شهدت مصر صباح اليوم حدثًا استثنائيًا في تاريخ العلاقة بين العلوم الشرعية والفضاء، حيث انطلقت من مقر وكالة الفضاء المصرية فعاليات تدشين المشروع العلمي المشترك بين مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ووكالة الفضاء المصرية، لدراسة النوازل الفقهية المتعلقة بأحكام الفضاء، في مبادرة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم الإسلامي.
هذا المشروع يُعد خطوة رائدة في دمج معطيات العلم الحديث بالاجتهاد الشرعي المؤسسي، وتأكيدًا على أن الأزهر الشريف لا يزال في مقدمة المؤسسات الدينية القادرة على الاستجابة لتحديات العصر، والاشتباك الواعي مع مستجداته.
حضور رفيع المستوى: قامات علمية ودينية تطلق المشروع من قلب وكالة الفضاء
شهد حفل التدشين حضور عدد من الرموز الكبرى في المؤسسات الدينية والعلمية في مصر، في مقدمتهم:
فضيلة الأستاذ الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، ورئيس مركز الأزهر العالمي للفلك الشرعي وعلوم الفضاء.
فضيلة الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية.
فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية.
الدكتور شريف صدقي، الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية.
فضيلة الدكتور محمد عبد الدايم الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، ونائب رئيس مركز الأزهر العالمي للفلك.
عكس هذا الحضور المشترك حرص الأزهر والجهات العلمية الوطنية على التعاون البنّاء، والتكامل بين المرجعيات الشرعية والمؤسسات البحثية لتقديم معرفة فقهية مواكبة للتغيرات التكنولوجية والعلمية.
أهداف المشروع: فقهٌ يتجاوز حدود الأرض
في جو مشبع بالتفاعل العلمي والديني، أكّد المتحدثون في الافتتاح أن المشروع الجديد لا يقتصر على كونه بحثًا علميًا أو اجتهادًا شرعيًا فحسب، بل يمثل تحولًا نوعيًا في النظرة إلى “الفقه الإسلامي في البيئات الفضائية”.
ويهدف المشروع إلى:
تأصيل الأحكام الشرعية للنوازل الفضائية، كأداء العبادات في الفضاء، وتحديد مواقيت الصلاة والصيام في بيئات غير أرضية.
إنتاج معرفة فقهية تراعي الواقع الفضائي، وتسهم في توجيه رواد الفضاء المسلمين، والسياح الفضائيين، والعاملين في المحطات المدارية.
دعم المجامع الفقهية والمؤسسات الدينية في تقديم فتاوى مستنيرة قائمة على بيانات علمية دقيقة.
تطوير مناهج تعليمية وأدلة إرشادية تساعد على توعية المجتمع المسلم بما يستجد من مسائل في عالم الفضاء والاستيطان الكوكبي المحتمل مستقبلًا.
محطة انطلاق للاجتهاد العلمي الشرعي في عصر الفضاء
الملتقى الذي عقد ضمن فعاليات التدشين يُناقش محاور علمية وفقهية متعددة، ويضم نخبة من العلماء المتخصصين في الفقه، وعلوم الشريعة، وعلوم الفضاء، ويعمل على تقديم إجابات مدروسة لأسئلة باتت أكثر إلحاحًا في هذا العصر، مثل:
كيف يؤدي المسلم صلاته في بيئة عديمة الجاذبية؟
ما الضوابط الشرعية للصيام في المدار الأرضي المنخفض حيث يتكرر شروق الشمس وغروبها مرات عديدة يوميًا؟
ما الموقف الفقهي من بيع الأراضي على القمر، أو تملك المدارات الصناعية؟
ما أحكام الطهارة في بيئات مغلقة ومعقّمة مثل المركبات والمحطات الفضائية؟
كيف يتم التعامل مع حالات الوفاة في الفضاء؟ وهل هناك آلية شرعية لدفن الجثامين خارج الأرض؟
يعكس هذا المشروع المشترك مدى حرص الأزهر الشريف على تطوير آلياته الاجتهادية في ضوء معطيات العلوم الحديثة، والتفاعل الإيجابي مع المؤسسات الوطنية مثل وكالة الفضاء المصرية، لتقديم نموذج “الاجتهاد المؤسسي” الذي لا ينفصل عن النصوص الشرعية، ولا يتجاهل المعطيات العلمية الحديثة.
وتمثل هذه الخطوة امتدادًا لتاريخ الأزهر في التعامل مع النوازل، واستلهامًا لتجارب كبار علماء الأزهر في الربط بين العلم والدين، وفي مقدمتهم الشيخ حسن العطار، والشيخ الدمنهوري، وغيرهما من أعلام الاجتهاد الأزهري.
الأزهر في الفضاء: انفتاح على المستقبل بروح إسلامية واعية
بهذا المشروع، يخطو الأزهر الشريف خطوة واثقة نحو المستقبل، مثبتًا أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان، وقادر على احتضان التغيرات الكونية الكبرى، والتفاعل معها فقهًا وتشريعًا، بروح رحبة تجمع بين الأصالة والتجديد، والثبات والتطور.
ويُنتظر أن يُنتج هذا المشروع مخرجات علمية وفقهية تسهم في صياغة فتاوى جديدة، وتطوير أدبيات فقهية مرتبطة بعصر ما بعد الأرض، مما يضع الأزهر في موقع الريادة الفكرية عالميًا في مجال “الفقه الفضائي”
اختُتمت الفعالية بتأكيد الحضور على أن هذا المشروع هو مجرد البداية في مسيرة طويلة من العمل المشترك، وسيتم لاحقًا عقد ملتقيات علمية دورية، وإصدار مؤلفات، وتنظيم ورش تدريبية لفئات متعددة، منها الفقهاء، وطلاب العلوم الشرعية، ورواد الفضاء المسلمين.
