الرئيسيةعرب-وعالم

خطة بايرو للتقشف تنذر بعاصفة تعيد رسم خارطة أوروبا

10 سبتمبر... سترات صفراء أخرى توسع الصدع الأوروبي

تقرير: مروة محي الدين

هل يمكن أن تكون إعادة لمظاهرات السترات الصفراء؟

“ربما تكون أسوأ من ذلك، حال تصاعدت الأحداث وحدث صدام”… هكذا أجاب الدكتور “محمد الألفي”- خبيرالاقتصاد السياسي- على التساؤل حول الاحتجاجات التي أعلن عن إطلاقها، في 10 سبتمبر 2025، في فرنسا ضد خطة التقشف، التي وضعتها حكومة رئيس الوزراء الفرنسي “فرنسوا بايرو”.

وبهدف توفير 43.8 مليار يورو، في ميزانية 2026، تضمنت الخطة: إلغاء عطلتين رسميتين: يوم الإثنين بعد عيد الفصح، و8 مايو- ذكرى النصر على النازية؛ كما وضعت فيها عدة تخفيضات جذرية، منها: خفض 5 مليارات يورو من ميزانية الصحة، وتجميد معاشات التقاعد 3 سنوات، وتقليص الإعانات الاجتماعية 15%؛ ثم زادت الإنفاق العسكري إلى 3.5 مليارات يورو، علىالرغم من سياسة التقشف.

من ينظمها؟

وتحت شعار أوقفوا التقشف، أعلن عشرون ناشطا مستقلا تحالف “تعبئة 10 سبتمبر”، الذي ينتمي لليسار الراديكالي، المعاد لسياسات العقاب الجماعي للفقراء، بهدف عودة العمل بعطلتي الإثنين بعد عيد الفصح وعيد النصر 8 مايو، و وقف التخفيضات في الصحة والتعليم؛ وانضمت إليهم الجبهة الشعبية، الممثلة لليسار المتشدد، بقيادة “جان لوك ميلنشون”- زعيم حزب فرنسا الأبية، ودعم من الحزب الاشتراكي والشيوعي، وأعلنت أهدافها من الاحتجاجات في إسقاط حكومة  “بايرو” عبر تصويت بحجب الثقة، وفرض ضرائب على الشركات الكبرى، بدلاً من تقليص الإنفاق الاجتماعي، كما تركز على حقوق العمال.

كما انضمت النقابات العمالية للجهات المنظمة للاحتجاج، وأبرزها الاتحاد العام للعمل (CGT) بقيادة “صوفي بينيه”، والاتحاد الفرنسي الديمقراطي للعمل (CFDT)، مطالبة بإلغاء تجميد المعاشات، وحماية ميزانيات الخدمات العامة؛ ويستغل التجمع الوطني– ذو التوجه القومي المحافظ- بقيادة “مارين لوبان وجوردان بارديلا” الإعلان عن ذلك الحراك المزمع، في هزّ صورة الحكومة دون تبني مطالب اليسار الاجتماعيّة.

وقد وضعت تلك الجهات عدة مواقع للتظاهر والتجمهر، من بينها ساحة الكونكورد في العاصمة باريس، وساحة بيلكور في ليون، وميناء فيو في مارسيليا، وساحة الكابيتول في تولوز؛ وقدروا الأعداد المحتلمة لمجموع المشاركين في عموم البلاد بنحو 10 ملايين متظاهر، يتضمنون العائلات القابعة تحت خط الفقر والمقدرة نسبتهم بنحو 34.3%، والشباب الذين يعانون البطالة وتقدر نسبتهم بنحو 17.6%، والمتقاعدين المتضررين من تجميد المعاشات.

تأثيرات محلية

مع قوة التحالفات المنظمة لتلك التظاهرات، وأعداد المتظاهرين المستهدفة، يبرز السؤال: عما إن كانت ستحقق ما دعت له؟

وقد أجاب “الألفي” على ذلك التساؤل، قائلًا: “ثمة احتمالات ثلاثة لنتائج تلك الاحتجاجات: فإما تتراجع الحكومة وتوقف إلغاء العطلتين، لكسب ثقة الشارع وتهدئته، وتعدل بنود تجميد المعاشات، وهو أقوى الاحتمالات؛ أو تصعد رد فعلها، فتستند إلى البند الثالث من المادة الدستورية رقم (49)، وتمرر الميزانية دون تصويت برلماني، وعليه تتحول الاحتجاجات إلى نسخة ثانية من حركة السترات الصفراء، وهو احتمال قوي آيضًا؛ آو تسقط الحكومة، وهو أضعف الاحتمالات، حيث ينجح اقتراح حجب الثقة بدعم من اليسار واليمين المتطرف، ويستقي بايرو وتشكل حكومة جديدة، وهو أضعف الاحتمالات”.

وفي وصفه لتلك التظاهرات وأهدافها، قال “ميلنشون”: “هذه ليست احتجاجات عادية، بل ثورة على نموذج كامل يضحّي بالضعفاء لحماية الأغنياء”، وهو ما يعطي تلك التظاهرات بعدًا أقوى من مجرد حراك احتجاجي عابر، وأنها ستلقي بظلالها على الشارع السياسي والحياة العامة.

حيث يقول خبير الاقتصاد السياسي: “ثمة تأثيرات كبيرة محتملة لتلك التظاهرات على كامل فرنسا، فعلى الجانب الاقتصادي: قد تكلف تلك التظاهرات فرنسا خسائر يومية تقدر بمليار يورو، بسبب شلل النقل والخدمات، كما تقد تؤدي إلى تدهور تصنيف فرنسا الائتماني، البالغ حاليًا(AA-)؛ وعلى المستوى السياسي: تمثل اختبار لمتانة تحالف (معاً) الحاكم، وكذلك حال فشلت الحكومة في احتواء الأزمة، قد تتصاعد الدعوات لتصل للمطالبة باستقالة ماكرون؛ وفي الجانب الاجتماعي: قد تتسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وترتفع معدلات الجريمة في الأحياء الفقيرة”.

تداعيات دولية

يرى معهد بروجل للأبحاث في بروكسل احتجاجات 10 سبتمبر، بأنها “قد تكون الشرارة التي تعيد رسم خريطة أوروبا، فإما تؤدي إلى اتحاد أكثر مرونة اجتماعيًا، أو تفكك تدريجي يُعيد إحياء النزعات القومية”، بما يشير إلى تأثيرها الدولي الكبير، الذي رأه “الألفي” أوضح ما يكون في التداعيات الاقتصادية المُحتملة، التي تترتب عليها كافة النتائج الأخرى.

فقال: إن تلك الاحتجاجات قد تلقي بظلالها على: “أسواق المال: حيث يحتمل سقوط المؤشر الرئيسي لبورصة باريس (CAC 40)، بنسبة 3.5% يوم الاحتجاجات، كما قد تضغط على سندات دول الجنوب الأوروبي- إيطاليا، إسبانيا، اليونان- بسبب المخاوف من عدوى الاحتجاجات”.

وتابع: “ووفقًا لتقديرات بنك جولدمان ساكس، قد تؤثر الاحتجاجات على سعر صرف اليورو، فيتراجع أمام الدولار إلى 0.92- وهو أدنى مستوى له منذ عام 2023؛ وقد تعطل سلاسل التوريد، بسبب شلل موانئ كاليه ولوهافر، بما يعطل تجارة الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا”.

وأشار إلى احتمالات انتشار موجة احتجاجات مماثلة، في بلجيكا والبرتغال، للمطالبة بمراجعة موازناتها، حال امتثلت الحكومة الفرنسية لمطالب المحتجين، وتراجعت عن خطتها؛ وعلى الجانب الأخر، تظهر احتمالات فرض برلمان الاتحاد الأوروبي عقوبات رمزية على فرنسا، حال استخدامها القوة ضد المتظاهرين، وتجميد صندوق التعافي الأوروبي البالغ 15 مليار يورو المخصص لباريس.

ونظرًا للتأثيرات الكبيرة المُحتملة لتلك الاحتجاجات، توقع خبير الاقتصاد السياسي تحرك المؤسسات الأوروبية للتحذير منها، فقال: “قد تحذر المفوضية الأوروبية من خطر انتشارها في دول أوروبية أخرى، داعية فرنسا لتحقيق توازن بين التقشف والحماية الاجتماعية؛ بينما قد يدعو البنك المركزي الأوروبي لاجتماع طارئ، لدراسة توسيع برنامج شراء السندات، لمنع انهيار أسواق الديون؛ فيما يحتمل أن يدين برلمان الاتحاد الأوروبي رسميًا خطة التقشف الفرنسية، باعتبارها انتهاك للنموذج الاجتماعي الأوروبي”.

عدوى الاحتجاجات

رجح “الألفي” احتمالات انتقال ما وصفه “بعدوى الاحتجاجات” إلى دول أوروبية أخرى، حال تصاعدها وتطورها، موضحًا أنه في “إيطاليا: هددت نقابات CGIL بمظاهرات مماثلة، إذا طبّقت حكومة جورجا ميلوني تقشفًا مماثلا؛ كما ترتفع احتمالات تصعيد احتجاجات حركة (أخرنا 3 أيام- Letzte Generation)، في ألمانيا، ضد خفض الدعم البيئي؛ وغير بعيد تصعيد مطالب بإسقاط الديون في اليونان، في استعادة لذاكرة أزمة 2015”.

وتابع تحليله متوقعا ردود الفعل الدولية على تلك الاحتجاجات، فقال: “ومن منطلق انتشار العدوى وتأثيراتها، من المتوقع أن يدعم فريدريتش ميرتس- المستشار الألماني- ماكرون سرًا، بينما يحذّر من تفريغ محتوى الاتحاد الأوروبي”.

فيما تتخذ قوى دولية غير أوروبية مواقف، تتسق مع مصالحها الاقتصادية والسياسية، وفي هذا الصدد قال الألفي:”قد تستغل الصين تلك الاحتجاجات استغلالا دعائيا عبر منصات مثلو CGTN، لتسويق فشل النموذج الغربي؛ وتدعمها روسيا بشكل غير مباشر، عبر قنوات RT لتقويض استقرار الاتحاد الأوروبي؛ أما الولايات المتحدة، فمن المتوقع أن يُصدِر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بيانًا، يدعو فيه لحوار وطني في فرنسا، مع تأكيد دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو)”.

صدع أوروبي

وفي رؤيته، أشار “الألفي” لاحتمالات نمو الصدع في الاتحاد الأوروبي، بتصاعد تلك الاحتجاجات، حيث يروج حزبي التجمع الوطني الفرنسي، والبديل من أجل ألمانيا- ذوي التوجه اليميني المتطرف- إلى خطاب الاتحاد الأوروبي هو المشكلة؛ بينما تصر دول شمال أوروبا، مثل : ألمانيا وهولندا، على فرض شروط تقشف على المساعدات، وتهدد دول الجنوب، مثل إسبانيا وإيطاليا، بعرقلة سياسات الاتحاد ما لم تُراعِ البعد الاجتماعي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights