الإسلام وعلاج القلق والاكتئاب عند المراهقات.. منظومة روحية ونفسية

تقرير: مصطفى على
المراهقة ليست مجرد جسر بين الطفولة والرشد، بل هي مرحلة صاخبة بالمشاعر، مليئة بالأسئلة الوجودية، حيث تسأل الفتاة نفسها: من أنا؟ هل أنا جميلة بما يكفي؟ هل سأحقق النجاح؟ هذه التساؤلات البريئة تتحول أحيانًا إلى صراعات نفسية، خاصة مع هيمنة السوشيال ميديا على تفاصيل الحياة اليومية، حيث تضخ الشاشات صورًا معدّلة ووجوهًا مثالية وأجسادًا مرسومة بفلتر رقمي، تجعل المقارنات حتمية، والضغط النفسي مضاعفًا.
وسط هذا المشهد، يقدّم الإسلام منظومة علاجية متكاملة لمواجهة القلق والاكتئاب، منظومة لا تقتصر على الجانب الروحي وحده، بل تشمل العقل، والجسد، والسلوك، وتعيد ترتيب الأولويات بما يضمن التوازن النفسي والطمأنينة الداخلية.
الاضطرابات النفسية بين الرؤية الطبية والتصور الإسلامي
ينظر الإسلام إلى الإنسان باعتباره وحدة متكاملة من جسد وروح وعقل، فإذا اختل أحد الأبعاد انعكس الخلل على البقية وهنا يرفض الإسلام اختزال الأمراض النفسية في “ضعف الإيمان”، فهي ابتلاء يحتاج إلى علاج علمي وروحي في آنٍ واحد.
قال تعالى:
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد: 4]،
أي أن الإنسان يعيش معاناة وصراعًا مستمرين، وهذه طبيعة الوجود. أما السنة النبوية، فقد اعترفت بالمشاعر الإنسانية الطبيعية؛ فالرسول ﷺ لم ينهَ عن الحزن والخوف لذاتهما، وإنما أرشد إلى التعامل معهما بالدعاء والذكر، كما في قوله: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن” (رواه البخاري).
ركائز الإسلام في علاج القلق والاكتئاب
يقوم التصور الإسلامي للعلاج النفسي على ثلاث ركائز مترابطة:
1. إصلاح العلاقة بالله: عبر الصلاة، الذكر، والدعاء، حيث يجد القلب الطمأنينة، كما قال تعالى:
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
2. إصلاح التفكير: عبر النظرة الإيجابية للابتلاءات، انطلاقًا من قوله تعالى:
﴿عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216].
3. إصلاح السلوك: من خلال أعمال الخير، حيث أثبتت الدراسات أن المساعدة التطوعية وممارسة العطاء تقلل القلق وتعزز الشعور بالجدوى والقيمة الذاتية.
العبادات.. صمّام الأمان النفسي
الصلاة: ليست مجرد فرض تعبدي، بل جرعة يومية من السلام الداخلي. فهي تفصل المراهقة عن عالم المقارنات الرقمية، وتعيدها إلى اتصال مباشر مع الله. قال تعالى:
﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45].
دراسات حديثة كشفت أن الصلاة تقلل نشاط مراكز التوتر في الدماغ، وتزيد من إفراز هرمونات الراحة.
الصيام: تدريب عملي على الصبر وكبح الانفعالات، حيث تتعلم المراهقة ضبط ردود أفعالها تجاه الضغوط.
القرآن الكريم: دواء القلوب والعقول. الاستماع لتلاوة القرآن ينشّط مناطق الدماغ المرتبطة بالراحة والسكينة بعض الدراسات قارنت تأثير تلاوة القرآن بالعلاج بالموسيقى، لتؤكد أن القرآن يمنح راحة نفسية أعمق تتجاوز البعد العصبي إلى الإيماني.
مع بروز إنستغرام وتيك توك، تعيش الفتيات في دوامة من المقارنات الجمالية والنجاحات الوهمية.
الضغط الجمالي: الفلاتر والصور المثالية تولّد إحباطًا وانعدامًا للثقة بالنفس، وقد تؤدي إلى اضطرابات أكل. والإسلام يواجه هذا الوهم بقاعدة راسخة: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” (رواه مسلم).
الغيرة الرقمية: المقارنات المستمرة تسرق بركة النفس. الإيمان بالقدر يعيد التوازن؛ إذ يدرك الإنسان أن الأرزاق موزعة بعدل إلهي، فيتحرر من فخ الغيرة والدونية.
القدر والرضا.. درع نفسي ضد الانهيار
الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني استسلامًا سلبيًا، بل يقينًا بأن كل ما يحدث يحمل حكمة. يقول النبي ﷺ: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير” (رواه مسلم).
هذه العقيدة تجعل المراهقة أقل عرضة للانهيار عند الفشل الدراسي أو التنمر، لأنها تدرك أن المستقبل بيد الله، وأن رحمته أوسع من مخاوفها.
شهادات من الواقع.. حين كان الدين طوق النجاة
سارة (17 عامًا): كانت تعاني من نوبات هلع بسبب الدراسة، حتى نصحتها والدتها بقراءة سورة الملك قبل النوم، فوجدت في ذلك طمأنينة وراحة.
مريم (16 عامًا): شعرت بالدونية بسبب مقارنات إنستغرام، لكنها بعد التحاقها بدروس تحفيظ القرآن أدركت أن قيمتها في ذكر الله لا في لون بشرتها.
ليلى (15 عامًا): أصابها الاكتئاب بعد فقدان صديقة، لكن دعاء النبي ﷺ: “اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها” كان بداية التعافي.
دور الأطباء النفسيين والعائلة في العلاج
الطبيب النفسي المسلم: يستطيع الدمج بين العلاج العلمي (مثل العلاج المعرفي السلوكي) والقيم الإسلامية، فيقدّم نموذجًا متكاملًا يعالج الفكر والسلوك والروح.
العائلة: تمثل الحاضنة الأولى للمراهقة، إذ يوصي الإسلام بالاحتواء الصادق، والحوار المفتوح، بدل الاكتفاء بالنصح الجاف أو اللوم.