تقرير: مصطفى على
يوم الجمعة، ليس مجرد يوم أسبوعي يمر بين خميس وسبت، بل هو موعد إلهي تتنزل فيه الرحمات وتُرفع فيه الدعوات إلى رب الأرض والسماوات هو “سيد الأيام” الذي اختصه الله بفضائل عظيمة ومكانة رفيعة بين أيام الأسبوع، حتى جعله عيدًا أسبوعيًا للمسلمين، يتباركون به ويتقربون فيه بالدعاء والتضرع، خاصة في “ساعة الإجابة” التي تتغير الأقوال في تحديدها، ولكن لا يختلف أهل العلم في عظيم بركتها.
ساعة الاستجابة.. متى تفتح أبواب السماء؟
رُوي عن النبي ﷺ أن في يوم الجمعة ساعة لا يُوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه، وهي على الأرجح ما بين العصر والمغرب إنها ساعة ترجى فيها الإجابة وتُغتسل فيها الأحزان من القلوب ومن هنا تزداد أهمية البحث عن أدعية جامعة تشمل خير الدنيا والآخرة، وتستفتح بها أبواب السماء.
دعاء جامع في يوم الجمعة.. حديث القلوب إلى الله
«اللهم لا تحرمني وأنا أدعوك، ولا تخيبني وأنا أرجوك، يا فارج الهم وكاشف الغم، يا مجيب دعوة المضطرين، ارحمني برحمتك، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام».
هذا الدعاء يضم بين كلماته نداء المضطر ورجاء العبد الفقير، يمزج التوسل بأسماء الله الحسنى ويطلب رحمة رب العالمين، رحمةً تحيط بالدنيا والآخرة، وتغسل الذنوب والخطايا.
نور يُضيء القلب.. أنوار أدعية النور النبوي
كان رسول الله ﷺ يدعو في صلاته قائلاً:
«اللهم اجعل لي في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن أمامي نورًا، ومن خلفي نورًا، واجعل في نفسي نورًا، وأعظم لي نورًا».
دعاء المضطر.. نداء القلوب المحملة بالهموم
«اللهم اكشف عني كل بلوى، يا عالم كل خفية، يا صارف كل بلية، أغثني، أدعوك دعاء من اشتدت به فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته، دعاء الغريق المضطر».
إنه دعاء المضطرين، أولئك الذين ضاقت بهم الأرض بما رحبت. دعاءٌ يهز العرش، ويُقال بقلب يوقن أن الفرج قريب، وأن من ابتلاه لا يعجزه أن يرفعه عنه برحمة واحدة من رحماته التي وسعت كل شيء.
دعاء الرزق في يوم الجمعة.. أبواب السماء لا توصد
في يوم الجمعة، يتوسل المؤمن بالرزق، راجيًا من الله أن يسوقه من حيث لا يحتسب، فيدعو:
«اللهم يا مُسبب الأسباب، يا مُعطي الأرزاق، ارزقني رزقًا حلالًا طيبًا، يكون بركة في حياتي، ويسعد به قلبي، ويفرح به أهلي».
كما قال النبي ﷺ:
«اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك».
دعاء للمريض في الجمعة.. شفاء لا يغادر سقما
«أذهب البأس رب الناس، اشفِ وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا»، هذا الدعاء النبوي هو نبض أمل لكل مريض يتألم، ولكل قلب ينتظر فرجًا قادمًا من السماء.
وفي جمعة الخير، لا يُنسى المريض من الدعاء، فهو أحق بالرحمة، وأقرب إلى الله بكسره وضعفه، وقد تكون دعوته سببًا لشفائه أو رفعته في الدرجات.
دعاء للأم المتوفية
من بين أصدق الأدعية في يوم الجمعة، ما يكون للأم المتوفاة، فهو من البر الذي لا ينقطع، ويضيء القبر بأنوار الرحمة. يقول الابن الصالح:
«اللهم اجعل قبر أمي روضة من رياض الجنة، لا حفرة من حفر النيران، اللهم اجعلها ممن قلت فيهم ﴿لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد﴾، اللهم اجعلها من السعداء، وارحمها رحمةً تغنيها عن رحمة من سواك»
دعاء مختصر لكنه عظيم الأثر
ليس شرطًا أن يكون الدعاء طويلًا ليبلغ السماء، فقد تكون كلمة واحدة، بصدق ويقين، هي المفتاح للفرج ومن ذلك قول النبي يونس عليه السلام في بطن الحوت:
«لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».
قال النبي ﷺ: «دعوة ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله عنه».
أدعية قرآنية خالدة.. كنوز يوم الجمعة
لا يخلو القرآن الكريم من أدعية جامعة جاءت على ألسنة الأنبياء، وهي من أنفع ما يدعو به المؤمن في هذا اليوم الفضيل، ومنها:
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾
﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾
﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾
﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾
﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾
هذه الأدعية صيغ إيمانية بديعة، جمعت بين الرحمة، والمغفرة، والرزق، والهداية، والثبات، وكلها مما يستحب الإكثار منها في يوم الجمعة
لماذا علينا أن نُكثر من الدعاء في يوم الجمعة؟
لأن الجمعة هي فرصة روحية متجددة كل أسبوع، تضع المؤمن أمام أبواب الجنة، وتفتح له سبل الطمأنينة والرضا، وفيها تُقال دعوات قد تغير مسار حياة، وتُكتب بها مقادير جديدة.
في الجمعة، نحن نحتاج أن نلجأ إلى الله، لا ليرفع عنا فقط هموم الدنيا، بل ليرزقنا نور القلوب، وصفاء السريرة، ومقام الرضا.
الدعاء جسرٌ بين العبد وربه، فلا تحرم نفسك من عبوره
في يوم الجمعة، تتجدد الأرواح وتتطهر النفوس، ويكفي أن تهمس بقلبك قبل لسانك: “يا رب”، وستجد الله أقرب مما تتصور. فليكن لك في هذا اليوم وردٌ من الدعاء، لا يقطعه انشغال ولا يشتته هم، وكن على يقين أن ما تُبثه لله في الجمعة لا يضيع أبدًا.
