دار الإفتاء تطلق أولى ندواتها في معرض الكتاب.. الفتوى والمشكلات الاجتماعية

تحت شعار “الفتوى والمشكلات الاجتماعية”، نظَّمت دار الإفتاء المصرية أولى ندواتها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2025. وبتوجيهات من فضيلة الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم.
جاء اللقاء ليجمع عددًا من الخبراء والمتخصصين في المجالات الدينية والاجتماعية لمناقشة أبرز التحديات التي تواجه المجتمع المصري.
الفتوى والتفاعل مع الواقع الاجتماعي
منذ بداية الندوة، التي شهدت حضورًا مكثفًا من رواد المعرض، كان الموضوع الأكثر إثارة للنقاش هو كيفية تعامل الفتوى مع المشكلات الاجتماعية المعقدة في ظل تطور العصر وظهور تحديات جديدة.
وافتتح الدكتور محمود عبد الرحمن الندوة مشيرًا إلى أن دار الإفتاء لا تقتصر مهمتها على تقديم الفتاوى الدينية فحسب، بل هي منصة للحوار المجتمعي، تجدد الخطاب الديني وتربط الشريعة الإسلامية بواقع الحياة اليومية.
فضيلة مفتي الجمهورية، الدكتور نظير عيَّاد، أكَّد في كلمته أن الشريعة الإسلامية تنطلق من فلسفة مستندة إلى الاحترام والتقدير للعلاقات الاجتماعية.
ولفت إلى أن الإسلام ينظر إلى الأسرة باعتبارها نواة المجتمع، معتبراً الزواج الشرعي هو السبيل الوحيد الذي يضمن استقرار الأسرة واستدامة المجتمع.
كما تناول فضيلته في حديثه قضية الطلاق، مشيرًا إلى أن الإسلام يوفر حلولًا عملية لحل المشكلات الأسرية، من خلال تعزيز المودة والرحمة بين الزوجين.
الأسرة والتحديات المعاصرة
الدكتور عيَّاد تحدث أيضًا عن التحديات التي أفرزتها “أزمة العصر”، التي تتمثل في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأسر. أشار إلى أن هذه الوسائل قد ساهمت في ظهور ظواهر اجتماعية خطيرة مثل العنف الأسري، والعزلة الاجتماعية، وغياب التواصل بين الأجيال.
ومن هنا جاء دور دار الإفتاء المصرية، التي تراقب عن كثب هذه القضايا من خلال منافذها المختلفة للفتوى، مع تحذيرات جادة من تزايد ظاهرة العقوق الذي قد يصل إلى العنف، بما في ذلك القتل والاعتداء.
التعليم والإصلاح المجتمعي
تحدث أيضًا الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، عن دور المؤسسات الأكاديمية في توعية الأفراد وتقديم حلول للمعضلات الأسرية. أشار إلى أن الإسلام في القرآن الكريم وضع قواعد عامة للأسرة، لكن التفاصيل تُترك للاجتهاد وفقًا للتطورات الزمانية والمكانية.
وأضاف أن من أكبر التحديات التي تهدد استقرار الأسرة اليوم هي قضية الطلاق، وقدم الحلول الإسلامية التي تدعو إلى المودة والرحمة كأساس للعلاقة الزوجية.
كما أكد أن الأزهر لا يقتصر دوره على التعليم فقط، بل هو بمثابة حاضنة ثقافية ودينية تساهم في التنشئة الصحيحة للأجيال الجديدة.
التعاون المؤسسي للتصدي للقضايا الاجتماعية
من جانبها، تناولت الدكتورة هالة رمضان، رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الأبعاد البحثية لمشكلات المجتمع المصري، مشيرة إلى ضرورة إنشاء آليات لرصد المشكلات الاجتماعية، خاصة في القرى والنجوع.
ولفتت إلى أن العديد من الجرائم البارزة مثل العنف الأسري والقتل بين الأقارب ترجع إلى ضعف الروابط الأسرية.
وأكدت على ضرورة تضافر جهود المؤسسات التعليمية، الثقافية، والإعلامية مع المؤسسات الدينية لمواجهة هذه القضايا عبر حملات توعوية هادفة.
الدكتورة هالة أضافت أنه من الضروري تبني استراتيجية شاملة لتحسين التواصل بين الأجيال، وهو ما يعكس أهمية التوعية بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي.
وتحدثت عن مشروع قومي للتكاتف الأسري، والذي يمكن أن يُسهم بشكل كبير في التخفيف من تأثيرات التكنولوجيا الحديثة على العلاقات الأسرية.
التحديات المستقبلية وأهمية الفتوى
في نهاية الندوة، أشار فضيلة الدكتور نظير عيَّاد إلى أهمية استمرار الجهود الجماعية لمواجهة التحديات الاجتماعية، موجهًا الدعوة لجميع الجهات المعنية من وزارات ومؤسسات دينية ومجتمعية للإسهام في معالجة الظواهر السلبية المتزايدة، خاصة مع تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح أن دار الإفتاء مستمرة في توعية المجتمع بمخاطر هذه الظواهر، وستواصل التعاون مع مختلف الجهات لتقديم حلول فعالة على أرض الواقع.
تفاعل الحضور بشكل واسع خلال الندوة من خلال مداخلات أثرَّت النقاش، بما في ذلك مداخلات الدكتور وليد رشاد من المركز القومي للبحوث الاجتماعية الذي أكد على أهمية تعزيز التواصل بين الأجيال داخل الأسرة.
كما تحدث الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء، عن تأثير “الهم الاجتماعي” على استقرار العلاقات الأسرية وأثر “السيولة” الاجتماعية التي تُضعف العلاقات بين الأفراد.
خلاصة القول
تعد هذه الندوة جزءًا من سلسلة جهود مستمرة تسعى لدمج الفتوى مع الواقع الاجتماعي المعاصر، وتؤكد أن الإصلاح المجتمعي يتطلب تضافر كافة المؤسسات معًا، بما في ذلك المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية.
كما أن الفتوى ليست مجرد إرشادات دينية، بل أداة رئيسية في معالجة القضايا الاجتماعية التي تهدد استقرار الأسرة والمجتمع ككل.