الرئيسيةعرب-وعالم

الحزام والطريق عبر القاهرة: تعاون اقتصادي يعيد رسم خارطة الإقليم والعالم  

تقرير: محمد السنهوري

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام العالمي، تبرز العلاقات الصينية المصرية والعربية شريكًا محوريًا، في صياغة ملامح تعاونٍ استراتيجي متعدد الأبعاد، إذ أولت الصين اهتمامًا متزايدًا بمنطقة الشرق الأوسط، ليس بوصفها مصدرًا للطاقة فحسب، بل باعتبارها مساحة خصبة للاستثمار والشراكات طويلة الأمد، وفي القلب من هذا المشهد تقف مصر بثقلها السياسي والجغرافي، باعتبارها بوابة لإفريقيا ونقطة وصل مع أوروبا، مما يمنحها ميزة استثنائية في خارطة المبادرات الصينية العالمية.

ومن خلال الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين، والانخراط الفاعل في مبادرة “الحزام والطريق”، تتجلى فرص نوعية لدعم القطاعات الصناعية والخدمية، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز قدرات الإنتاج المحلي، كما تتيح الاتفاقيات التجارية الحرة- التي أبرمتها مصر مع العديد من الدول حول العالم- للصين منفذًا اقتصاديًا يعزز حركة التجارة والاستثمار المشترك، ويفتح آفاقًا جديدة للتكامل الإقليمي وتبادل الخبرات.

وفي هذا الصدد، قالت الكاتبة الصينية والباحثة “سعاد ياي شين هوا” في تصريحات لجريدة وموقع اليوم: “إن الصين تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع مصر ومنطقة الشرق الأوسط، وتعدّها جزءًا هامًا من استراتيجيتها الدبلوماسية، فقد أقامت الصين ومصر علاقات دبلوماسية رسمية في عام 1956، وتُعدّ مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية، وأول دولة نامية تقيم معها شراكة استراتيجية، وقد حافظ البلدان على تواصل وتبادل وثيق على المستوى السياسي”.

ولفتت إلى أنه: “تحت توجيه الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، تعمّقت الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر بشكل مستمر، ما أرسى أساسًا متينًا للتعاون في مختلف المجالات، وعلى سبيل المثال: في ديسمبر 2024، عقد وانج يي- عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير الخارجية- حوارًا استراتيجيًا مع وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، حيث توصّل الجانبان إلى العديد من التفاهمات الهامة بشأن تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، ودفع التعاون العملي، وتعزيز التنسيق الاستراتيجي، واتفقا على الدعم المتبادل الثابت في القضايا ذات المصالح الجوهرية لكل طرف”.

الحزام والطريق ومصر 2030

أشارت “هوا” إلى أنه: “في مجال التعاون الاقتصادي، قامت الصين بموائمة مبادرة الحزام والطريق مع رؤية مصر 2030، ما ضخّ زخمًا قويًا في مسيرة التنمية الاقتصادية المصرية، وعلى سبيل المثال: تُعدّ منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر في السويس (تيدا) نموذجًا ناجحًا، حيث انطلقت منذ عام 2008، لتصبح اليوم واحدة من أفضل المناطق الصناعية في مصر من حيث البيئة الشاملة، وكثافة الاستثمار، والعائد الإنتاجي، وعدد الشركات الصينية المستثمرة فيها”.

وأضافت: “حتى الآن، جذبت المنطقة 185 شركة باستثمارات تُقدّر بنحو 3 مليارات دولار، وحققت مبيعات تراكمية تجاوزت 5.3 مليارات دولار، ما ساهم في تشكيل تجمعات صناعية تشمل مواد البناء الحديثة ومعدات النفط وغيرها، وفي 2 يوليو 2025، تم وضع حجر الأساس لمصنع ديلونج للزجاج في منطقة التعاون، باستثمار قدره نحو 70 مليون دولار، بهدف إنشاء تجمع صناعي حديث في المستقبل، وتساهم هذه المشاريع الصينية في خلق فرص عمل للسكان المحليين، ورفع المستوى الصناعي في مصر، وتعزيز التحديث الصناعي بشكل ملموس”.

الصين والشرق الأوسط 

فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، لفتت “هوا” إلى أن: “الصين تعتمد مبدأ الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعاون من أجل تحقيق المكاسب المشتركة في تطوير علاقاتها مع دول المنطقة؛ وفي مجال التعاون الاقتصادي، حقّقت مبادرة الحزام والطريق توافقًا استراتيجيًا مع خطط التنمية في عدد من دول الشرق الأوسط، مثل: رؤية السعودية 2030، ورؤية الكويت 2035، ورؤية قطر الوطنية 2030 وغيرها، وضمن إطار المبادرة، نفذت الصين والدول العربية أكثر من 200 مشروع تعاون كبير في مجالات البنية التحتية والطاقة والتجارة”.

ومن أبرز تلك المشروعات: منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ومصفاة ينبع الصينية- السعودية، حيث عادت هذه الإنجازات بالنفع على نحو ملياري شخص من شعوب الجانبين، كما تولي الصين اهتمامًا خاصًا بموائمة مبادرتها مع رؤية التنمية لنحو 20 عامًا في إيران، لتعزيز البنية التحتية وتحفيز قواها التنموية الذاتية.

وعلاوة على ذلك، تسعى الصين إلى تعزيز تنفيذ المبادرات العالمية الثلاث: مبادرة التنمية العالمية، مبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتماشى مبادرة التنمية العالمية مع الخطط الاقتصادية للدول، وتدفع بقضايا التنمية إلى صدارة الأجندة الإقليمية؛ فيما تدعو مبادرة الأمن العالمي إلى أمن مشترك وشامل وتعاوني ومستدام، وتسهم في بناء إطار أمني جديد للمنطقة؛ أما مبادرة الحضارة العالمية، فتدعو إلى المساواة والتبادل والحوار والتسامح بين الحضارات، ما يعزز التعايش السلمي بين مختلف الأعراق والديانات في المنطقة؛ ومن خلال تلك المبادرات، تقدّم الصين حلولًا جديدة للسلام والتنمية في الشرق الأوسط، وتساعد الدول على تحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمع مصير مشترك أوثق.

مثل يحتذى به

يقول الدكتور “تانج تشيتشاو”- زميل باحث أول، ومدير مركز دراسات التنمية والحوكمة في الشرق الأوسط- في تصريحات خاصة لجريدة وموقع اليوم: “إن العلاقة بين الصين ومصر تُعدّ مثالاً يُحتذى به للتعاون الودي بين دول العالم، فبصفتهما حضارتين عريقتين، تربط الصين ومصر تاريخ طويل من التبادلات الودية، وتتشاطران أيضاً وجهات نظر متطابقة بشأن الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية والعالمية”.

وأضاف: “تُعدّ كلٌّ من الصين ومصر قوتين هامتين للتقدم في حماية التنمية والاستقرار الإقليميين وتعزيز حوكمة عالمية أكثر عدالة، وفي الوقت نفسه، وبصفتهما دولتين رئيسيتين في آسيا وأفريقيا، تشترك الصين ومصر أيضاً في مصالح مشتركة في التنمية الاقتصادية والتعاون الاقتصادي، وهناك مجال واسع للتعاون الثنائي، حيث تدعم الصين عملية التنمية الاقتصادية والإصلاح والتحديث في مصر، وهي على استعداد لمشاركة خبراتها في الإصلاح والتنمية مع مصر لبناء طريق الحرير المشترك الموجه نحو القرن الحادي والعشرين”.

وتحافظ الصين على علاقات تعاون ودية طويلة الأمد مع دول الشرق الأوسط، وتعتبر الدول العربية أخوةً وشركاءً وأصدقاءً جيدين. تُعدّ دول الشرق الأوسط شريكةً استراتيجيةً للصين في التعاون الخارجي، وشريكةً مهمةً في مبادرة الحزام والطريق، كما تعمل الصين والدول العربية بنشاط على تعزيز بناء مجتمع صيني-عربي ذي مصير مشترك.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights