الرئيسيةعرب-وعالم

سد ميدوج (2)… معجزة التفوق التكنولوجي ولغم الأمن المائي

تقرير: مروة محي الدين

محطة ميدوج الكهرومائية أو سد الممرات الثلاث، الذي مثل طفرة في تكنولوجيا بناء السدود وتشغيلها، وانفراد صيني تتحدى به منافسيها، وفقًا لما أوضحته مصادرنا في الحلقة السابقة، لم يقف عند هذا الحد، فالمشروع على ضخامته يلقى بظلاله على عدة قضايا، مثل: الأمن المائي والتوازن البيئية وتحدي الطبيعة.

سد ميدوج (1).. طفرة صينية في إنتاج الكهرباء النظيفة

وذلك هو التحدي الحقيقي أمام بكين، حيث يصف الدكتور “محمد الألفي”- خبير الاقتصاد السياسي- هذا التحدي، فيقول: “سد ميدوج مشروع أقرب للخيال علمي أصبح حقيقة، وسيكون أعظم هدية بيئية للبشرية حال نجاحه، بينما إن فشل سيكون كارثة جيوسياسية تبتلع آسيا”.

المعجزة التكنولوجية

 

التفوق التكنولوجي هو الركيزة التي يبنى عليها هذا السد، ويتركز ذلكفي توربيناتها المسماة “توربينات التنين الذهبي”، وهو أول توربين في العالم يعمل تحت ضغط مائي يعادل 40 مرة ضغط إعصار، ومصنوع من سبيكة تيتانيوم- فولاذ تتحمل درجات حرارة -40°م؛ كما يحتوي على شبكة ذكاء اصطناعي، تضم: 5,000 حساس لمراقبة التشققات والضغط، ونظام إنذار مبكر يتنبأ بالكوارث قبل 72 ساعة؛ وتكتمل ثورة السد التكنولوجية بالنقل الخارق للطاقة، عبر كابلات فائقة التوصيل، تصل درجة حرارتها -200°م، وتنقل الكهرباء بفقدان طاقة أقل 100 مرة من الخطوط التقليدية، ما دعى “الألفي” لوصف التفوق التكنولوجي للسد: بأنه “معجزة الهندسة الصينية”.

وفي هذا الصدد تقول الصحفية الصينية المتخصصة في الشأن الاقتصادي “سعاد باي شين هواه”: “حقق مشروع المحطة- خلال عملية بنائه- عدة اختراقات تكنولوجية، ذات قدرة عالية على المنافسة في الأسواق العالمية؛ ولم تقتصر هذه الإنجازات التقنية على تجاوز التحديات المعقدة للمشروع، بل توفر أيضًا خبرة ومعرفة قيّمة، يمكن الاستفادة منها في مشروعات الهندسة المائية في دول أخرى”.

وأضافت: “كما تستطيع الصين من خلال منصات التعاون، مثل: مبادرة الحزام والطريق، تصدير تقنيات متقدمة، مثل: ماكينات الحفر العملاقة (TBM) الخاصة بالهضاب، والخرسانة ذاتية الإصلاح، لتوظيفها في مشروعات البنية التحتية الدولية؛

كذلك يجسد بناء المحطة القوة التكنولوجية الكبيرة للصين، في مجال الهندسة الكهرومائية، ويعكس قدرتها على الابتكار، ما يعزز من نفوذها ومكانتها التنافسية في سوق بناء السدود عالميًا، ويدفع المزيد من الدول إلى تعزيز التعاون معها في مجال التكنولوجيا وتنفيذ المشروعات المشتركة”.

الأمن المائي الأسيوي

على الرغم من التفوق التكنولوجي الهائل لذلك المشروع، لم يخل من تهديدات لأطراف عدة، بتضرر أمنها المائي فور تشغيل السد، حيث يسرى التوتر لدى الهند- التي يغطي نهر يارلونج تسانجبو 30% من احتياجاتها المائية، وبنجلاديش- التي تستقبل 50% من مياه النهر، من تجفيف السد لأحد روافد المياة الرئيسية للبلدين.

وقد أكدت “شين هواة” وجود تلك المخاوف، فقالت: “أثار مشروع محطة ميدو الكهرومائية بعض المخاوف في الهند وبنغلاديش، إذ تخشى نيودلهي من أن يؤدي تشغيل السد إلى تقليص تدفق المياه في موسم الجفاف، بما يضر بالإنتاج الزراعي للهند؛ كما تخشى دكا من تراجع الموارد المائية المتاحة للزراعة والاستخدامات المعيشية، إضافةً إلى القلق من احتمال حدوث فيضانات مفاجئة، في موسم الأمطار إذا ما تم تصريف المياه بشكل غير منضبط”.

ويقول “الألفي” عن تلك المخاوف: “بالنسبة للهند، يشكل السد تهديدا لنهر البراهمابوترا، حيث يقطع 10% من تدفقه، ما يهدد بتجفيف أراضي 60 مليون مزارع في آسام؛ ومن هنا تقدمت بشكوى ضد بناء السد، لمجلس الأمن الدولي في مايو 2025، بدعم من اليابان وأستراليا؛ وعلى الجانب الآخر نشرت لواءً خاصاً للهندسة المائية على الحدود مع الصين، وعكفت على تطوير صواريخ براهموس، ذات القدرة التدميرية العالية، لضمان تدمير السد حال نشب صراع”.

وأضاف: “وعلى الجانب الآخر، التزمت بنجلاديش الصمت المريب، فلم تحتج رسميا على بناء السد، لعدة أسباب أهمها: الاستثمارات الصينية في ميناء باي أوف بنغال، بقيمة 7 مليارات دولار؛ وتخوّفها من خسارة القروض الصينية المخصصة لمواجهة الغرق الساحلي، حيث أن 20% من أراضيها مهددة بالغرق بالمياة، بحلول عام 2030”.

وفي هذا السياق، قالت “شين هواة”: إن “بكين قد أوضحت أن كمية المياة، التي تخرج من الصين عبر نهر يالوتسانجبوترا، لا تتجاوز 30%- 35% من إجمالي مياه نهر البراهماپوترا، بينما تأتي النسبة الأكبر من الأمطار الموسمية والروافد داخل الأراضي الهندية، ما يجعل تأثير السد على حجم المياه الكلي محدودًا”.

وأضافت: أن الصين “أكدت التزامها بعدم تغيير الجريان الطبيعي للنهر، واعتماد أسلوب الإدارة العلمية، لتأمين استقرار التدفق في موسم الجفاف، والحد من ذروة الفيضانات في موسم الأمطار، بما يخفف الضغط المائي على الهند وبنجلاديش.؛ كما تواصل بكين مشاركة بياناتها الهيدرولوجية مع بنجلاديش بشكل منتظم، وتعهدت، في إطار ذلك المشروع، بمواصلة تبادل المعلومات المائية لتعزيز الشفافية والطمأنة، وتقليل المخاوف المتعلقة باستخدام الموارد المائية، والتوازن البيئي في دول المصب”.

التهديد البيئي

يثير المشروع تحد بيئي ضخم، للحيوان والطبيعة الجيولوجية لمنطقة العمل والتراث الثقافي، فيقول “الألفي”: “إن السد يهدد بانقراض أنواع من الحيوانات، حيث تعد منطقة البناء الموطن الأخير لنمر الثلج وباندا التبت، كما رصدت إحدى كاميرات المراقبة بالمنطقة، هروب نحو 70% من الحيوانات منذ بدء العمل”.

وأضاف: “كما يتأجج خطر الزلازل في منطقة العمل، التي تقع على حزام زلزالي نشط، وتحذر دراسات جامعة تسينخهوا من: أن خزان السد قد يُحفّز زلزالاً بقوة 8 درجات على مقياس ريختر؛ وعلى جانب آخر، قد يتسبب المشروع في غمر 14 معبداً بوذياً بالمياة، بعضها يرجع إلى القرن السابع، وقد احتج على البناء الرهبان البوذيين في المنفى”.

وتحدثت “شين هواة” عن جهود بكين في احتواء المخاطر البيئية فقالت: إن المشروع “يتضمن آليات للحفاظ على التدفق البيئي، عبر محاكاة النبضات الطبيعية للمياه، بالإضافةً إلى إنشاء ممرات للأسماك أو محطات لإكثارها، لتعويض تأثير السد على هجرتها، مع تجنّب المناطق المحمية، والحفاظ على 30% من المجرى الأصلي، لضمان استمرارية التنوع البيولوجي، وضمان هجرة الأسماك، والإبقاء على تدفق بيئي أساسي، بمقدار 800 متر مكعب في الثانية”.

وتابعت: “حيث تضع بكين هدف حماية البيئة على رأس قائمة أولوياتها، فقد صممت المشروع بطرق علمية، لتقليل الأثر على النظام البيئي، فالتصميم يعتمد على أسلوب: تحويل المسار+ الأنفاق، إضافة إلى إنشاء ممرات للأسماك وأنظمة سحب متعددة المستويات للمياه. هذه التدابير تُظهر أن الصين توازن بين التنمية وحماية البيئة، وتتصرف باعتبارها دولة مسؤولة، قادرة على التوفيق بين متطلبات البناء وحماية النظام البيئي”.

رهان مستقبلي

يقول “الألفي”: إن مشروع محطة ميدوج رهان مستقبلي، “بين طموح الصين وغضب الطبيعة، فعلى الرغم من المكاسب المتوقع أن تحققها بكين منه، مثل: تحقيق 10% من هدفها للحياد الكربوني بحلول عام 2060، وتحويل التبت إلى هايبرلوب الطاقة، لتصدير الكهرباء إلى باكستان ونيبال؛ يحمل المشروع مخاطر كارثية من: انهيار السد، الذي قد يُسبب فيضاناً يغمر شمال الهند بالكامل خلال 48 ساعة، كما قد تؤدي الاحتجاجات العالمية، إلى وقف تمويل البنوك الأوروبية، مثل: بنك الاستثمار الآسيوي”.

وفي وصف ذلك الرهان، قالت مجلة الإيكونوميست في أغسطس 2025: إن الصين تراهن بسمعتها العالمية على هذه اللعبة الخطرة، بينما العالم يحبس أنفاسه!

وقد علقت “شين هواة”على وصف الإيكونوميست، فقالت: “إن تعليق مجلة الإيكونوميست على المشروع غير دقيق، وينطوي على تحيّز واضح، فبناء هذه المحطة يُعد خطوة إستراتيجية كبرى، اتخذتها الصين استنادًا إلى احتياجاتها التنموية وتخطيطها الاستراتيجي بعيد المدى، وليس كما يصُوِّر أنه: لعبة خطرة”.

وأضافت: إن “المحطة ستوفر نحو 300 مليار كيلووات/ ساعة من الكهرباء النظيفة سنويًا، ما يعادل استبدال 90 مليون طن من الفحم القياسي، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 300 مليون طن، وهو ما يسهم مباشرة في تسريع التحوّل الصيني للطاقة النظيفة، ودعم تحقيق هدف الحياد الكربوني، وتعزيز الجهود العالمية لمكافحة تغيّر المناخ؛ بما يدل على التزام بكين بمسؤولياتها الدولية في مجال التنمية المستدامة، وإسهامها في تحسين سمعتها ودورها في الحوكمة المناخية العالمية، لا الإضرار بها؛

وعلى المستوى الجيوسياسي، أكدت الصين مرارًا: أنها لا تنوي استخدام المحطة للتأثير على المناطق الواقعة في مجرى النهر الأدنى، كما حرصت على تفعيل آلية تبادل البيانات الهيدرولوجية مع الهند، في خطوة تعكس الشفافية وروح المسؤولية”.

واختتمت تصريحاتها بالتأييد الكامل المشروع متعدد المنافع، فقالت: “إن ميدوج قرار عقلاني ومتوازن، يأخذ في الحسبان اعتبارات الطاقة والبيئة والجغرافيا السياسية، وبفضل التخطيط العلمي والتنفيذ الدقيق، تضمن الصين تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية متكاملة، وعليه يسهم المشروع في تنمية الصين والعالم على حد سواء، بعيدًا عن الصورة المشوهة التي رسمتها الإيكونوميست، بأنه لعبة خطرة، قد تُقوِّض سمعة الصين عالميًا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights