
تقرير: هالة عبد الهادي
تشهد المواجهة بين روسيا وأوكرانيا تحولاً نوعيًا باتجاه مواجهة شاملة متعددة الأبعاد. وتكثف روسيا هجماتها الجوية والبرية مستخدمة مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ لترويع المدن الأوكرانية وإحداث دمار كبير، كما توعد “دميتري بيسكوف”- المتحدث باسم الكرملين- بقصف المنشآت العسكرية الأوروبية والأمريكية المتورطة في توريد الأسلحة إلى كييف، حال استمر التمويل الغربي، محذراً من أن مواصلة الدعم يعني “ضرب المنشآت التي تنتج تلك الأسلحة”، ويرى: أن هذه المساعدات تمثل “ابتزازاً”، وتدفع كييف للابتعاد عن مسار السلام.
وتعتبر موسكو أن الغرب يدفع دول حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، لتحمل جزء من أعباء التسليح الأوكراني، عبر منح كييف منظومات دفاع جوي ومعدات متطورة مثل: “ATACMS وTaurus”، مع تنسيق دعم أمريكي- أوروبي مباشر على خطوط النار.
وعلق “بسام البني”- خبير الشؤون الاستراتيجية والعسكرية- على ذلك التحرك، قائلاً: “لو كنت مكان بوتين، لأصدرت أوامري منذ اليوم الأول بقصف أي دولة تزود أوكرانيا بالسلاح، فور سقوط أي قذيفة على الأرض الروسية الأصلية”، مؤكدًا: أنه بدون الدعم الغربي، لم تكن أوكرانيا لتصمد حتى اليوم، “نحن أمام مواجهة عالمية، ولكن بأدوات غير تقليدية”.
ردّ غربي
تحرك المعسكر الغربي سريعًا للرد على التهديد الروسي، فجدد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” والتكتلات الغربية التزامها بدعم أوكرانيا، مطلقًا تهديداً بفرض تعريفات جمركية قاسية بنسبة 100%، وعقوبات ثانوية على روسيا وداعميها إذا لم تتوقف العمليات خلال 50 يوماً.
كما تعهّدت قوات الناتو بإرسال منظومة “باتريوت” المضادة للطائرات والدروع إلى كييف، فيما خصصت خطة “Readiness 2030” الأوروبية نحو 800 مليار يورو لتعزيز القدرات الدفاعية، وزيادة جاهزية الجبهة الأوروبية.
وأقر الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة تستهدف النفط الروسي، وشبكات النقل البحري المعروفة “بالأسطول الخفي”، وخط أنابيب الغاز “نورد ستريم”، مؤكداً تصميمه على استمرار الضغط حتى توقف الحرب، وفي المقابل، تصدت القوات الأوكرانية للهجمات، واستعادت زمام المبادرة في بعض المناطق الشرقية، وفق تقارير عسكرية حديثة.
معالم مواجهة شاملة
ردّاً على الدعم المتزايد لكييف، هدّد “ديميتري ميدفيديف”- نائب رئيس مجلس الأمن الروسي- باتخاذ ضربات وقائية ضد دول الغرب إذا تجاوز الدعم الخطوط الروسية، مؤكداً أن موسكو جاهزة لمواجهة أي تصعيد وأن الأداء الاقتصادي العسكري لا يزال قوياً على الرغم من العقوبات؛ وتواصل روسيا العمل بأسلوب هجيني يشمل الحرب الإلكترونية والمعلوماتية ضد الدول الداعمة لكييف، مع تكثيف أنشطة التخريب والاستخبارات وحملات التضليل لإضعاف الموقف الأوروبي.
كما تتجه موسكو إلى تصعيد الغارات الجوية، مع تهديدات متزايدة ضد أوروبا والولايات المتحدة، بينما تطالب أوكرانيا بتزويدها بأنظمة دفاع جوي وصواريخ بعيدة المدى، بالتوازي مع تكثيف جهودها العسكرية لحماية أراضيها.
ووسط هذا التصعيد و الأجواء المشحونة، تأتي الجولة الثالثة من المفاوضات في إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا، بوساطة تركية ودعم من أطراف دولية، في محاولة لخفض التصعيد، وسط توقعات متواضعة بشأن فرص نجاحها.
ويشهد النزاع حالياً تحولاً ملموساً نحو مواجهة شاملة، يشمل الأبعاد الاقتصادية والدبلوماسية والتكنولوجية والأمنية، إذ تلجأ روسيا لتصعيد عسكري مع تهديدات مباشرة، فيما يرد الغرب بحشد تسليحي وفرض عقوبات مؤلمة، وتقف أوكرانيا في قلب الصراع متبنية خيار “النصر الدفاعي”؛ فأضحى الأمر مواجهة استراتيجية كبرى، تمس الأمن الأوروبي والعلاقات الغربية- الروسية وتشي بمصير غامض.