
تقرير: مروة محي الدين
مع انتهاء القمة الأوروبية- الصينية، بما حملت من قضايا خلافية ومباحثات حذرة، لم تتمكن من عبور نقطة التحول في العلاقات، التي تحدث عنها الطرفان، طفت على السطح قضايا تمس الطرفين، وربما تهدد المصالح المشتركة بينهما.
وكان أهم تلك القضايا هو ممر زانجيزور- Zangezur Corridor- وهو مشروع إنشاء ممر نقل بري وخط سكة حديد بطول 32 كيلومترًا، يربط أذربيجان بجمهورية نخجوان، مرورًا بمقاطعة سيونيك الأرمينية، وهو جزء من اتفاق وقف إطلاق النار بين ناجورني وكاراباخ عام 2020.
بتمويل دولي.. مشروع سكة حديد تركي يُقرّب آسيا الوسطى من أوروبا عبر ممر زنغزور pic.twitter.com/gkVDsOn6rW
— TRT عربي (@TRTArabi) July 24, 2025
فما قصة الممر الذي تتصارع ليه قوى عظمى ويهدد مصالح بعضها، بينما يهدد بإفناء دولا قوية؟
يرى الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي- في تصريحات خاصة لموقع “اليوم”: أنه أحد أهم القضايا في أسيا الوسطى، حيث “زانجيزور هو قلب القوقاز النابض، حيث يعد هذا الشريط الجبلي بوابة الطاقة، فيصل حقول النفط الأذربيجانية- بحر قزوين- بالموانئ التركية على البحر المتوسط؛ كما يمثل طريقًا تجاريًا بديلًا، يحرم روسيا وإيران السيطرة على حركة النفط والغاز من آسيا إلى أوروبا”.
اتفاقية ممر زانجيزور
كثرت الأحاديث مؤخرًا عن محاولات الولايات المتحدة السيطرة على الطريق، وعرضها استئجاره أو الحصول على حق إدارته، وذلك عبر اتفاقية بين الولايات المتحدة وأرمينيا، تمتد لمدة 100 عام بما يشبه اتفاقية قناة بنما سابقًا، وتحدث تسريبات إعلامية عن أنها تشمل إنشاء قواعد لوجستية أمريكية أو مراكز مراقبة.
ويرى “الألفي”: أن لهذه الاتفاقية “أهدافًا معلنة وأخرى خفية؛ وتتمثل المعلنة في ضمان حرية الملاحة التجارية وحماية خطوط الطاقة؛ أما الأهداف الخفية فتتمثل في: أ) تنحية روسيا عن المشهد: عبر تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي وتوفير مسار بديل، ب) كبح التمدد الصيني: عبر منع مشروع طريق الحرير الجديد من الهيمنة على طرق الطاقة، جـ) ضرب التحالف الروسي- الإيراني: عبر قطع الممر الشمال- جنوب الذي يربطهما بأرمينيا”.
وتابع: “ويغير هذا الممر الخرائط الإستراتيجية في المنطقة، فعلى مستوى خريطة تدفق الطاقة، يتيح الممر نقل نفط باكو- تبليسي- جيهان، دون المرور بإيران أو روسيا، كما يُضعف مشروع نابوكو الروسي- الإيراني؛ وعلى مستوى خريطة النفوذ العسكري، تفتح الاتفاقية الباب للوجود الأمريكي المباشر، على بعد 20 كيلومترًا فقط من الحدود الإيرانية وجنوب روسيا”.
اتفاقية متعددة الأضرار
الاتفاقية الداعمة للهيمنة الأمريكية على القوقاز، تضر أطرافًا عدة وتهدد مصالحهم الإستراتيجية، بين تهديدات لسيادتهم واستقلالهم مثل: أذربيجان وأرمينيا، وتهديدات لاقتصاداتهم وأسواقهم مثل: الصين، وتهديدات للنفوذ وطرق النقل مثل: روسيا وإيران.
وحول الأضرار الجيوسياسية لدول أسيا وبينها القوى العظمى، رجح “الألفي”: أن روسيا ستكون الدولة الأكثر تضررًا، حيث “ستخسر هيمنتها على طرق الطاقة، ويتقلص نفوذها في أرمينيا- حليفها التقليدي، ما قد يدفعها لدعم انفصالي قره باج؛ والضغط العسكري على أذربيجان”، وتليها في سباق الخاسرين من الاتفاقية إيران، “حيث تعزلها الاتفاقية عن أرمينيا، التي تعتبر بوابتها للقوقاز، وتهدد مشروعها النووي بوجود قواعد أمريكية على بعد 20 كيلومترًا من حدودها، ومن هنا لن يكون أمامها إلا تعزيز تحالفها مع روسيا، ودعم الجماعات المضادة في الممر”.
وتابع الحديث عن المتضررين، فوضع الصين في المرتبة الثالثة، التي تتركز خسائرها في الأضرار الاقتصادية وطرق النقل، فقال: “الاتفاقية ستضرب مشروع الحزام والطريق، وتخسر بفعلها الأسواق الأوروبية لصالح الغاز الأذربيجاني، ولتلافي ذلك ستعجل بمشروع طريق باكستان- إيران”.
أما أذربيجان وأرمينيا فكانت على ترتيبهما- وفق رؤيته- في المرتبتين الأخيرتين في الخاسرين، حيث “تحقق أذربيجان مكاسب اقتصادية قصيرة المدى، بينما يهددها خطر انفجار صراع مع أرمينيا، لذا ستحاول التوازن في علاقاتها بين أمريكا وتركيا وروسيا”، أما أرمينيا “فستفقد السيادة على جزء من أراضيها، ما قد يؤدي إلى تأجج الغضب الشعبي ضد الحكومة، واندلاع الاحتجاجات، التي قد تتطور لانقلاب مدعوم روسيًا”.
ووفقًا لتحليله، ستؤثر الاتفاقية على سوق النفط والغاز، “فتنخفض أسعار الغاز الروسي بنسبة 30% بسبب المنافسة، وترتفع قيمة خطوط الأنابيب الأذربيجانية مثل:( TAP)؛ كما تؤجج التحركات العسكرية في المنطقة، حيث “يتحول الممر إلى بؤرة توتر مثل: مضيق هرمز، ومن المحتمل نشر قوات أمريكية- تركية مقابل أخرى روسية- إيرانية فيها”
موازين القوى
يرى “الألفي”: أن تلك الاتفاقية ستغير موازين القوى في العالم، “فتكرس الهيمنة الأمريكية على طرق الطاقة العالمية، فقد كشف تقرير مركز RAND للأبحاث عام 2023 عن أن واشنطن تخطط لإستراتيجية شريان الحياة في القوقاز، في تحدثت تسريبات موقع كاونتربنت عن مفاوضات سرية بين يريفان وواشنطن منذ 2022، وأظهرت خرائط الجيش الأمريكي زانجيزور منطقة للعمليات المحتملة”.
وأضاف: وعلى الجانب الآخر، “تفقد الاتفاقية روسيا بوابتها الجنوبية لتصدير السلاح والغاز، فيما تضطر الصين إلى إعادة هندسة مشاريعها في آسيا الوسطى، وتسرع إيران وتيرة برنامجها النووي ردًا على التطويق”.
وأخيرًا، خلص إلى أن هذا الممر يينهي إلى أحد سيناريوهين، أكثرهما تفاؤلًا أن “يصبح سويسرا جديدة للتجارة، ويُنهي النزاعات الأرمينية- الأذربيجانية؛ ولكن يبقى سيناريو كارثي يلوح في الأفق، فقد يتسبب في اندلاع حرب إقليمية، تشمل روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة”، ويبقى الحديث عن التبعات الجيوسياسية للممر والاتفاقية والصراعات حوله لم ينتهي، لنتابعه في الحلقة القادمة على موقع اليوم.