واشنطن تُموّل القنابل وأوروبا تغسل يديها.. من يوقف ماكينة القتل في غزة؟
الضغط الأوروبي في مهب التصعيد الإسرائيلي..هل تملك العواصم الغربية أدوات ردع حقيقية؟

مع تزايد الانتقادات الدولية لسلوك إسرائيل العسكري في قطاع غزة، بدا للوهلة الأولى أن بعض الدول الغربية بدأت تُراجع مواقفها التقليدية.
فقد أعلنت بريطانيا تعليق المحادثات التجارية مع تل أبيب، بينما كشف الاتحاد الأوروبي عن مراجعة محتملة لاتفاقية الشراكة مع إسرائيل، في ظل تصاعد الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين. لكن، هل تكفي هذه التحركات لكبح جماح آلة الحرب الإسرائيلية؟
مراجعة اتفاقية الشراكة.. كلمة مطاطية
اللواء محمد عبد الواحد، الخبير في الأمن القومي والعلاقات الدولية، يرى أن هذه القرارات ليست سوى خطوات رمزية، لا تحمل أي قدرة فعلية على التأثير في مجريات الميدان، مُعلقًا: “كلمة مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل كلمة مطاطية، لم تصل بعد إلى مرحلة تعليق المساعدات أو فرض عقوبات اقتصادية.”
اللواء عبد الواحد يشير في تصريحات خاصة لموقع “اليوم”، إلى أن القرار الأوروبي نفسه يعاني من ضعف داخلي، إذ لم يُدعمه سوى 17 من أصل 27 دولة، ما يجعل تمريره بالإجماع شبه مستحيل،
وبحسبه، فإن دولًا كألمانيا ما زالت تشكل مظلة حماية دبلوماسية لإسرائيل داخل الاتحاد.
الغطاء الأمريكي.. القنبلة التي لا تنفجر سياسيًا
لكن الأهم في تقدير اللواء عبد الواحد هو أن الولايات المتحدة لا تمارس غيابًا في الضغط، بل توفر غطاءً كاملًا لاستمرار التصعيد الإسرائيلي.
كما أنه يحمّل إدارة ترامب الحالية مسؤولية مباشرة عن إطالة أمد الحرب: “الذي يردع إسرائيل فعليًا هو قرار ترامب.. هو من يملك وقف إطلاق النار أو الاستمرار.”
ويوضح أن الولايات المتحدة تمثل العمود الفقري لآلة الحرب الإسرائيلية، من خلال حزمة مساعدات عسكرية تمتد حتى عام 2028 بقيمة 38 مليار دولار، وتشمل دعمًا تقنيًا واستخباراتيًا غير محدود.
كما يشير إلى أن أكثر من 70% من الأسلحة التي دمرت غزة في الأشهر الأخيرة أمريكية الصنع، بما فيها القنابل زنة 2000 رطل، والتي محَت أحياء كاملة عن الخارطة.
مضيفًا: “كل هذا الدمار تم بدعم ومباركة أمريكية، بل وأكثر من ذلك، حصلت أمريكا على مكافأة ضخمة من دول عربية بمئات المليارات من الدولارات.”
هدنة لالتقاط الأنفاس أم تصعيد طويل الأمد؟
يقدّم اللواء عبد الواحد رؤية قاتمة لما قد تحمله الأيام المقبلة، فهو لا يرى أن إسرائيل بصدد وقف العمليات، بل تسعى إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض عبر تهجير واسع النطاق في قطاع غزة، بما يشمل تدمير المساكن وإخلاء الأحياء.
وزاد بالقول: “الجرافات تدخل بعد القصف وتفضي المناطق، غزة تتحول يومًا بعد يوم إلى أرض فاضية، وهذه ليست مصادفة.”
وعن السيناريوهات المتوقعة، يرى أن أقصى ما قد يتم هو هدنة مؤقتة، بضغط محدود من واشنطن، تُستخدم لاستعادة الأسرى الإسرائيليين، بعدها قد يُستأنف القتال، في حلقة مفرغة من التهدئة والتصعيد، حيث قال: “بعد ما إسرائيل تحقق مصالحها العسكرية، ممكن نرجع نعمل هدنة مؤقتة… ثم نعود ونقتل المدنيين من جديد.”
أوروبا “تغسل يديها”
ينهي اللواء عبد الواحد تحليله بالتأكيد أن الضغط الأوروبي منفردًا غير قادر على ردع إسرائيل؛ فالاتحاد الأوروبي، رغم كونه الشريك التجاري الأكبر لتل أبيب، لم يُقدم حتى الآن على اتخاذ أي خطوة ملزمة أو فعّالة، مُضيفًا: “كل ما تفعله أوروبا حتى الآن مجرد تنظيف يدها من الجرائم، لا أكثر.”
في ظل هذا المشهد، يبدو أن المفتاح الحقيقي لوقف التصعيد ما زال في يد واشنطن، التي تُفضل أن تؤجل تدخلها إلى ما بعد تحقيق الأهداف الإسرائيلية بالكامل، سواء كانت أمنية، أو ديموغرافية، أو جيوسياسية.