مكتبة الأزهر الشريف كنز معرفي يواكب العصر الرقمي

شهدت مدينة الأقصر انعقاد مؤتمر الاتحاد العربي للمكتبات، حيث شارك الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، ممثلًا عن الأزهر الشريف، في فعاليات المؤتمر الذي ضم نخبة من المتخصصين والباحثين في علوم المكتبات والمعلومات.

حضر المؤتمر عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم الدكتور هشام أبو زيد، نائب محافظ الأقصر، والدكتور نبهان الحراصي، رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، إضافةً إلى نخبة من الأكاديميين والمسؤولين المعنيين بشؤون المكتبات.

مكتبة الأزهر: إرث معرفي ممتد عبر العصور

في كلمته التي ألقاها تحت عنوان “مكتبة الأزهر ورسالتها العالمية على كل المنصات العادية والتقنية”، أكد الدكتور محمد الجندي على المكانة الرائدة لمكتبة الأزهر الشريف، باعتبارها واحدة من أهم المؤسسات الثقافية والمكتبات في العالم العربي والإسلامي.
وأوضح أن المكتبة أنشئت رسميًا عام 1897 بقرار من مجلس إدارة الجامع الأزهر، بناءً على توصية من الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية آنذاك، بهدف جمع الكتب المتفرقة في أروقة الجامع الأزهر والمكتبات الكبرى في مكان واحد لحفظها والانتفاع بها.

أشار الجندي إلى أن المكتبة نقلت إلى مقرها الحالي بمشيخة الأزهر عام 1992، وأصبحت مقصدًا للباحثين وطلاب العلم من مختلف أنحاء العالم. واليوم، تستعد المكتبة للانتقال إلى مبناها الجديد، الذي يتميز بتصاميم هندسية حديثة وإمكانات تقنية متطورة، في إطار رؤية الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب.

مقتنيات نادرة من أعلام الفكر والعلم

تحتضن مكتبة الأزهر الشريف كنوزًا معرفية نادرة تشمل مختلف العلوم، من الفلك والتفسير إلى الطب والفلسفة، حيث تضم بين رفوفها أعمالًا لمشاهير العلماء عبر التاريخ، مثل الإمام الشافعي، والإمام البخاري، والإمام الغزالي، وفخر الدين الرازي، والعز بن عبد السلام، إضافةً إلى علماء العصر الحديث مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي والدكتور أحمد زويل.

أوضح الأمين العام أن المكتبة تحوي أكثر من 46,715 مخطوطًا في مختلف العلوم، من بينها مخطوطات نادرة في التفسير، والفقه، والطب، والتاريخ، والفلك، يعود بعضها إلى القرن الرابع الهجري. كما تمتلك المكتبة 970 مصحفًا مخطوطًا، أقدمها مكتوب بالخط الكوفي ويعود تاريخه إلى القرن الرابع الهجري.

التحول الرقمي في مكتبة الأزهر

في إطار سعيها لمواكبة التطورات التكنولوجية، أنجزت مكتبة الأزهر رقمنة نحو 90% من مقتنياتها النادرة، بهدف إتاحتها إلكترونيًا للباحثين والمستفيدين حول العالم. وتعمل حاليًا على استكمال عملية الرقمنة لبقية المخطوطات وأوائل المطبوعات خلال الأشهر القادمة.

تمتلك المكتبة أكثر من 302,212 كتابًا مطبوعًا، إضافةً إلى 145 خريطة نادرة، من بينها خرائط تاريخية مثل خريطة القطر المصري وخريطة الوطن العربي، التي توثق تطورات المنطقة عبر القرون.

خدمات معرفية متكاملة للباحثين والدارسين

توفر مكتبة الأزهر العديد من الخدمات البحثية والعلمية لطلاب العلم، منها إمكانية الاطلاع على المطبوعات ورقيًا، والاستفادة من المخطوطات إلكترونيًا داخل المكتبة.
كما تقدم خدمة البحث الانتقائي للمعلومات، حيث تتيح للباحثين إمكانية الوصول إلى مصادر متخصصة تدعم دراساتهم وأبحاثهم.

وتمتد خدمات المكتبة إلى مختلف قطاعات الأزهر الشريف، مثل مجمع البحوث الإسلامية، ومركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، وهيئة كبار العلماء، وقطاع المعاهد الأزهرية، وجامعة الأزهر، وغيرها من الهيئات العلمية.

نحو مستقبل رقمي متطور

مع انتقالها إلى مقرها الجديد، تسعى مكتبة الأزهر إلى تطوير خدماتها بما يتماشى مع رؤية الأزهر الشريف ورؤية الدولة المصرية 2030، حيث تهدف إلى إتاحة معظم خدماتها إلكترونيًا، وتسريع عملية التحول الرقمي لتسهيل وصول الباحثين إلى مصادر المعرفة.

أكد الدكتور محمد الجندي أن مكتبة الأزهر ليست مجرد أرشيف للمخطوطات والكتب، بل هي صرح معرفي متجدد يسعى للحفاظ على التراث الثقافي للأمة الإسلامية، مع العمل على تطوير آلياته وفق أحدث المعايير العالمية، لضمان استمرارية دوره في نشر العلم والمعرفة للأجيال القادمة.