“السكوتر الكهربائي”.. وسيلة تنقل عصرية تتحول إلى تهديد مروري جديد
خبراء يحذرون من استخدامه العشوائي.. ومطالب بتشريعات عاجلة لتقنينه وتجنب تكرار أزمة "التوك توك"

تقرير – آيــة زكـي
تحول “السكوتر الكهربائي” من مجرد وسيلة تنقل عصرية وصديقة للبيئة إلى صداع جديد في رأس الشارع المصري، مع تزايد ملحوظ في استخدامه، لا سيما بين الأطفال والمراهقين، وسط غياب شبه كامل لأي تشريعات أو ضوابط قانونية تنظم سيره أو تحدد معايير امتلاك.
قرار حاسم من محافظ الجيزة.. ومنع تداول السكوتر الترفيهي للأطفال
محافظة الجيزة كانت أول من بادر بخطوة تنفيذية، حيث أصدر المحافظ عادل النجار، قرارًا بمنع تداول واستخدام السكوتر الكهربائي داخل نطاق المحافظة، خاصة الأنواع المخصصة للأطفال والمستخدمة في الطرق العامة والشوارع والمحاور الحيوية.
وأوضحت المحافظة في بيان رسمي، أن هذه الوسيلة تستخدم “كلعبة” من قبل الصبية في أماكن غير مخصصة، ما يُعرّضهم والمارة لمخاطر كبيرة، خاصة مع تسجيل عدد من الحوادث المرتبطة بقيادة هذه المركبات من دون أي وعي أو رقابة.
وأكد النجار ضرورة التصدي الحازم لاستخدام وسائل التنقل غير المرخصة، مشددًا على أهمية التوعية الأسرية بخطورة استخدام السكوتر الكهربائي في الأماكن العامة.
● استشاري الصحة النفسية : السكوتر يعزز التهور ويُضعف الإدراك المجتمعي للمخاطر
قال الدكتور علي عبد الراضي، أستشاري الصحة النفسية، إن السماح للأطفال والمراهقين باستخدام السكوتر الكهربائي دون رقابة يعزز سلوكيات خطيرة في سن تشكل فيها التجارب الأولى وعي الإنسان بالمخاطر والحدود.
وأضاف عبد الراضي في تصريحات خاصة لـ “اليوم“هذه الفئة العمرية تبحث عن المغامرة وكسر القواعد، والسكوتر يوفر وسيلة للتحرك السريع والاندماج المجتمعي وسط أجواء غير منظمة، ما قد يترسّخ لاحقًا في صورة سلوكيات متهورة دائمة، مؤكدًا، أن الخطر النفسي لا يقل عن الخطر البدني، حيث يشعر الطفل بقوة وهمية حين يقود مركبة بلا ترخيص ولا رقابة، وهو ما يضعف ارتباطه بفكرة القانون والالتزام.
وحذر من أن غياب التوجيه الأسري والمؤسسي قد يُنتج أجيالًا أكثر استعدادًا لتجاوز القواعد المجتمعية، معتبرًا أن السكوتر قد يكون مدخلًا للتمرد على الضوابط وليس مجرد وسيلة تنقل.
● استاذ إدارة محلية: تقنين “السكوتر الكهربائي” ضرورة.. ومنع استخدامه ليس الحل
ومن جانبه،أكد الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية، أن السكوتر الكهربائي ليس أزمة في حد ذاته، مشيرًا إلى أن التعامل مع هذه الوسيلة يجب أن يكون عبر التقنين والتنظيم، وليس المنع المطلق، حفاظًا على الأرواح وتنظيم الحركة المرورية.
وأوضح عرفة في تصريحات خاصة لـ”اليوم” ، أن الحل يكمن في إصدار تراخيص رسمية للسكوتر، وتحديد خطوط سير محددة له، وذلك من خلال تفعيل دور المحافظات بالتعاون مع إدارات المرور، مشددًا على ضرورة إنشاء وحدة متخصصة بكل محافظة تحت مسمى “وحدة تراخيص السكوتر الكهربائي والتوك توك”، تتولى التنظيم وفقًا لقانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وقانون المرور رقم 121 لسنة 2008،مشيرًا إلى أن محافظة الجيزة هي الوحيدة التي أصدرت قرارًا بشأن تنظيم استخدام السكوتر، بينما لا تزال باقي المحافظات، وعددها 26 محافظة، تفتقر إلى أي تحرك فعلي تجاه الأزمة.
ولفت استاذ الإدارة المحلية، إلى أن أكثر من 92% من مستخدمي السكوتر حاليًا هم أطفال دون 18 عامًا، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحياتهم، خاصة أن بعض أنواع السكوتر تصل سرعتها إلى 70 كيلومترًا في الساعة، في ظل غياب الرقابة والمحاسبة، مضيفًا، أن انتشار السكوتر الكهربائي بهذا الشكل غير المنظم ساهم في دخوله ضمن دائرة الاقتصاد غير الرسمي، ما يتسبب في خسارة الدولة لموارد مالية كبيرة، منها رسوم التراخيص والغرامات، التي لا يتم تحصيلها نتيجة غياب التنظيم والتقنين.
ودعا عرفة إلى ضرورة إطلاق حملات توعوية موسعة تستهدف الأطفال وأولياء الأمور داخل المدارس ومراكز الشباب والنوادي، للتنبيه إلى مخاطر قيادة السكوتر دون وعي أو ترخيص.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أن السكوتر قد يمثل وسيلة نقل بديلة ومفيدة، خاصة في المناطق النائية والريفية التي تعاني من ضعف وسائل النقل التقليدية، إذا ما تم تقنين استخدامه بشكل قانوني ورسمي، بدلًا من اتخاذ قرارات منع جزئية لا تعالج أصل المشكلة.
● خبير اقتصادي: التقنين فرصة اقتصادية لمدمجة مع الاقتصاد الرسمي
ومن جهته، يرى الخبير الاقتصادي السيد خضر، أن انتشار السكوتر الكهربائي يعكس فجوة في منظومة النقل المحلي، مشيرًا إلى أن الاعتماد المتزايد عليه سببه المباشر هو غياب وسائل نقل بديلة منخفضة التكاليف وآمنة.
وأوضح خضر في تصريحات خاصة لـ”اليوم” أن الفوضى الحالية ليست فقط أزمة مرورية، بل تهدد بنية السوق نفسها، لأن استيراد هذه المركبات يتم بشكل غير منظم، من دون مراقبة جودة، ولا خضوع لمعايير تصنيع أو أمان.
وقال: بدلًا من منع السكوتر أو تجاهله، يجب دمجه في الاقتصاد الرسمي من خلال تشريعات تنظيمية، وفتح باب التصنيع المحلي وفق مواصفات واضحة، ما يخلق وظائف ويعزز التصدير مستقبلاً.
وأضاف الخبير الاقتصادي، أن دمج هذه الوسائل ضمن الاقتصاد الرسمي سيساعد على تحصيل رسوم ترخيص وتأمين وضرائب، مما يحقق عوائد للدولة، بدلًا من أن تظل وسيلة منتشرة خارج السيطرة القانونية أو الاقتصادية.