجاوزها إلى إعادة بعث الضمير الجمعي في نفوس الشباب، وتحفيزهم على تحمّل مسؤولياتهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم وأمتهم.
وقال الهواري إن المجمع يسعى عبر هذه القوافل إلى ترسيخ صورة العقل كمنارة للخير والبناء، لا كأداة للهدم والتبديد، في مواجهة ثقافة الاستهلاك والإدمان واللامبالاة التي تسللت إلى بعض الفئات.
المساجد ومراكز الشباب ساحات للحوار
تستمر فعاليات القافلة لمدة أسبوع، وتشمل سلسلة من الندوات واللقاءات المباشرة في المساجد ومراكز الشباب والمناطق الشعبية، بمشاركة نخبة من وعّاظ الأزهر الشريف، الذين يتعاملون بأسلوب علمي وروحي يراعي طبيعة الجمهور ويأخذ بيد الشباب نحو الإدراك الواعي والتصالح مع الذات.
وتعد هذه القوافل جزءًا من خطة موسعة لمجمع البحوث الإسلامية، تستهدف بناء وعي رشيد ومسؤول داخل النسيج المجتمعي، بما يعزز مناعة المجتمع ضد مختلف التهديدات القيمية والفكرية، وعلى رأسها ظاهرة الإدمان والانحراف السلوكي.
الدين درع الوطن
لقد أثبت الأزهر الشريف عبر هذه القوافل أنه لا يقف عند حدود التعليم والتوجيه الديني التقليدي، بل ينخرط بفعالية في معالجة الأزمات الاجتماعية المعاصرة، مستندًا إلى إرث علمي وروحي ضخم، وإلى خطاب ديني متوازن يربط بين مقاصد الشريعة ومصالح الناس.
وتمثل حملة “صيانة عقل.. سلامة أمة” صورة متقدمة من الاجتهاد المعاصر في خدمة قضايا الأمة، حيث يتم تسليح العقل بالمعرفة، وتحفيز الضمير بالقيم، وتوجيه الوعي نحو البناء لا الهدم، في مشهد يُعيد للدعوة الإسلامية بريقها ودورها المجتمعي الحقيقي.
في ظل عالم متغير، باتت الحاجة ملحة إلى مثل هذه المبادرات التي تحمي الإنسان من التفكك الداخلي قبل أن تقيه المخاطر الخارجية، وتُعيد للوعي الجماعي إيقاعه المفقود إن قافلة الأزهر ليست مجرد رحلة وعظية، بل صرخة إنذار تُطلقها مؤسسة دينية عريقة في وجه المخدرات والانهيار القيمي، مفادها: “إن صيانة العقول هي صيانة للأوطان”.