تحقيق:مصطفى علي
لم يكن الأزهر الشريف منارة للعلوم الشرعية وحدها، بل امتد عطاؤه ليشمل العلوم التطبيقية والطبية، فخرجت من كلياته أجيال متعاقبة من الأطباء الذين سطروا أسماءهم بحروف من نور في سجلات الطب المصري والعالمي واليوم، حين نتأمل المشهد الطبي في مصر نجد أن قطاع الطب بالأزهر والمستشفيات الجامعية التابعة له أصبح علامة بارزة في التقدم الطبي، حيث يشارك أساتذة الأزهر في أرقى المؤتمرات العالمية بأوروبا والولايات المتحدة، ويحتلون مقاعد القيادة في الجمعيات الطبية المصرية الكبرى وفي قلب هذه المسيرة يقف رجل استثنائي، رمزًا للإصرار والعلم والريادة: الدكتور محمد الهادي زهران، الذي استحق عن جدارة لقب “إمبراطور علم التشريح في مصر والشرق الأوسط”.
الأزهر وقطاع الطب.. حضور قوي محليًا وعالميًا
القطاع الطبي في الأزهر الشريف لم يعد مجرد مرفق أكاديمي تقليدي، بل تحوّل إلى مدرسة رائدة على المستويين المحلي والعالمي فعلى الصعيد الدولي، يشارك أساتذة كلية طب الأزهر بانتظام في مؤتمرات مرموقة، ناقلين خبراتهم ومساهمين في بناء جسور علمية مع مؤسسات بحثية عالمية أما محليًا، فالأطباء الأزهريون يتصدرون المشهد في الجمعيات الطبية المصرية، حيث يتولى رئاسة الجمعية المصرية لجراحة القلب والصدر الأستاذ الدكتور الحسيني جميل، فيما يترأس الجمعية المصرية لجراحة المخ والأعصاب الأستاذ الدكتور إبراهيم عويس، وهو طبيب أزهري بارز وعضو برلماني هذه النماذج وغيرها تعكس كيف أن الأزهر أصبح بيتًا للريادة الطبية، إلى جانب مكانته الدينية.
محمد الهادي زهران.. قصة كفاح وعلم لا ينضب
وسط هذه الكوكبة من العلماء، يبرز اسم الدكتور محمد الهادي زهران، الذي ارتبط اسمه بعلم التشريح حتى أصبح أيقونة في مجاله، ليس داخل الأزهر فقط، بل في مصر والشرق الأوسط ما يميز زهران ليس فقط إنجازاته الأكاديمية، بل قدرته الفريدة على الاستمرار في طلب العلم رغم بلوغه مراحل متقدمة في العمر، وكأنه يوجه رسالة عملية للأجيال الجديدة: أن العلم لا يتوقف عند شهادة أو منصب، بل هو مسيرة حياة.
رحلة علمية بدأت من الأزهر
وُلدت مسيرة زهران الأكاديمية داخل أسوار الأزهر، حيث حصل على بكالوريوس الطب والجراحة من كلية طب الأزهر بنين عام 1975، لتبدأ بعدها رحلته مع التخصص الدقيق حصل على درجة الماجستير في علم التشريح عام 1980، ثم الدكتوراه في التخصص ذاته عام 1984، ليصبح أحد أبرز المتخصصين في هذا العلم ومع صعوده الأكاديمي، تولى رئاسة قسم التشريح بكلية الطب عام 2006، فقاد القسم إلى مستويات متقدمة من التعليم والبحث العلمي.
شهادات جديدة رغم التقدم في العمر
رغم وصوله إلى رئاسة القسم وحصوله على أعلى الدرجات العلمية، لم يركن زهران إلى الإنجاز، بل واصل سعيه في دروب العلم بتواضع وإصرار نادرين ففي عام 1987، حصل على دبلومة متخصصة في طب الأطفال، ثم نال درجة الماجستير في التخصص نفسه عام 1992 ولم يكتف بذلك، بل واصل رحلة التحدي حتى عام 2024، حيث حصل على درجة الماجستير في طب المسنين وهو في سن السادسة والسبعين، ليبرهن أن العمر مجرد رقم أمام إرادة حقيقية لا تعرف التوقف واليوم، يستعد زهران لمناقشة رسالة الدكتوراه في تخصص طب الأطفال، لتصبح هذه الشهادة السابعة في مسيرته الطبية الحافلة.
رسالة إلى شباب الأطباء: العلم دواء الحياة
لا يقتصر إنجاز زهران على كونه رائدًا في علم التشريح أو حاملاً لأكثر من شهادة عليا، بل تكمن قيمته الكبرى في الرسالة التي يوجهها للأطباء الشباب والخريجين: أن طلب العلم لا يتوقف، بل يظل ملازمًا للإنسان كالماء والدواء، لا غنى عنه مادامت الحياة مستمرة فهو نموذج يُجسّد المعادلة الصعبة بين التفوق العلمي والالتزام الأخلاقي والروح البحثية المتجددة.
الأزهر.. منارة متجددة في ميادين الطب
إن مسيرة الدكتور محمد الهادي زهران، إلى جانب إنجازات زملائه الأطباء الأزهريين، تعكس الدور المتنامي للأزهر في خدمة المجتمع، ليس فقط عبر الوعظ والإرشاد، بل أيضًا عبر تطوير الرعاية الصحية ودفع حدود البحث العلمي وإذا كان البعض ينظر إلى الأزهر بوصفه مؤسسة دينية فقط، فإن تجربة الطب بالأزهر تثبت أن رسالته شاملة، تمتد لتشمل تنمية الإنسان روحيًا وعلميًا وصحيًا.
يبقى الدكتور محمد الهادي زهران علامة فارقة في تاريخ الطب الأزهري، ورمزًا لرجل لم يعرف حدودًا في طلب العلم تجربته الشخصية تُلهم كل طبيب شاب بأن النجاح لا يُقاس فقط بعدد الشهادات، بل بمدى الإصرار على التعلم، والقدرة على الجمع بين التخصصات، والإيمان بأن مسيرة الإنسان الحقيقية تبدأ حين يرفض التوقف وبينما يستعد لمناقشة رسالته السابعة، يكتب زهران فصلًا جديدًا في ملحمة الأزهر العلمية، ليظل قدوة للأجيال القادمة، ودليلًا حيًا على أن العلم حياة لا تنتهي.
